كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل - أدونيس | القصيدة.كوم

شاعر وناقد ومفكر ومترجم سوري لبناني، قاد الثورة الحداثوية في النصف الثاني من القرن العشرين، مما ترك أثرا كبيرا على الشعر العربي يشبه تأثير إليوت على الشعر الإنجليزي. حائز على جائزة الإكليل الذهبي عام 1997، وجائزة العويس الثقافية دورة 2002-2003 في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي. (1930-)


1324 | 0 | 0 | 1




إلقاء: أدونيس



"زهرة الكيمياء"

ينبغي أن أسافرَ في جنّةِ الرّمادْ
بين أشجارها الخَفيّهْ
في الرّمادِ الأساطيرُ والماسُ والجُزَّةُ الذّهبيّهْ.
ينبغي أن أسافرَ في الجوع، في الوَرِد، نحو الحصادْ
ينبغي أن أسافرَ، أن أستريحْ
تحت قوسِ الشّفاهِ اليتيمَهْ،
في الشّفاهِ اليتيمَةِ في ظِلّها الجَريحْ
زَهرةُ الكيمياءِ القديمَهْ .
** **

"الدهشة الأسيرة"

ذاهِبٌ أَتفيّأُ بين البراعم والعشبِ، أبني جزيرَهْ
أَصِلُ الغصنَ بالشُّطوطْ
وإذا ضاعَتِ المرافئُ واسودّتِ الخطوطْ
ألبسُ الدّهشة الأسيرَهْ
في جَناحِ الفراشَهْ
خلفَ حصن السَّنابلِ والضّوءِ في مَوْطِنِ الهَشاشَهْ.
** **

"شجرة النهار والليل"

قبل أن يأتيَ النهارُ ، أجيءُ
قبل أن يتساءَلَ عن شَمسِه ، أُضيءُ
وتجيءُ الأشجارُ راكضةً خلفي، وتمْشي في ظلِّيَ الأكمامُ
ثم تبني في وجهيَ الأوهامُ
جُزُراً وقِلاعاً من الصَّمْتِ يجهلُ أبوابَها الكَلامُ
ويُضيءُ اللّيلُ الصّديقُ، وتنسى
نفسها في فراشيَ الأيامُ
ثمّ، إذ تسقطُ الينابيعُ في صدري،
وتُرخي أزرارَها وتَنامُ
أُوقِظُ الماءَ والمرايا، وأجلو
مثلَها، صَفْحةَ الرؤى، وأنامُ.
** **

"كنيسة النهار"

صارَت ليَ الكؤوسُ والأكمامْ
وسادَةً
حُلْماً على الوسادَهْ،

من زَمنِ الولادَهْ
في غابةِ الرّضاع والفِطامْ
أَنقلُ أجراسيَ في اللّيل إلى كنيسة النّهارْ
أَلنِّسْغُ قُدّاسيَ بينَ الطَلْعِ والثّمارْ
والوَرَقُ العِمادَهْ.
** **

"شجرة الشرق"

صِرتُ أنا المِرآةْ :
عكسْتُ كلَّ شيّْ
غيّرْتُ في ناركَ طقسَ الماء والنَباتْ
غيّرتُ شكْلَ الصّوتِ والنّداءْ

صرتُ أراكَ اثنينْ:
أنت وهذا اللّؤلُؤ السّابحُ في عينيّْ
صرتُ أنا والماءُ عاشِقَينْ :
أُولَدُ باسْمِ الماءْ
يُولَدُ فيَّ الماءْ
صِرتُ أنا والماء تَوْأمينْ.
** **

"الإشارة"

مَزجْتُ بين النّار والثّلوجْ -
لن تفهمَ النّيرانُ غاباتي ولا الثّلوجْ
وسوف أبقى غامضاً أليفاً
أسْكُنُ في الأزهار والحجارَهْ
أغيبُ
أسْتقصي
أرى
أموجْ
كالضوءِ بين السّحرِ والإشارَهْ.
** **

"شجرة الحنايا"

في حقولِ الكآبةِ ، في العشبِ أرسمُ أيّامي الحَجَرِيَّهْ
كاسراً صفحةَ المرايا
بين شمسِ الظهيرةِ والماءِ في البُركةِ الآدميَّهْ.
سنَواتي تُهاجرُ كالجوع تنهارُ في غابة الحنايا
سَنَواتٌ ...
رأيتُ مناقيرَها تَتَشابكُ، تنْهارُ في غابةِ الحنايا
بين أعْشاشِها الأبَديَّهْ.
** **

"شجرة النار"

عائلةٌ من وَرَقِ الأشجارْ
تجلسُ قُربَ النَّبْعْ
تجرحُ أرضَ الدَّمْعْ
تقرأُ للماءِ كتابَ النّارْ ،

عائلتي لم تنتظرْ مجيئي
راحَتْ
فلا نارٌ ولا آثارْ .
** **

"شجرة الصباح"

لاقِني يا صباحُ إلى حقلِنا اليائسِ
في الطّريقِ إلى حقلِنا اليائسِ
شجرٌ يابِسٌ كم وَعَدْنا
أن نَظَلّ سَريرَيْن، طِفلين، في ظلّهِ اليابسِ.

لاقِني ، هل رأيتَ الغُصونَ سمعتَ نداءَ الغُصونْ
تركَتْ نِسغَها كلاما

كلماتٌ تشدُّ العيونْ
كلماتٌ تشقّ الحجارَهْ

لاقِني، لاقِني...
كأنّا التقينا، نَسجْنا الظّلاما
ولبسنا، وجئنا، قَرَعْنا على بابه، رفعنا السَتارَهْ
وفَتَحْنا شبابيكَهُ وانزويْنا
في حنايا الجذوعْ
واستَغثْنا بأجفانِنا وسكبْنا
دَوْرَقَ الحلمِ والدّموعْ
وكأنّا بقينا
في بلاد الغصونِ، أضعْنا طريقَ الرّجوعْ.
** **

"غابة السحر"

لِيكُنْ،
جاءتِ العصافيرُ وانضَمَّ لفيفُ الأحجارِ للأحجارِ
لِيكنْ،
أُوقظُ الشّوارعَ واللّيلَ
ونمضي في موكبِ الأشجارِ
الغصونُ الحَقائبُ الخُضْرُ والحلْمُ وِسادٌ
في عطلةِ الأسْفارِ
حيث يبقى الضُّحى غريبًا ويبقى
وَجهُهُ خاتمًا على أسراري.

ليكُنْ،
دَلّني شُعاعٌ ونادانيَ صَوْتٌ
من آخر الأسوارِ...
** **

"شجرة الأهداب"

... وحينما استسْلَمتُ في جزيرةِ الجفونْ
ضيفاً على الأصدافِ والجِرارْ،
رأيتُ أنّ الدّهرَ قارورَهْ
تجمع بين الماءِ والشّرارْ
وتَمنحُ الإنسانَ أن يكونْ
أسطورةً أو نارَ أسطورَهْ،

وكنتُ محمولاً على الغصونْ
في غابةٍ بيضاءَ مسحورَهْ
نهارُها المنذورُ للجنونْ
مَدينتي، واللّيلُ مقصورَهْ.
** **

"شجرة الكآبة"

وَرَقٌ يتقدَّمُ يرتاحُ في حُفْرةِ الكتابَهْ
حاملاً زهرةَ الكآبَهْ
قبل أن يُصبحَ الكَلامُ
صدأً
يتناسلُ في قِشْره الظّلامُ

وَرَقٌ سائحٌ يتقدَّمُ يرتادُ أرضَ الغرابَهْ
غابةً بعد غابَهْ
حاملاً زَهْرةَ الكآبَهْ...
** **

"إقليم البراعم"

مَرَّ هنا إيكارْ
خَيَّم تحتَ الوَرَقِ الشّاحبِ شمَّ النّارْ
في غُرَفِ الخُضرةِ في البراعمِ الوديعَهْ
وهَزَّ،
هَزَّ، الجذْعَ، واستَجارْ
والْتَفَّ كالوشيعَهْ
ثمّ انتَشى وطارْ...

لم يَحْتَرقْ - لَمّا يَعُدْ إيكارْ.
** **


(كتبت قصائد هذه المجموعة بين 1961 و1965)


الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.