وجه الماء / قفا الصحراء - سليم الحاج قاسم | القصيدة.كوم

شاعر وباحث تونسي متخصّص في دراسة الأدب الحديث وتيّار السرياليّة بشكل خاص (1987-)


335 | 0 | 0 | 0



-1-
قلقٌ.
بموسيقاهُ، يضلعُ القلقُ في ترتيبِ خلايا الكونِ
يمنحها من وقعهِ، و يُغنيها بقيمةِ المعنى...
عن كلّ ذلكَ، يشذّ العربيُّ و يقول:
أنا ضحيّة أثر الفراشة،
أنا كوخٌ صغير ٌ تهمُّ بهِ رياحُ الصّحراء.


-2-
- من أنتَ ؟
- أنا قطعةٌ بيضاء من شظايا " أفروديت ".
- كيف انشققْت عن جسدها المُغرَوْرَقِ بالنّجومِ، و جئت إلى هنا ؟
- تأمّلتُ: لا مؤلِّفَ لحياتي،
و كلّ مكانٍ تطؤهُ خطاي يتحوّل بعدي إلى محرقة.
- هل أنتَ النّارُ ؟
- بل أنا الماءُ الكامنُ في اللّهبِ.


-3-
فلنقتسم حكمة الموجِ في هذا الصّيفِ الحارقِ، أنت نصفها، و أنا النّصف.
فلأضعِ النّصف خاصّتي في إناءٍ مُعقّمٍ أحكمُ غلقهُ ...
و لتفتحِ النّصفَ خاصّتَكَ على كلّ إمكانات العالمِ ...
و لنُقارن بعد شهرين:
أيّ النّصفين ينجحُ في تقصّي حكمةِ الشمسِ.


-4-
مشيتُ.
تقدّمتُ مُصدّقا وصايا الغيمِ وحدي.
لم يقدني طريق البحرِ سوى إلى منزلِ الرّيحِ ...
و حين سألتُ ؟
دلّني العابرون على جِهاتٍ أربعٍ: كلّها عطشى،
و كلّها تدّعي أنّها الطّريق الموصِلةُ إلى النّهر.


-5-
نصّ واحدٌ. يتعثّر حولهُ السيفُ بالرمحِ، و الموتُ بالحجارةِ
يقولُ الأغلبيّةُ، و قائدهم شيخهم: كلّهم أعلامٌ، نجوم، و حكماء
كلّهم أجرام وضّاءةٌ في الأعلى.
و يقول التاريخ :
كلّهم مجرمون، هنا، في الأسفلِ.


-6-
لو فرضنا أنّ عقلَكَ حقلُك...
و جئتُ، بإذن منك أو دونَهُ، فحرثتُهُ، و زرعته...
من قال أنّكَ، في وقتِ الحصادِ، لن تطردني من الحقلِ
و تجمع حصادَ ما زرعتُ أنا، وحدك ؟
هكذا،
لا أريدُ أن أجهدَ كي أقنعكَ بإتباعي...
خاصّة أنّي لا أعرفُ بالضبط إلى أين أقصد.


-7-
هل سألتَ نفسكَ مرّةً أيّها الموجُ الذي يزدحمُ حوليَ الآن: ما الغرقُ ؟
كذلكَ يفعلُ الشّاعرُ حين يتفكّرُ في فعلِ الكتابة.


-8-
غاص النومُ في البعيدِ، و أفلتَهُ عنوةً ...
نهض من حلمهِ المرئيِّ باكرا
يستقرئُ الفجرَ قبل أن تغلب عليه زرقةُ البحر.
دوّن ما سمعه:
" العالمَ ضيّقٌ، إلا على الذين يرفعون أبصارهم إلى السّماء "
حين أعاد ترتيل الكلامِ أمام صديقتهِ الوردةِ، قالت:
" هيهات على الفجر، قد فاتك الوقتُ دون أن تدري،
تلك كانت حكمة الضّوء ".


-9-
هَيولى.
رأى إلى صمتِهِ يتلصّصُ على جسورِ الغِواية حولهُ
يتخفّى بأنفاسِ الرّيحِ و هي تهمسُ بينَ ذرّاتِ المادّةِ
و تتخمّرُ في سوائلِها.
صوتٌ يتدلّى من غيهبِ الغرفةِ:
" و أنتَ أيّها الكونيُّ،
لماذا تبيتُ بين أحضانِ حلمكَ الصّلبِ،
و تنسى وصيّةَ الماء ؟ "


-10-
تتبعهُ الأنظارُ أينما حلّ...
و يخاطبُ قسماتَهُ الليلُ.
يئدُ المغتربون فيِه أحزانهم،
و هو يرعاها حتّى تنمُو بين مفاصِلها لغةٌ جديدة...
يتكلّمُ، لا ليسمعهُ الآخرون، بل ليفهمَ ما سمعوه ...
هو ذاك تماما،
مبدأ الرّفضِ.


-11-
جلس التّاريخُ على شفا بُحيرةٍ،
و فكّرَ: كيف يمكنني أن أحوّلكِ إلى بركةٍ من الدّماء.


-12-
لم أنم،
شقّني الزمنُ إلى وردةٍ و سيف...
أدركتُ أنّي قد أضعتُ ألبوم الصّورِ القديمةِ في غفلةٍ من عقاربِ الساعةِ،
ناشدني الوقتُ قال:
اِنسَ، أيّها العربيّ كلّ ماضيك كما ينسلخُ من جلدهِ الثعبان
سنشنُّ الآن حربا جديدة:
حربَ السيفِ على الوردة.


-13-
أنبئني أيّها النبعُ:
متى بثّ الهواءُ روحهُ في الكونِ حتّى أزهرَ ؟
و كيف،
كيف اقتادتني عصفورةٌ إلى عشّها
و خضّبتني بالبكاء.


-14-
يكتبُ الماءُ أساطيرهُ بلغةِ الموجِ
و يكتبُ الموجُ تاريخهُ بدفقةِ الماءِ ...
و لكن، من سرق حقوق التأليفِ من بين يديِ الغيم
و تركهُ أعزلا
دون كتاب ؟!


-15-
قال تمنَّ عليَّ، ألبّيك ...
أجابهُ:
ليتكَ تشقّ السّماواتِ و تنزل.

-16-
وردتني أسماءُ أجدادي بلا عنعنةٍ
لذلك ضعّفتُ جميع أحاديثِهم
و صدّقتُ أكاذيب الغيمِ.


-17
قال: من أخذ بيدك ؟
قلتُ: وحدي.
قال: كيف كانت الطّريق نحوي ؟
قلتُ: قاسية.
قال: لم تصل إليّ بعدُ.


-18-
تبدين
و أنتِ جالسة على قوسٍ من شقوق الموجِ
مُضَمّخةً بمواهبِ أحزانكِ.
أحقّا،
تجوبين القرى في جسدي ...
و في جسدكِ قارّاتٌ تجهلينها ؟

-19-
بالأمسِ،
سمعتُ الأرض و هي تُخاطبُ الشمس و القمر و تقول:
" لا تتكلّما في نفسِ الوقتِ...
حتّى أُميّزَ ما يقولُه كلّ منكُما ".


-20-
عندما تركتُ لُغتي مقيّدةً إلى خصركِ
لم أحتسب عدد الحروف الضّائعة...
أنا مَوْروثُكِ الأخير
من قصائد الوجع.


-21-
يقول الوقت لأخيهِ الفجر:
لا تغضب. فقد كان دوما من عادتي
أن أُضرم النّار في الحقلِ كاملا،
و أترُكَ الحياةَ لتنتَقيَ النّاجين
من بين الجثث.
الشّعر لا أين /
الشعر لا كيف /
و لكن، لماذا يدقّ مسامير الغيبِ في غيومٍ
ليس لها وطنٌ
و لا تعرف الشّمسُ عنوان أقدارها ؟

شتاء 2017





الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.