الإسكندرية - عبد المنعم رمضان | القصيدة.كوم

شاعر وكاتب مصري حاصل على جائزة كفافيس عام 2000 (1951-)


242 | 0 | 0 | 0




"نوبة حراسة"

كان كفافي يعشق الإسكندريةْ
كان يرف فوقها كورقةْ
ويختفي في رعشة الأزقةْ
وكان إن ناداه طائر البحر
جثا
واحترقت جبّته
فمال نحو امرأة يعرفها
تقول : ما الذي أغواك يا كفافي
يقول : ساعدان أبيضان
تقول : هل ملأت جسمك الطائش
هل يصير جرة
وهل أصير زنبقةْ
يقول : خِطْتُه في جريان الماءْ
وها هما
يحتسيان الخمر
يملآن الجوف من أطعمة الحانة
يذكران الله
كلما أتتهما العزلة
أجلستهما على الكرسي
واشتكت إليهما الطريق نحو البحر
واشتكت إليهما الزوارق
التي لا تشبه الدخانْ
وها هما
يغافلان البحر
يغويانه أن يحضن الصحراء
يبركان فوقه
يغتسلان فيه
يصبحان جرة
وزنبقةْ
وحينما يكون الناس في الحانة
هائمِينْ
يقال عنهما : يمامتانْ
وحينما يثّاءب الساقي
ويعلن انتهاءه
ولا يريد الناس غير خيمة
وحارسيْنْ
يقال عنهما : جروان عاشقانْ
الرجل الذي يدعونه كفافي
والمرأة التي يدعونها الإسكندريةْ .
***


"الحكاية"

حين اغتسلت في مياهها
لم أذكر الإسكندرَ
القويَّ مثلما تقول كتب التاريخ
والجميلَ مثلما تخمّن النساء
كان وحده الذي يأمر
وحده الذي يبوح
وحده الذي يطارح البحر
إذا اختلى به
لكنني حين اغتسلت في مياهها
ذكرت أنها هي التي تخففت
من ثوبها الرملي
أعطت جسمها للبحر
صار رغوة
تدفّ فوق أرجل الشطآن
تنتوي العكوف عندها
حتى إذا تهيأت للنوم
كان هذا الرجل القوي مثلما تقول كتب التاريخ
والجميل مثلما تخمن النساء
خائفا
يحلم في تطوافه بامرأة
تنيمه على الفراشْ
تأخذه وديعة
فكان أن فاجأها
قالت له : من أنت ؟
..................
قالت له : أنا الإسكندريةْ
فهل تحب أن تكون قطعة مني
وتصبح الإسكندر
بكى
فأسندته فوق جذعها
بكى
فضاجعته
حتى إذا تهيأت للنوم
باركته باسمها
واحتفظت بجسمها
واغتسلت في الليل
كان ماء البحر صاحيا
يختال في أروقة الظلام
والإسكندر الأكبر لا يكف عن تحديقه
لكي يرى الإسكندريةْ
لو انها لم تغتسل في الليل
لكنها تخشى على مياه البحر أن تنام
تخشى عليه أن تسرقه
أحصنة الظلام
تخشى إذا ما كلم الصحراء
أن يُبَحَّ صوته
فيا جنودْ
ابنوا فنارة لكي يرى في كل وقت
قامة الإسكندريةْ .
***


"شكاوى الفلاح الفصيح"

حاول الرومان أن يشاغلوا الإسكندريةْ
جاءوا لها بالكتب القديمةْ
جاءوا لها بالعلماء والحسابيين والمنجمين
قالت لهم : لديّ ما يهمّني
فحاول الرومان أن يشاغلوا الإسكندريةْ
جاءوا لها بالخزف المصقول
والتماثيل التي من البرونز
والتي من الحجر
قالت لهم : لديّ ما يهمّني
فحاول الرومان أن يشاغلوا الإسكندريةْ
جاءوا لها بالخف
والجلباب لم تكن له رائحة الكتان
والجورب
و"السوتيان"
كان شفافا
وكان ناعما
وبالخلاخيل التي لا تشبه البردى
فلم تجبهمو
فحاول الرومان أن يشاغلوا الإسكندريةْ
جاءوا ببنائين عارفين
أنشأوا في البر قرب البحر
مسرحا
يؤمه الممثلون والمهرجون
واستضافوها
لكي تكون الليلة الأولى غواية لها
لكنها انتشت
قبل نهاية الحفل
وباغتتهمو
وأنشدت مظلمة الفلاح
فأدرك الرومان أنها الجميلة التي
اكتفت بنفسها .
***


"الجحيم"

(1)

كان قايتباي طفلا
كان مملوكا
وكان فاتنا
وكان ذا عينين خضراوين
كانت النساء يشتهينه
يرقبنه في ردهة القصر
فيتجهن نحوه ويبتسمنْ
يرقبنه إذا طواه النوم
أو إذا تعلق الحلم بمعصميه
وكان أن تورمت إليته
وخصيتاه
والذي يليهما من ورق الذكورةْ
فقالت الجدة : يا بنيتي
أخفيه قد يصير ملكا
وعاشقا
يشاء أن يَرى ولا يُرى
وغسّليه
وامنحيه ثوبه القطني .

(2)

كان قاينباي في الشرفة
حين لامست صدغيه
ريشة الشباب
فأورق المانجو
وأورقت أرغفة الإفطار
أورق الجلوس فوق العرش
صار واحدا
ينسلّ نحو غرف الحريم
ينحني وراء ساتر
فيشهد الآباط والنحور والأثداء
يكتفي بأن يرى تماسك الفخذين
حول وردة
وكان قايتباي لا يشك مرة
بأنه سيقطف الورود كلها
وأنه سيقبل الملك
لكي يصير سيد البستان .

(3)

قال قايتباي في السر
لعلها التي تناديني
هي الإسكندريةْ
وعندما صار إلى جوارها
أحس بالشهوة والقنوط
ملأ الكفين بالثديين
غير أنه لم يستطع أن يستبينها
فمال نحو الطرف الآخر منها
واكتفى بأن يشيّد الجنود حجرةً
تخفيه عن عيونها
وأن يبص
كيف تجدل الشعر ضفيرتين
كيف يرتخي الفخذان كل ليلة
فتصبح الوردة
طائرا
له أجنحة عديدة
ويصبح الطائر
غيمة لها جفون
فخاف قايتباي
أمر الجنود أن يشيّدوا عمارةً
تسمح للعاشق أن يرى
وللمعشوق أن يكونْ
لكنها الإسكندريةْ
بكت عليه حين ماتْ .
***


"البرابرة"

البدو
والفضوليون
والأمصار
والعسكر
والولايات البعيدة
والغرانيق
وسائر البشرْ
كانوا لدى الإسكندريةْ
يشاهدون رملها الناعم
حينما ترفع رِجْلَيها عن البحر
ويلمسون شعرها
إذا تنفَّضت من البخار
يجلسونها على الأريكة
التي تشبه خصرها
ويأكلون مثلها :
السردين والنارنج والأرز
وينعمون بالنبيذ مثلها
لكنه لا يشبه البحر كثيرا
يأخذونها إلى أرجوحة البوغاز
يفتضونها
لكنها تحجل
تسأل الغزاة :
هل مازالت الأفراس مثل النخل
ينظرون
صارت الأفراس مثل شجر الصفصاف
تسأل الغزاة :
هل مازالت السيوف مثل الملجأ اليومي
ينظرون
صارت السيوف مثل الدمع
تعرف الإسكندرية
أنها نجت
فترشد البدو
وترشد الفضوليين
والأمصار
والعسكر
والولايات البعيدة
أن رملها تعضّه الشطوط
رملهم يتيه في العراء
شعرها ينام فوق الموج
شعرهم ينام تحت قمر الصحراء
هكذا
يخشى الفضوليون أن تحوطهم بالماء
أن تسحرهم مثل التماثيل التي في البر
أن تهزهم
فيسرعون نحو الخيل
يأمرون الجند
أن يغادروا إلى الأراضي البور
أن يستنجدوا برملة الأطلال
ألا يقفوا
إلا إذا توحّدت أهدابُهم
بالرمل
واهتدت ظنونهم
إلى مواقع الخيامْ
هنا يكون أول الفسطاطْ
وربما يكون الجامع الكبيرْ
وأدرك الإسكندرانيون
أنهم نجوا
فعانقوا الأسكندريةْ
حمَّموها
غسَّلوا الأطراف والأرداف والحقوين
أعلنوا اشتهاءها
لأنها حين أتاها البدو طالبينها
توجعت
وأصبحت مدينةً متسخةْ
ومنذ ذاك اليومْ
اسكندريةُ
تستحمّْ .





الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.




التَّعويذَة
( 391 | 0 | 0 )
ضد الحلم العادي
( 359 | 0 | 1 )
أناشيد القيامة
( 358 | 0 | 0 )
الريح العالية تماما
( 339 | 0 | 0 )
شرفةٌ على الميتافيزيقا
( 318 | 0 | 0 )
كأنه الطريق
( 317 | 0 | 0 )
فاتحة النشيد
( 317 | 0 | 0 )
الأيام الثمانية الأخيرة لملاكة
( 308 | 0 | 0 )
ليلى مراد
( 307 | 0 | 0 )
خطوات الحطاب
( 304 | 0 | 0 )
جنازة والت ويتمان
( 301 | 0 | 0 )
نخالة الحروف
( 292 | 0 | 0 )
أغنية نفسي
( 291 | 0 | 0 )
مشهدُ العَرق النَّاضج
( 291 | 0 | 0 )
الصّليبُ الجَميل
( 286 | 0 | 0 )
الرسالة الثالثة: إلى مها
( 286 | 0 | 0 )
كتاب أنا راحل في انتظارك
( 282 | 0 | 0 )
هل أصبحت عجوزا حقا
( 278 | 0 | 0 )
فيروز
( 276 | 0 | 0 )
فاطمة
( 269 | 0 | 0 )
التنظيف الإجباري لكليوباترا
( 267 | 0 | 0 )
إغلاق الغابة ليلا
( 266 | 0 | 0 )
مولج اليمامة البيضاء
( 265 | 0 | 0 )
العاشق
( 256 | 0 | 0 )
حلم
( 246 | 0 | 0 )
العالية
( 199 | 0 | 0 )
الرسولة 2
( 195 | 0 | 0 )
الحفل
( 192 | 0 | 0 )
نساء الخليلِ بنِ أحمد المرحات
( 184 | 0 | 0 )
نشيد الأنشاد
( 172 | 0 | 0 )
التعويذة
( 170 | 0 | 0 )
الرسولة 1
( 163 | 0 | 0 )
عرّيفةُ الطيور
( 152 | 0 | 0 )
كتاب الفقد والحكمة
( 150 | 0 | 0 )