ضد الحلم العادي - عبد المنعم رمضان | القصيدة.كوم

شاعر وكاتب مصري حاصل على جائزة كفافيس عام 2000 (1951-)


149 | 0 | 0 | 1




الطبيعة خائفة من تسامحها معنا
أنتِ لي
وأنا لك
كنت أكلّم نفسى
وأسرق تاجا من الجوع والعطش
الدائمين
وأدهن حنجرتي بالزيوت القديمة
أنزف أو أتعطّر مثل الملوك
ولما أرى الليل أبعد من غمغمات كلينا
أفتّش عن جسدي
أتمدّد
حتى إذا جاءني النوم
أحلم أحلام من لا يجيد الإقامة
أحلم أحلام موتى
وأحلام ديمومتي
ألتقي عندما يبدأ الحلم
بالآخر الآمر المتآمر ضدّي
الطويل
الذى ليس يشبهني ظلُّه
فأسير بنومي إلى آخر النومِ
لكنه يتقرّب مني:
أنا أنتَ
يلكزني ثم يضحك:
أنتَ أنا
عندما نتصافح، يضحك:
سوف معا نسترد الخليقة
من خالقيها
أحار، فيضحك:
سوف معا نسترد المدائن
بابل قرب حديقة طاغور
قرطبة الآن تسعى
وراء منازل غرناطة
الأرض سوداءُ
والأبجدية أضيق من سقف بغداد
جدران باريس مرفوعة فوق مئذنةٍ
والخليفة يلبس خلخال زوجته
حينما فاجأته الجواري بالأغنيات
تنفّس مثل نوارس جائعةٍ
واكتفى بالوجوم
الحسين بن فاطمة اشتاق للتمر
أصغى إلى صوت جارته البدويةِ
: أين ستذهب؟
أصغى إلى أخته
ثم قال: إلى مدن الأولينَ
مدينة بيروت
تشبه أقراط زينب ذات مساء
وتشبه ذات مساء مدينة روما
مسلّات روما تحاول أن تتخلّص
من مدن الله قاطبة
ليس غير الخيول التي أصلها عربيٌّ
تمرُّ من الأزبكيةِ
كي يتباهى الأتابك
والإنكشارية العابرون
وطائفة الخدم الشاخصين بأبصارهم
في اتجاهين
صوب الجميلة باشا
وصوب القراصنة
الأرض ما زال فيها شتاء وحيدٌ
شتاءانِ
ما زال فيها الربيع
وبعض بقايا الخريف
وما زالت الريح خلف المخابئ
هل هذه رعشة الشرق
أم هذه نار كسرى
شبابيك فارس تكشف عن فارس المستحمّةِ
تكشف عن شمس تبريزَ
تخلع جلبابها كل يوم
وليست تخبّئُ سوأتها بيديها الملوّثتين
سأرتاح
أذكر أسماء كل اللواتي عرفت
أنا الآن حقل كبير
وقلبي هو البرتقالةُ
أمنحها
آخر الليل
واحدة من أولئك
كنت أقسّم جسمي جسوما
تكاد تعادل أسماءهن
وأطلق شائعة
أن دارى العتيقة تنهار منذ سنين
وأن النصوص المقدسة المستقرة
سوف أحوّلها من رخام وأعمدةٍ
ونباتات ظل
إلى خشب ميّتٍ
سوف أبعث فيه الحياة
وأصنع منه سفينة نوحٍ
وفى قيظ يونيو سنبحرُ
"لا تنتظرْ أحدا" سأقول لقبطاننا
ربما نترك الخمر في القبو
نترك بعض الهشاشة في باطن الروح
كنت أقول لهنّ
الهشاشة في باطن الروحِ
لكنني منذ قُدِّر لي
أن أشمَّ روائح فاكهتي
أن أشمَّ الكهوف
الجذور
الجبال البعيدة
أن أتعرَّى
وآكل قيثارتي
منذ قُدّر لي
أن أنام على ضفة النهر
ثم تعود إلىَّ جسومي الكثيرةُ باردة
ثم أبصر تلك الجميلة
تحمل مخلاتها
وكما في الأساطير
يتبعها قارعو الطبل
تتبعها
زرقة
ورياح
وماء كثير
سترتجُّ مثلى
وتشهق
تهتف باسمي
وتسألني
: كيف تقضى لياليك في هذه الظلمات
متى البرتقالة تصبح واحدةً
ومتى جسمك العذبُ
يصبح صرحا
أريد إذا كنتَ تسمح لي
أن أقبّل جيدك ها.. هاهنا
ثم ها.. ها هناك
وأن أرتوى
أن تكون عصاي التي سوف ترفعها
وبقوة آبائك الضائعين
تدرّبني أن بها أستعيدُ زماني
الذي كان يشبه صمتا عريضا
ويشبه ضوضاء أغنيةٍ
منذ تلك الجميلة
أصبحتُ فردا
تشبُّ وتندلع النار من رئتيه
ومن خصيتيه
سأرتاحُ
كنت أميل إلى ما لدىّ من الكلمات الغريبةِ
كنت أسمِّى دمى باسم سيّدةٍ
تتحرّشُ بالحبِّ
تفركه بالهواء الثقيل
وتدعكه في دهاليز إليتها
وترفرف ُ
كنت أسمّيه باسم أصابعها
حين ترسم أسيجةً
مثل جميزة لا تنام
ولا تتخلى عن النوم
لا تدّعى أرقا ناعم القدمين
ولا تمنع الناس عن غشيان المحارمِ
كنت أسمّى دمى باسم صيدا البعيدة عنى
وباسم طرابلس
باسم شولميث
حين تضمُّ أصابعها
ثم تفردها
ثم ترسم ماء البحيرة
ترسم موعظة الجبل
الليل فوق المنازلِ
حفنة ريح
صخور من الألمونيوم
كان الملائكة الهادئون على السقفِ
مريم في المشربية
والله كان هنالك
يرشد أبناءه
كيف يبنون كوخا
وكيف يحيطونه بالنخيلِ
سأرتاحُ
سوف أسمّى دمي
باسم تلك التي تستهيم وتسكن
تعتاد صوت كلاب الحراسة
صوت السحالي الجنادب
صوت اليعاسيب
صوت الندى
وتربّى الفراشاتِ في كوخ جدتها
ثم تهرب
قبل رجوع الأيائل من رحلة الصيد
ها أنذا راحل في اتجاه بيوت العذارى
مع القبلات التي تتهدّدها رغبتي
في اصطياد شفاه
يكاد الحنين يشفُّ بها ويطير
إلى حيث لا أستعين
بغير أصابع
(صاحبتي المستريبة بي)
بينما الماء يجرى
وسيّدة البيت ترسم أسيجةً
وتوارى بعيدا عيون العجوز التي
لم تزل تتطلّع نحوى
وترقب ما سوف أفعلُ
حتى إذا جاءها الذوبانُ
تراءى لها أن ما لا يجوز له
أن يضيع
ستفقده
مثلما فقدت منذ وقت قليل
أساور خطبتها
قبل أن تتأكد من لون أغنيتي
وروائح أطعمتي
هكذا
حيث جثة رامبو تعذّر أن يُدخلوها الخزانة
جثة رامبو مزيج من الشمس والتوتياء
وبعض البنفسج
جثة رامبو تنام على الرفِّ
جثة رامبو تهيم ولا يتعفّنُ
جثة رامبو تحاول أن تتدحرج
دون ضجيجٍ
وتتبعها جثة الحسن بن عليٍّ
وخلفهما يترنح عشتار
يلهث كالعائدين من الحرب
ما زال عشتار طفلا بذيئا
وغرفة ليلى المريضة
تسمح أن يتعارك فوق أسرّتها
المتعبون
ينامون إلا ثلاثتهم
المقدَّسُ رامبو
وعشتارُ
والحسن بن علىٍّ
ويستكملون حقائبهم
وجوازات أسفارهم
يرحلون
أبى هو ذاك الذى كان يدعو لهم
ويحرّضهم
: أيها الأشقياء
تعالوا إلى منزلي في البراري
رأيت أبى في خيامٍ
أُبيح لها
أن تكون على ساحل المتوسط
كان يفكر فيما سيحدث
لو أن ثوب الملاك المرافق
ما عاد يصلح للنومِ
ما عاد يصلح للظنّ
والأمنيات
بأن الملاك جدير
بصحبتنا
وبأن العذاب
قبائل شتَّى من الرقباء تطاردنا
فنسير ونشعر أنّا انصرفنا عن الوقت
كان أبي مثل فرعون مصر
ومثل المقطم
عكّازه هو عكّاز جدّي
وخطواته هي أبطأ من خطوات اليمامة
كان أبى غامض الشفتين
وكانت جيوش الفرنجة
أطول مما تشير إليه أصابعه
لم تكن مدن الشام نائمة
إنها الآستانة والبوسفور
الجنود القبارصة التصقوا
بالجنود المحبّين للغزوِ
والأخت إيليف نامت
على فخذ شهوتها
راودت نفسها في الذهاب إلى مصر
بيت المعز بدا فجأة مثل قنديل بحرٍ
وكان خليج السويس
يحطّ على جسم أمّ البنين
فتعطيه أحجبة
ثم تعطيه مَنًّا وسلوى
تلفّتُ حولي
تلفّتَ كل الحيارى
رأوا غيمة فوق نهر
فلم ينزلوا النهر
لم يركبوا الغيمة
انطلقوا خلف أسوارهم
كل سور يطيرُ إلى آخر الحدِّ
عند التقاء النساء بأسرارهنّ
استردّ الحيارى نوافذهم
واستعادوا مناعة أسوارهم
رجعوا
فرجعت إلى ذكريات أبي
كنت أعصر أخيلتي
ثم أعصر ليمون غزةَ
فوق المياه التي غسلوا جلدها
كنت أعصر جسمي
فيخرج منه الصراخُ
ويخرج منه الفحيحُ
ويخرج منه الصهيلُ المؤجّلُ
منذ تباطأتُ عن هذياني
وعن شهوتي في الرضاعة من حلمتيها
تراها سترسم وجهى على ذيل فستانها
أم سترسم فستانها فوق وجهى
تذكرت
كيف هما الحلمتان تغوصان في اللحم
كيف هما مثل شمسين محفورتين
ذهبت إلى بيت جبران
لم أنتبه لملامحه حين مرّ
رأيت الأرائك مثل أرائكنا
والصنوبر مثل الصنوبر
والسنديانة تشبه عكّاز جدّي
الحديقة واسعة
لم تكن أرضها غير رمل المتاهة
لما رحلتُ
رأيت أصابع رجليّ تسبقني
فاصطدمت بنفسي
المرايا على الجانبين
وعينان غائمتان تسيران خلفي
كأنى أفتش عن ورق ضائعٍ
منذ أخبرت عاملة الاستراحة
بالنوم وحدى
وأوردتي كالدخان
وشمسي معلقةٌ في ذراعي
تجوّلتُ حول المكان
كأنى أفتّشُ عن نَفَسِى
عن شهيقي
زفيري
بُخارِي
وعن كلماتي
استدرت
رأيت الذى كنت أجهله
كان جبران ينصحني
: إن فقدتَ الكلام
تنازلْ عن الزهو
وابدأ نشيدك
من سورة الفقدِ
لما فعلتُ
رأيت الظلام يضمُّ حقيبته ويهمُّ
ومخطوطة العاشقين على الرفِّ
زيتٌ يقال له الياسمين يفوح
رأيت المسيح يكلّم جبران
في السر
ثم يعاتبه
والأناجيل في كل ركن
كأن يد الله تفتحها
وتبارك ما ليس فيها
جلست على المقعد الخوص
فوجئت أن على ركبتيّ ملابس محبوبتي
والوشاحَ
وحمالةَ الصدر
كان الوشاح كما كان يوم التقينا
وفوجئت أن فمي يترجرج
من أغنيات
إلى أغنيات
وقبل الوصول إلى الأشرفية
قبل الوصول إلى ساحل النور
قلت لصاحبتي
: هل لنا أن نعود إلى غربتين
فقالت: إلاما؟
: ضريح الغريب المعذب
: ثم إلاما؟ (بصوت خفيض)
: إلى حضن جدتِهِ
وانتبهتُ إلى لون بشرته
كان مثل مطاردة لم تتمّْ
فقلت لها:
هل لنا أن نطارد حلم سُكَينةَ
قبل الوصول إلى المسجد الأمويِّ
رفعت يدى مثل ماسك دفٍّ
وباركت نفسى
وبعد قليل تماديت في شهوتي
ورفعت يدى ووضعت الوشاح على رأسها
لم تحركْ سوى شفتيها
ومعراج أشواقها
كنت أرقبها
فاستدقّت
ومالت كغصن
فملتُ
وأخفيتُ حمالة الصدر
كانت دمشق كما لم يصفها المحبّون
بابًا يطل على دَرَجٍ
حين تصعدُه
تجد الله فوقك
لا تستطيع التماسك
رجلاك تلتمسان المعونةَ
لكنَّ رأسك يهدأ لما تحطُّ يد الله
تفتح عينيك مثل الحمامة
ليست أمامك من طرقٍ
غير ذاك الطريق
المؤدى إلى بيت أمك
في بهوهِ نخلتان
وأشجار توتٍ
وفى الحجرات
قلائد بيضاء مثل صواحبها
ويواقيتُ
في آخر الحجرات
إطارٌ كبير
ستدخل فيه
ولما تمرُّ على بعلبَكَ
ويثرب
والقيروان
وشاطئ دجلة
واللاذقية
لما تمر على السيِّدات ذوات المقاصير
والسيّدات ذوات السرائر
والسيّدات اللواتي
ستبدأ في البحث عن كيف تخرج
أنت تريد الجلوس وحيدا على الأرض
أنت تريد الجلوس وحيدا
وإن كان لابد للحلم
أن يتجدّدَ
أنت تريد اجتياز المسافة
ما بين أمك
وامرأة مثل أمك
تجلس تحت السماء
وترسم بعض الطيور
وبعض الممرات
لـمّا تشير إليها بما يشبه الغمغمات
تعاليْ
لنخلط ماء بماء
وروحا بروح
تعاليْ
لنأكل من جسدينا
فلا نحن نشبع حتى نجوع
ولا نحن نحتاج إلا إلينا
ولسنا اللذين سنملك
إلا الذى صار يملكنا
منذ بحنا به
أنتِ تحتي كأنك جذري الذى أرتجيه
وفوقي كأنك عائلتي كلها
أنتِ لي
وأنا لك
لما تشير عليها بما يشبه الغمغمات
تعاليْ
وتقتربان
وتغتربان
وتنصرفان وتختلفان
على آهة السر
اسمك
اسمي
الجميلة مثل إناث النخيل
ومثل قيام الهواء كظلٍّ على نهر بردى

جنائن باشلار
باب المعظّمِ أو باب توما

الصعود إلى النجم
رعب أليف، مضاجعة في الحقول

الغريبة ذات الخمائل
لا سارق النار والأوسمة..

لما تشير عليها بما يشبه الغمغمات
سترفع ياقتها
ثم ترنو إليك بما يشبه الغمغمات





الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)