التَّعويذَة - عبد المنعم رمضان | القصيدة.كوم

شاعر وكاتب مصري حاصل على جائزة كفافيس عام 2000 (1951-)


148 | 0 | 0 | 0




باسْم الآبِ
وَباسْم الإبنِ
وباسم الروحِ القدسِ
وباسم الله
وباسم الأخْت الصغَرى ناريمان
وباسم نبيلة
أوْ دُريَّة
باسْم مَهَا
باسْم الأعْضاء على جُدرانِ الهيكْلِ
باسْم الهيكل
باسْمِ مَلاكِ الراحةِ
لـمَا خرج الملكُ إلى إخوتهِ
كانَ يفاخرُ بنبيذِ العَائلةِ
ويشْربُ إبريقَيْن
ويلْهوُ:
رأسي صِيغَ من الذَّهبِ الإْبريزِ
وعيني رفُّ حمامٍ فوق مجاري الماءِ
وقُصصي مُستْرسلة حالكةٌ كغُراب يجلسُ فوق الرّبوةِ
بطْني عاجٌ أبيضُ غُلّف بالياقوتِ الأزرقِ
شفتي السوسنُ والريحانُ
يَداي مُرصّعتانِ
ولما خرجَ الملكُ إلى إخوتِه
كان يفاخرُ بِنَبيذِ العائلةِ
ويشربُ إبريقينِ
ويلْهُو
لَوْلا أنّ الليل أحاطَ بهِ
أدْخلهُ في أحضانِ الغابة
وتولّاه العَسسُ السَّاري
قَالُوا: يا مَوْلانا
أين مِياهُكَ
قال: وَراءَ النّهْرِ
فسَكَتُوا
قَالُوا: يا موْلاَنا
أْين حَدائقُ قلْبِك
قالَ: هُنَا
وأشَار إلى أقْدامِ اللَّيْلِ
فَسَكتُوا
قالُوا: يا موْلانَا
دُلّ على أطْفالك
أيُّهُمُو يتَولّى بعْدَك
كَان الملكُ يُصلّي في داخلِهِ
يَسْمعُ همْسَ ملائكةٍ
ويطوِّح نحْوَ اللّهِ يديْهِ
ويسحبُ من بُرْدتِه ورَقاً
ويفتِّتُه
قالُوا: يا موْلاَنا دُلّ
أشار إلى شفَتَيْهِ
إلَى عيْنيهِ
إلى الحَطَّاب الرَّاحلِ خلْفَ النهرِ
إلى الأحْرَاش
وقَال لهُمْ: جزُّوها
بعْد قليلٍ منْ رشّاشِ الدمّ
سيخرجُ بعضُ دخانٍ
تتبعُه أحْجبة
كلُّ حجابٍ يمشِي في جهَةٍ بْيضاءَ
اقْترِبُوا منْه
وسِيروا قربَ نهايةِ خطوتِه
ستطلُّ عليكُم كلماتٌ بيضاءُ
قَصائدُ تمْشي كالعهْن المنفُوش
فَقَالوا: يا مْولاَنا
حيّاهُم وتوَلّي
قبْل صباح اليوم التَّالي
خرجَ الملكُ إلى البُستان وحيداً
كانت طائفةٌ من جندٍ
تسْعى أنْ تصْطادَ حماماً
وثمانيةٌ من أيّام الله
تخلّت عنْ موْعدِها
كان الملكُ يُحِبُّ الأيامَ الهاربةَ
ويحلمُ أن يركبها ذات مساءٍ
لما خفَّ الملكُ إليْها
قال: انْتظِري
أنتَ الأولُ ما اسمُك ؟
- لاَ أعرفُه
كيف دخلتَ إلى بُسْتاني ؟
- جئْتُ علَى رِجْليّ
مشيتُ كثيراً وتعفّرتُ
عرفتُ بأن السبتَ
سَيمضي فيه الملكُ إلى الصحراءِ
ويَخطفُ راعيهً من راعِ
كنتُ أخافُ إذا أصبحتُ السبتَ
وأنتَ ؟
- الأحدُ كئيبٌ جداً
ينسى فيه اللهُ يديْه على جُدرانِ المعبدِ
والراعيةُ يلحُّ عليها الملكُ
بأنْ تنسلّ إلى حُجرِته
كنتُ أخافُ إذا أصبحتُ الأحدَ
وأنتَ ؟
- غريبُ جدّاً أن تَسألَني
حين رأيتُ أبي يتمطّى في الرّدهاتِ
ويأكلُ مثلَ الحيوان المذعُورِ
ويحكى أن الملك ينامُ على أغصانِ الملكةِ
أحياناً يكسرها
يبحثُ تحت سَريرتها عنْ مَلك آخَر
يَسْتعجلُها أن تسْتلقي
قبلَ الفجْر
يملُّ
ويضَعُ عصَاه إلى جَانبها
ثم يمرُّ على الحجراتِ
وراءَ الملك تسيرُ الرِّيحُ
وتَغْزلُ أغنيتها:
"الراعيةُ انتصرت
سَرقتْ ثوبي ومضَتْ نحْو الوَادِي"
ليس غريباً أنْ تسألَني
كان أبي يتمنّى لوْ لمْ يكن الجمعةَ
لما انصرفَ الملكُ إلَى خلْوته
كان يفكّر في خَمْر العائلةِ
ويشربُ إبْريقيْن
ويجلسُ في الكُرسيّ
يرتّبُ ما لَمْ يهربْ منه ْ
أصابعَه
عيْنيْه
خطوطَ يديْه
بقايا الحُلْم:
فضاءُ حبيبي مثل الجيش بألوية
أسنانُ حبيبي فوْجُ نعاجِ
شَعرُ حبيبي مثلُ قطيع الماعزِ
خدُّ حبيبي كالرُّمانِ
دوائر فَخذِ حبيبي مثلُ جواهر
بطنُ حبيبي قنديلٌ سهْران
وسرّةُ بطْنِ حبيبي
كأسٌ لا يُعوزها خمرٌ
ثديُ حبيبي ظبيٌ بجناحين
ولْيلُ حبيبي أطولُ من فُسْتان الأرْض
وصوت ُ حبيبي كَلماتٌ بيضاءُ
قصائدٌ تْمشي كالعِهْن المنفوشِ
وبيتُ حَبِيبي خوصٌ

في آخرةِ الحُلْمِ
ينامُ الملكُ
ويسْعَى النملُ إلى رُكْبِتِه لمّا يسقط
تَأْتى الجُوقةُ:
باسم الآبِ
وباسْم الإبنِ
وباسْم الروحِ القُدس
وباسْم الله
وباسْم الأخْتِ الصُّغْرى ناريمان.





الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)