وما أنا إلّا فلذةٌ من خيالها - شوقي بزيع | القصيدة.كوم

شاعرٌ وكاتبٌ لبنانيٌّ تمكَّن من كتابة ما لم يكتب قبله ولا ينبغي لأحدٍ من بعده. حمل بردة عكاظ. حائز على جائزة العويس الثقافية دورة 2016-2017 في مجال الشعر (1951-)


3170 | 0 | 0 | 2



(في رثاء جدتي لأمي)

تمرّين مثل الطيفِ
في خاطرِ الدهرِ
وكالعطرِ
لم تخطئه ذاكرةُ الزهرِ

خفيفا يمرُّ النعشُ
حتى كأنهُ
يحاكي هديل الموج في نعس البحرِ

وتُسنِدُ كفَّيكِ الحنونينِ
ضمَّةٌ من الشُّبرُقِ الفوّاحِ
أنقى من الفجرِ

لقرنٍ مضى
هشَّت لكِ الأرضُ طفلةٌ
وأعطتكِ أقصى ما يرادُ
من السحرِ

وعُمِّرتُ حتى أغمضَ القرن
جفنه
على جفنك الغافي
وعاد إلى الصفرِ

كأنْ لا يريدُ القبرُ
أن تسكني بهِ
(فيا ويحهم ما يحملون
إلى القبر!)
** **

بماذا أعزِّي الشعرَ
إن كان بعضه عزاءً
فبعض الشعر يلسع كالجمرِ

إذا ما أتاني النعيُ، نعيُكِ،
خِلتُني يتيمكِ
والآلامُ مدٌّ بلا جزرِ

تُراهُ درى الحفّارُ ما بي
من الأسى
تراه تروّى
وهو يمعِنُ في الحفرِ!

تراه درى أني إلى غير رجعةٍ
أشيّع نحو القبر
ما فات من عمري

وأنت التي جرّعتِني
الحب صافيا
فليس كثيراً
لو دفنتكِ في صدري

تشتُّ بي الأفكارُ
جتى يعيدني
إلى حلبٍ طيفٌ
فأسأل في سرّي

هل المتنبي كان يرثي
التي رثى يراعيَ
أم ينعى بها قيمَ العصرِ

وهل أنا إلا فلذةٌ
من خيالها
وفَضلَةُ ما يبقى من الماء
في البئرِ؟

وهل جدَّةً أرثي أم العمر حانياً
على جنَّةٍ
من تحت أقدامها تجري؟

فيا أمَّ أمّي هل أوّدِعُ سيرةً
نأت نحو نهر الموت
أم جثَّة النهر؟ ..

تضيءُ حكاياها خيال قصيدتي
كما تلمع الغابات
في حدق النسرِ

ويحملني فوق الأساطير صوتها
كما تحمل العشاق ريح الهوى العذري

وضحكتها الخجلى
تمرُّ على دمي
مرور حوادي العيس
في وحشة القفرِ
** **

بماذا أعزّي الشعر
بعد قطيعةٍ
مع الأرض أربَتْ في السنين
على العشرِ

يقولون: أغوته العواصمُ
فاقتقى بعيدا عن الينبوع
لألاءها المغري

فوالله مهما مركب التيه
بي نأى
ومهما استضافت غربتي
مدن الصخرِ

ومهما القوافي أودعتني رنينها
وقلَّبَت الأوزانَ
بحرا على بحرِ

لَحَبَّةُ قمحٍ تمسحون دموعها
براحتكم أشهى إليَّ
من الحبرِ

لَلَفحُ نسيمٍ فوق بابونج الصبا
أعزُّ على قلبي
من الكتب الصُّفرِ

وليس يعزّيني
سوى أنَّ لي هنا
جذوراً تناديني
ولو طال بي هجري

وليس يعزّيني سوى أنني
صدىً لما سطَّرتْ
هذي الأكفُّ من الشعرِ

وددتُ لو الأيام تُرجِعني فتىً
لأغفو قليلاً
عند (مصطبة النمرِ)

لأشتمَّ كالذئب الجريح
دم الربى
وألتفَّ كالأفعى
على معصم الوعرِ

لعل حصى الغدران
تقبل توبتي
ويُدفِئُ بردَ الروح
نعناعَها البرّي
** **

أيا أنبل الجدّات إن كنتُ مرغماً
أشَحتُ بشعري عنكِ
فلتقبلي عذري

وما أنتِ إلا الأرضُ
في كبريائها
وما أنتِ إلا لمعةُ الشعر
في النثرِ

وما محضُ أُمٍّ أنتِ
بل سنديانةٌ
تفيء بها الوديان
في كبِدِ الظُّهرِ

ستبقين في حلم الصبايا
وفي الندى
وفي الياسمين الغضِّ
والنسمة البكرِ

ستبقين في قلب الجنوب
خميرةً وروحاً مصفّاةً
وعصراً من الطُّهرِ
** **










الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.




قمصان يوسف
( 11.4k | 5 | 6 )
جبل الباروك
( 9.6k | 5 | 5 )
مرثية الغبار
( 7.2k | 0 | 9 )
الشاعر
( 6.7k | 0 | 1 )
العائد
( 5.2k | 0 | 1 )
الأربعون
( 4.6k | 0 | 4 )
لا تبتعد في الموت أكثر
( 4.2k | 0 | 6 )
المسيني
( 3.9k | 5 | 3 )
حوار مع ديك الجن
( 3.7k | 0 | 1 )
الأعمال الكاملة
( 3.6k | 0 | 1 )
تجليات المرأة
( 3.6k | 5 | 2 )
صوتها ضُمّة برق فوق نيسان
( 3.6k | 0 | 5 )
فراشات لابتسامة بوذا
( 3.4k | 0 | 2 )
تفاحة الغياب
( 3.1k | 0 | 3 )
سحابة صيف
( 2.8k | 0 | 0 )
حنين
( 2.8k | 5 | 1 )
الخمسون
( 2.8k | 0 | 0 )
البيوت
( 2.8k | 0 | 1 )
دير قانون النهر
( 2.6k | 4 | 1 )
مسافة
( 2.6k | 0 | 0 )
السنديان
( 2.5k | 0 | 0 )
الأسلاف
( 2.4k | 0 | 0 )
الزنزلخت
( 2.4k | 0 | 0 )
الغائب
( 2.4k | 0 | 1 )
تعديل طفيف
( 2.4k | 0 | 0 )
يصغي لأسئلة الأعماق
( 2.4k | 0 | 1 )
خلف دموع الشتاءات
( 2.4k | 0 | 1 )
الصور
( 2.3k | 0 | 0 )
فراديس الوحشة
( 2.3k | 0 | 1 )
تكوين
( 2.3k | 0 | 1 )
عندما يصبح الحبر أعمى
( 2.3k | 0 | 0 )
ماء الغريب
( 2.3k | 0 | 0 )
عزلة الخادمات
( 2.3k | 0 | 0 )
التماثيل
( 2.2k | 0 | 1 )
ألزهايمر
( 2.1k | 0 | 0 )
خالد السكران
( 2.1k | 0 | 0 )
سأحمل صوتك المكسور
( 2.1k | 0 | 1 )
متحف الشمع
( 2k | 0 | 0 )
خلود تنجح في امتحان الموت
( 2k | 0 | 2 )
علي الصغير
( 1.9k | 0 | 0 )
ثلج العام 1958
( 1.9k | 0 | 0 )
الخرّوب
( 1.9k | 0 | 0 )
تأليف-1
( 1.9k | 0 | 0 )
صراخ الأشجار
( 787 | 0 | 0 )
الرحيل إلى شمس يثرب
( 770 | 5 | 2 )
كأنني بحرٌ وأمواجي ورائي
( 412 | 5 | 4 )