بين الخرابيش (ليت الوقوف) - عرار | القصيدة.كوم

شاعر أردني اسمه مصطفى وهبي التل، لقب بشاعر الأردن، وعرار. في شعره جودة ورصانة، ومناهضة للظلم ومقارعة للاستعمار (1899-1949)


312 | 0 | 0 | 2



ليت الوقوف بوادي السير إِجباري
وليت جارك يا وادي الشتا جاري

لعلني من رؤى وجدي القديم به
أرتاد مساً لجنيات أشعاري

وعلني قبل أَن تبيض مسربتي
ويقتضي عرف جدواهن إنكاري

وتنتفي نبرات الوجد من نغمي
وتجتوي نغمات الشوق قيثاري

من الصبابات أَقضي بعض ما برحت
به تشبث رغم الشيب أَظفاري

فألمس الشوق في أطلال ذاكرتي
وألمح الحب في أنقاض أوطاري

ولا أرى الخفرات البيض معرضة
عني تأفف من خبري وأخباري

ولا أبالي إذا لاحت مضاربهم
مقالة السوء في تأويل مشواري
...

ظننتني جزت عن طرد الهوى فإذا
حسابه لم يزل في دفتري جاري

وزند وجدي بربات الحجال على
عهدي به كعشيات الصبا واري

والأربعون التي لاحت طلائعها
في لمتي ريحها استخذى لإعصاري

ظننتني جزت عن طرد الهوى فإذا
موضوعه لم يزل موضوع أسماري

وما توهمته زهداً ورحت به
أعلل النفس غير الواقع الجاري

شتان بين شعوري في حقيقته
وبين رجعك يا أصداء أفكاري

فليتق اللّه من ظن الهيام بهم
غياً فما بالهوى العذري من عار

وما يضر أخا الأردن كسوتُه
جديدها ان يحل يوماً لأطمار

ظننتني وظنون المرء أكثرها
إثم وما جاهل بالحال كالداري

فالأمر يصلح إن يرجع لحائله
ابن الرشيد أميراً وابن أمار

وآل عايض إن دانت عسيرُ لهم
يوماً تصرم عهد الأخذ بالثار

وابن السعود لنجد فليعد وكما
قد كان شيخاً على صحراء مقفار

أما الحجاز فردوه لسادته
أشراف مكة تخمد جذوة النار

سفاسف ضاع في تصريفها عمري
وصوحت ريحها النكباء أزهاري
...

كم خلت بغداد إذ جئنا مضاربهم
شرقي ماحص عني قيد أشبار

أمتارُ لهواً بريئاً من مقاصفها
مع النواسي في ديوان بشار

وابن الشمقمق مثل الهبر منتصباً
يسقي ويسقي وقد أعياه إِسكاري

يا هبر هاتِ فإن اللّه بارئنا
وخالق الكرم رب جد غفار

وليس في ليلة تقضى بصحبتكم
لو أنصف الناس ما يزري بأقدار

تاللّه لولا شعاع من غوايتكم
كأنه الدوح في موماة مقفار

لما تنفس ليل العمر عن سحر
ولا تغنى بإطراء السرى سار
...

الناس قالوا دعوني من مقالتهم
وما به أرجف الراوون أخباري

فليس للعود مهما افتن ضاربه
شجو الربابة عند السامع الحاري

وليس في أن أقضي ليلة ثملاً
بين الخرابيش والندمان من عار

بين الخرابيش لا عمري يضيع سدى
ولا يضيق الهدى ذرعاً بأطواري

ولا يرى الهبر بأساً في منادمتي
وشرب كاس من الكنياك قعواري

إن التحرر لا يعني الوقوف على
شفا أشم ولكن جرفه هارِ
...

وصاحب من بني النجار عمته
كأنما هي باراشوت طيار

يرى مواعظه وقفاً على أذني
وأن رأس التقى زجري وإنذاري

كأن عمان لم تعرف أخا طرب
غيري يحج إلى حانوت خمار

وليس في الطائف الغنّاء بلدتهِ
من لا يمت لقديسين أبرار

يا شيخ حسبك أدنى الإثم منزلةً
من رحمة اللّه ما تدعوه أوزاري

الناس قالوا وهبهم يا أخي غرقوا
فيما يخوضون من شتم وإهجار

فما لأهوائهم شأن يزيد على
شأن الأثافي بين القدر والنار

تثاب بالحرق من حمل يجشمها
سخامه سحنة سوداء كالقار
...

بين الخرابيش لا عبد ولا أمة
ولا أرقاء في أزياء أحرار

ولا جناة ولا أَرض يضرجها
دمٌ زكي ولا أخّاذُ بالثار

ولا قضاة ولا أحكام أسلمها
برداً على العدل آتون من النار

ولا نضار ولا دخل ضريبته
تجنى ولا بيدر يمنى بمعشار

بين الخرابيش لا حرص ولا طمع
ولا احتراب على فلس ودينار

بين الخرابيش لا مال ولا نسب
ولا احتراب على حرص وإيثار

ولا هيام بألقاب وأوسمة
ولا ارتفاع ولا خفض بأقدار

الكل زطُّ مساواة محققة
تنفي الفوارق بين الجار والجار
...

الناس ما الناسُ؟ عبدانُ القويِّ بهم
ما بالمطية من مهماز مغوار

يزجون من سامَهُم خسفاً وأرهقهم
عسفاً تحيات إجلال وإكبار

ويضفرون بأيديهم لقاطعها
حرصاً على البغي إكليلين من غار

حمقى يجارون أفراداً ومجتمعاً
وأمة وشعوباً كل تيار

ويشمخون بآناف مروضة
على التمرغ في أعتاب جبار

فلا تغرنك أنياب محددة
تصطك غيظاً لأمر عارض طاري

فالهبر من أهلها أحمى لحوزته
في معرض الذب يوم الروع عن دار

الناس أحلاس من دامت سعادته
أرينباً كان أم ذا لبدة ضار

والناس كالكأس ما عادت مودتهم
على الوفي لهم إلا بأضرار
...

بين الخرابيش لا كذب ولا ملق
ولا وشاة ولا رواد أخبار

ولا جواسيس أنى سرت لاحقني
أوغادهم خلسة يقفون آثاري

بين الخرابيش لا حبر ولا ورق
ولا يراع ولا تدوين أسفار

ولا سفاسف كتب أذهبت عمري
قراءة بين توريد وإصدار

ولم تزل بيقيني بالحياة إلى
أن استحال إلى شك وإنكار

وشر ما امتُحنَ القلب السليم به
تصديقُ صاحبه أقوالَ غدار

فهاكني مثل حراث النبور يدي
صفر وجُعلي بعامي نهب تجار
...

والهبر يرفل في نعمى تشرده
بين الكواعب محفوفاً بأقمار

تداعب الطبل سكراناً أنامله
فإن صحا غب من صهباء مزمار

وسرح الطرف في أعطاف راقصةٍ
هيهات من شدوها ترجيع أطيار

هذا هو العمر لا ساعات تنفقها
في الأرض تردف مشوار بمشوار

حرصاً على خدمة أعياك طائلها
وكان نائلها وعثاء أسفار

ومنصب لم تفد منه بُلهنيَة
من المعاش سوى أجر سنماري

وقول مثلي إذا ما أبتَ من سفرٍ:
أين الهدية لا تجنح لأعذارِ

أين اليراع الذي يزهو بريشته
فخراً على الفذ من أقلام بركارِ

والتمر والتبغ هل لم تنس أمرهما
وجئتني منهما حتماً بمقدارِ؟

وحلة من نسيج الرافدين إذا
لبستُها علقت بالزهو أظفاري

فرحتُ أختال في أبراد كسوتها
كفائد حاز إكليلاً من الغار

ثم التحية من خل يظل على
عهد الوفاء وفياً فير فشّار

تشجيه ذكراك ما غنته منشدة
بين الخرابيش في ليل وأسحار

وشنفت سمعي صُبحا رطانتهم
وقال قائلهم للعير: جرجاري

يا هبر هاتِ فإن اللّه بارئنا
وخالق الكرم رب جد غفار

اليوم خمر فلا تحفل بأمر غد
ولا بوسواس إقبال وإدبار

في حلبة الدهر سر السبق ليس له
شرط ولا هو موكول لمضمار
...

يا بنتُ وادي الشتا هشت خمائله
لعارض هل من وسمي مبدار

وثغرة الزعتري افتر مبسمها
عن لون خدك إذ تغزوه أنظاري

وسهل إربد قد جاشت غواربه
بكل أخاذ من عشب ونوار

إن الشماليخ في حصن الصريح لقد
حالت إلى عسل يا بنت فاشتاري

دعي المدينة لا يخدعك باطلها
فزيفها بين من غير منظار

ما بعد خبيز وادينا وخبزته
وبض عكوبنا مير لممتار

وليس ثمة من فرق بشرعتنا
ما بين راعي سحاحير وسحار

خداك يا بنت من دحنون ديرتنا
سبحانه بارئ الأردن من باري






الآراء (0)   


سيتم إغلاق الموقع خلال أسابيع نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.