الممثّلون - عبدالله أبو شميس | القصيدة.كوم

شاعر عربي من الأردن (1982-). صدر له المجموعات الشعرية "هذا تأويل رؤياي" و"الخطأ" و"الحوار بعد الأخير" و"شهود غزة" و"المنسيات". إضافة إلى ترجمة "اللانداي".


238 | 0 | 0 | 0




هوَ واقفٌ بهدوئِهِ المعتادِ ينتظرُ الإشارةَ. كلُّ شيءٍ جاهزٌ. تأتي الإشارةُ عن قريبٍ، ثمّ تنفرجُ السِّتارةُ، تلعبُ الأضواءُ لعبتَها فتسحبُهُ من الرُّكنِ البعيدِ إلى عيونِ النّاسِ، يركعُ بالتّحيّةِ: عن يَمينٍ.. عن شِمالٍ، مُلْقِياً في موجةِ التّصفيقِ آخرَ ما تبقّى من ملامِحِهِ، ومرتدِياً ملامحَ من يُمثّلُهُ العشيّةْ

بدأتْ فصولُ المسرحيّةْ

تتلاعبُ الأضواءُ ثانيةً، فيخرجُ من عباءتِها سِواهُ مُمثّلونَ، فيخلعونَ ويرتدون، ويركعونَ لموجةِ التصفيقِ كُلٌّ بالتحيّةْ

بدأتْ فصولُ المسرحيّةْ
**

دُنيا مُحرَّكةٌ
و (أنطونْيو) على الخشَباتِ
يمنحُ (كِلْيوبترا) ما تبقّى من ملامحِهِ
ويتبعُها إلى المجهولِ
"عَيْنا (مارِسَ) الوقّادتانِ
حسيرتانِ
أمامَ سيّدةِ النّحاسِ!
وقلبُهُ الجبّارُ دُميةْ"
ومُمثّلُ الْخَشَباتِ
يَخرجُ من ملامِحِهِ تماماً:
"كليوبترا!
مصرُ!
شُدّيني إليكِ، وعانقيني
حيّةَ النّيلِ العميقِ..
وعانقيني!
أيُّ مَجْدٍ والممالِكُ من ترابٍ؟!
رَوْثُ هذي الأرضِ
يَغْذونا كما يغذو البهائمَ،
أيُّ مجدٍ؟!
ليس من مَجدٍ
سوى في أن يكون الحبُّ سيّدَنا
ونحنُ له الرّعيّةْ!"
**

دُنيا مُحرَّكةٌ
وأنطونيو يغادرُ مصرَ
يبحرُ نحوَ قيصرَ
يستعيدُ جنودَهُ ووجودَهُ
وملامحَ الرّوميِّ
"لا..
لا كليوبترا اليومَ تكسِرُني"
(وينكِحُ أختَ قيصرَ..)
"والممالكُ سوف تعبدُني
أنا ثُلُثُ الوجودِ
وعن قريبٍ سوف تكتملُ البقيّةْ!"

ويعودُ أنطونيو لأنطونيو..
ولكنّ الممثّلَ لا يعودُ لِذاتِهِ..
**

دُنيا مُحرَّكةٌ
وينظُرُ في مساءٍ حالِمٍ أنطونيو
نحو الجنوبِ..
وفي الصّباحِ تجيبُهُ مِرآتُهُ:
سرقتْ ملامحَكَ العيونُ السّاحليّةْ!
**

دُنيا مُحرَّكةٌ
وأنطونيو يعودُ إلى الجنوبِ،
وكاللآلئِ تثقبُ البلدانَ إبرتُهُ
ويكبُرُ تاجُهُ..
لكنّ لؤلؤةً عصيّةْ
تغفو بعيداً
في رمالِ اسكندريّةْ
**

"مولاتِيَ العظمى،
رسولُ الحبّ يرجعُ
عاد مولاي العظيمُ إليكِ.."
(توشكُ أن تقولَ إلَيّ..!)
يخفقُ قلبُها وتصيحُ:
"خُذني،
يا غرامُ،
إلى شواطئِكَ القصيّةْ"
**

ويزيدُ في الدّنيا الحنينُ إلى التّوحّدِ
لَمْ يَعُدْ هذا المُدرّجُ مَسرحاً..
دُنيا مُحرَّكةٌ من الأهواءِ والأصداءِ
صاحتْ طفلةٌ:
"أنا كليوبترا.. يا أبي!
"بالطّبعِ.. يا معبودتِي

وأَسَرَّ في النّفسِ البقيّةْ:
"وأنا..
أنا أنطونيو!
ـــ




* في القصيدة بعض الاقتباسات والإشارات إلى مسرحيّة "أنطونيو وكليوبترا" لشيكسبير.


الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)