شاعر وناقد ومفكر ومترجم سوري لبناني، قاد الثورة الحداثوية في النصف الثاني من القرن العشرين، مما ترك أثرا كبيرا على الشعر العربي يشبه تأثير إليوت على الشعر الإنجليزي. حائز على جائزة العويس الثقافية دورة 2002-2003 في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي. (1930-)
لتقييم وتفضيل ومشاركة جميع قصائد وترجمات الموقع، يتوجب تسجيل الدخول. عملية إنشاء حساب جديد أو تسجيل الدخول لا تستغرق من وقتك دقيقة واحدة، وتتيح لك العديد من المزايا
قيم قصيدة "ساحر الغبار" لـ "أدونيس"
ساحر الغبار 0
مشاركة القصيدة
إلقاء: أدونيس
"مزمور"
أحملُ هاويتي وأمشي. أطمسُ الدروبَ التي تتناهى؛ أفتحُ الدروبَ الطويلةَ كالهواء والتراب – خالقاً من خطواتي أعداءً لي، أعداءً في مستواي. وسادتي الهاويةُ والخرائبُ شفيعتي.
إنني الموتُ، حقاً.
التآبينُ صِيَغي – أمحو وأنتظرُ من يمحوني. لا شذوذَ في دُخاني وسحري. هكذا أعيشُ في ذاكرة الهواء.
أمحو الآثارَ والبقعَ في داخلي. أغسلُ داخلي وأُبقيه فارغاً ونظيفاً. هكذا تحت نفسي أحيا.
بالنزيف تتغذّى عروقي ولا مكانَ لي بين الموتى. الحياةُ ضحيّةٌ لي ولا أعرفُ أن أموت – إن زماني خفيٌّ وتحت العيون، وأمسِ دخلتُ في طقس الموج وكان الماءُ لهيبي.
إنني عَجولٌ والموتُ يتبعني حاشداً رياحَهُ بين عينيّ. أضحكُ معه وأبكي في رفّة الهُدب – آهِ الموتُ المهرّجُ الموتُ الباكي.
أعرفُ أنني في شَرْخِ الموت، أتبطّنُ القبرَ وأُخَنْخِنُ كلماتي، لكنني حيٌّ – يعرفُ هذا غيري،
1
ألورقُ النائمُ تحت الريحْ
سفينةٌ للجرحْ
والزمنُ الهالكُ مجدُ الجرحْ
والشجرُ الطالعُ في أهدابنا
بحيرةٌ للجرحْ.
والجرحُ في الجسورْ
حين يطول القبرْ
حين يطول الصبرْ
بين ضفافِ حبِّنا وموتِنا، والجرحْ
إيماءةٌ والجرحُ في العبورْ.
2
للّغةِ المخنوقةِ الأجراسْ
أمنحُ صوتَ الجُرحْ
للحَجر المُقبلِ من بعيدْ
للعالم اليابسِ لليباسْ
للزمنِ المحمولِ في نقّالة الجليدْ
أُشعلُ نارَ الجرح؛
وحينما يحترقُ التاريخ في ثيابي
وتنبتُ الأظافرُ الزرقاء في كتابي
وحينما أصيحُ بالنهارْ –
من أنتَ، من يرميكَ في دفاتري
في أرضيَ البتولْ؟
ألمحُ في دفاتري في أرضيَ البتول
عينينِ من غبارْ
أسمعُ من يقولْ:
"أنا هو الجرح الذي يَصيرْ
يكبرُ في تاريخكَ الصغيرْ".
3
سمّيتُكَ السحابْ
يا جرحُ يا يمامةَ الرحيلْ
سميتُكَ الريشةَ والكتابْ
وها أنا أبتدئُ الحوارْ
بيني وبين اللغةِ العريقَهْ
في جُزُرِ الأسفارْ
في أرخبيلِ السقطةِ العريقَهْ
وها أنا أعلّمُ الحوارْ
للريحِ والنخيلْ
يا جُرحُ يا يمامةَ الرحيلْ.
4
لو كان لي في وطنِ الأحلامِ والمرايا
مرافئٌ، لو كانَ لي سفينَهْ
لو أنَّ لي بقايا
مدينةٍ لو أنَّ لي مدينَهْ
في وطنِ الأطفالِ والبكاءْ،
لَصغتُ هذا كلَّهُ للجرحْ
أغنيّةً كالرمحْ
تخترقُ الأشجارَ والحجارَ والسماءْ
ليّنةً كالماءْ
جامحةً مذهولةً كالفتحْ.
5
أمطِرْ على صحرائِنا
يا عالماً مزيّناً بالحُلمِ والحنينِ
أمطِرْ، ولكن هُزَّنا، نحن، نخيلُ الجرحْ
واكسرْ لنا غصنينْ
من شجرٍ يعشقُ صمتَ الجرحْ
من شجرٍ يسهرُ فوقَ الجرحْ
مقوّسَ الأهدابِ واليدين.
يا عالماً مزيناً بالحلمِ والحنينِ
يا عالماً يسقطُ في جبيني
مرتسماً كالجرحْ
لا تقتربْ، أقربُ منكَ الجرحْ
لا تُغرني، أجملُ منك الجرحْ
وذلك السحر الذي رمتْهُ
عيناكَ في الممالك الأخيرَهْ
مرَّ عليه الجرحْ
مرَّ فلم يتركْ له شراعاً
يُغوي، ولم يتركْ له جزيرَهْ.
** **
"مات إله"
ماتَ إلهٌ كانَ من هُناكْ
يهبطُ، من جمجمةِ السماءْ.
لربما في الذعرِ والهلاكْ
في اليأسِ في المتاهْ
يصعدُ من أعماقيَ الإلهْ؛
لربّما، فالأرضُ لي سريرٌ وزوجةٌ
والعالمُ انحناءْ.
** **
"الضياع"
أضيعُ، أرمي للضحى وجهي وللغبارْ
أرميهِ للجنونْ
عينايَ من عُشبٍ ومن حريقْ
عينانِ راياتٌ وراحلونْ
أَلّله، ما أجملَ ما يضيعَ بي وجهي وأن أضيع
ممتلئاً بالنارْ،
يا قبرُ يا نهايتي في أول الربيعْ.
** **
"حجر"
أعشقُ هذا الحجرَ الوادعا
رأيتُ وجهي في تقاطيعهِ
رأيتُ فيه شِعريَ الضائعا.
** **
"السقوط"
أعيشُ بين النارِ والطاعونْ
مع لغتي - مع هذه العوالم الخَرْساءْ
أعيشُ في حديقةِ التفّاح والسماءْ
في الفَرحِ الأوّلِ والقنوطْ
بين يديْ حواءْ -
سيّدَ ذاكَ الشجرَ الملعونْ
وسيّدَ الثمارْ؛
أعيشُ بين الغيم والشرارْ
في حجرٍ يكبرُ، في كتابٍ
يعلّمُ الأسرارَ والسقوطْ.
** **
"حوار"
- "من أنتَ، من تختارُ يا مهيارْ؟
أنّى اتّجهتَ، اللهُ أو هاويةُ الشيطانْ
هاويةٌ تذهبُ أو هاويةٌ تجيءْ
والعالمُ اختيارْ".
- "لا اللهَ أختارُ ولا الشيطانْ
كلاهما جدارْ
كلاهما يُغلقُ لي عينيّ –
هل أبدلُ الجدارَ بالجدارْ
وحيرتي حيرةُ من يضيءْ
حيرةُ من يعرفُ كلَّ شيءْ...".
** **
"لغة الخطيئة"
أحرقُ ميراثي، أقولُ أرضي
بِكْرٌ، ولا قبورَ في شبابي
أعبرُ فوقَ اللهِ والشيطانْ
دربي أنا أبعدُ من دروب
الإلهِ والشيطانْ -
أعبرُ في كتابي
في موكبِ الصاعقةِ المضيئهْ
في موكبِ الصاعقةِ الخضراءْ
أهتفُ - لا جنّةَ لا سقوطَ بعدي
وأمحو لغةَ الخطيئهْ.
** **
"ملك الرياح"
طَرَفٌ رايتي لا تُؤاخي ولا تتلاقى
طَرَفٌ أغنياتي.
ها أنا أحشدُ الزهورَ وأستنفرُ الشجَرْ
وأمدُّ السماءَ رواقا
وأحبُّ وأحيا وأُولَدُ في كلِماتي
ها أنا أجمعُ الفَراشاتِ تحت لواءِ الصباحِ
وأربّي الثمارْ
وأبيتُ أنا والمطَرْ
في الغيوم وأجراسِها، في البحارْ؛
ها أنا أُشْرِعُ النجومَ وأُرْسي
وأُنصِّبُ نفسي
مَلِكًا للرياحِ.
** **
"الصخرة"
رضيتُ بما شئتِهِ: أغنياتيَ
خبزي ومملكتي كلماتي -
فيا صَخْرتي أثقِلي خُطُواتي
حملتُكِ فجراً على كتفيَّ،
رسمتُكِ رؤيا على قَسَماتي.
** **
"هاوية"
أُقبِلُ في هاويةٍ أجهلُ أن أراها
أخافُ أن أراها،
أُقبِلُ في هاويةٍ مليئَهْ
بِفَرْحةِ المُنبئِ والنذيرْ،
فَرْحةِ أن تصيرْ
أغنيّتي أغنيّةً سواها
تقودُ هذا العالم الضريرْ -
فَرْحةِ أن أصيرْ
خطيئةً،
وخاطئاً يحيا بلا خطيئَهْ.
** **
"لي أسراري"
لِيَ أسراري لأمشي
فوقَ بيتِ العنكبوتْ
لِيَ أسراري لأحيا
تحتَ أهدابِ إلهٍ لا يموتْ.
عاشِقٌ أسكنُ في وجهي وصوتي -
ليَ أسراري ليأتي
ليَ نسلٌ بعد موتي.
** **
"لم ترني عيناك"
لم تَرَني عيناكْ
بِكْراً كماءِ النُّطفةِ الخالقَهْ
لم تَرَني أُقبِلُ من هُناكْ
في موكبِ النذورْ
وفي خُطايَ العُشبُ والصاعقَهْ.
غداً غداً في النار والربيع
تعرفُ أني حاضِنُ البذورْ،
غداً غداً تُوقنُ بي عيناكْ.
** **
"حوار"
- "أين كنتَ؟
أيُّ ضوءٍ تحت أهدابِكَ يبكي؟
أين كنتَ؟
أَرِني. ماذا كتبتَ؟".
لم أُجِبْها. لم أكنْ أعرفُ كِلمَهْ
فأنا مزّقتُ أوراقي لأني
لم أجدْ تحت غيوم الحِبر نجمه.
- "أيُّ ضوءٍ تحت أهدابكَ يبكي؟
أين كنتَ؟".
لم أُجبْها. كانتِ الليلةُ كوخاً
بدويّاً، والمصابيحُ قبيلَهْ
وأنا شمسٌ نحيلَهْ
تحتها غيّرتِ الأرضُ رُباها
والتقى التائهُ بالدرب الطويلَهْ.
** **
"الحضور"
أفتحُ باباً على الأرض، أُشعلُ نارَ الحضورْ
في الغيوم التي تتعاكسُ أو تتوالى.
في المحيطِ وأمواجه العاشقَهْ
في الجبال وغاباتها، في الصخورْ،
خالقاً لِلّيالي الحُبالى
وَطناً من رمادِ الجذورْ
من حقولِ الأغاني من الرّعدِ والصّاعقَهْ،
حارقاً مومياءَ العُصور.
** **
"الأيام السبعة"
أيها الأمُّ التي تَسخرُ
من حبّي ومَقْتي،
أنتِ في سبعةِ أيامٍ خُلِقْتِ
فخلقتِ الموجَ والأُفقَ
وريشَ الأغنيَهْ
وأنا أياميَ السّبعةُ جرحٌ وغرابُ
فلماذا الأحجيَهْ
وأنا مثلُكِ ريحٌ وترابُ؟
** **
"أورفيوس"
عاشِقٌ أتدحرجُ في عَتَماتِ الجحيمْ
حجَراً، غير أنّي أُضيءُ
إنّ لي موعداً مع الكاهناتْ
في سريرِ الإله القديمْ
كلماتي رياحٌ تهزُّ الحياةْ
وغنائي شرارْ.
إنني لغةٌ لإله يجيءُ
إنني ساحرُ الغبارْ.
** **
"أرض السحر"
لم يبقَ - لا ثأرٌ ولا خُصومَه
بيني وبين حارسِ الأيامْ،
كُلٌّ مضى، سيّجَ بالغَمامْ
تاريخَه، كُلٌّ رأى تخومَهْ -
ولم تزلْ أرضيَ أرضَ السِّحْر:
أُغالِطُ الهواء
أَجْرَحُ وجهَ الماء
أخرجُ من قنّينةٍ في البحرْ.
** **
"رؤيا"
تَقنّعي بالخشَبِ المحروقْ
يا بابلَ الحريقِ والأسرارْ،
أنتظرُ الله الذي يجيءْ
مُكْتسياً بالنّار
مُزَيناً باللؤلؤ المسروقْ
من رئةِ البحرِ من المحارْ؛
أنتظرُ الله الذي يحارْ
يغضبُ يبكي ينْحني يُضيءْ -
وجهكَ يا مهيارْ
يُنْبئُ بالله الذي يجيءْ.
** **
"سفر"
سأسافرُ في موجةٍ في جَناحْ
سأزورُ العصورَ التي هجرتْنا
والسماءَ الهُلاميّةَ السابعَهْ،
وأزورُ الشفاهْ
والعيونَ المليئةَ بالثلج، والشفرةَ اللامعَهْ
في جحيمِ الإِلهْ؛
سأغيبُ، سأحزمُ صدري
وأربطُهُ بالرياحْ
وبعيداً سأتركُ خطويَ في مفرقٍ،
في متاهْ ...
** **
"اترك لنا وراءك"
إِمضِ ابتعدْ واحتضنِ الأمواجَ والهواءْ
واحملْ على أهدابِكَ السحابَ والبروقْ
ولْتَنكسرْ وراءَكْ
مرآتُنا، وَلْتنكسرْ قارورة السنين؛
واتركْ لنا وراءَكْ
لا. لا تدعْ وراءَكْ
غيرَ بقايا حَسْرةٍ وطينْ
غيرَ الدمِ اليابسِ في العروقْ؛
آهِ، ابتعدْ. مهلَكَ، لا.
أوشكتَ أن تغيبْ
فاتركْ لنا وراءَكْ
عينيكَ أو جُثّتَكَ السّمراءَ أو رداءَكْ
قصيدةً للعالم الغريبْ
للعالم الآتي مع الحنينْ
يحملُ في أهدابه سَماءَكْ.
** **
"أسلمت أيامي"
أسلمْتُ أيامي لهاويةٍ
تعلو وتهبطُ تحت مركبتي
وحفرتُ في عينيَّ مقبرتي،
أنا سيّدُ الأشباحِ أمنحُها
جِنْسي وأمسِ منحتُها لغتي
وبكيتُ للتاريخ منهزماً
مُتعثراً يكبو على شفتي
وبكيتُ للرعبِ الذي احترقتْ
أشجارُهُ الخضراءُ في رئتي؛
أنا سيّدُ الأشباحِ أضربُها
وأسوقُها بدمي وحنجرتي
الشّمسُ قُبّرةٌ رميتُ لها
أُنشوطتي والريحُ قبّعتي.
** **
"جسر الدمع"
ثَمّةَ جسْرٌ من الدمعِ يمشي معي
يتكسّرُ تحتَ جفوني
ثَمّةَ في جلديَ الخَزفيِّ
فارِسٌ للطفولَهْ
يربطُ أفراسُهُ بظلّ الغصونِ
بحبالِ الرياحْ
ويغنّي لنا بصوتِ نبيٍّ:
"أيّهذي الرياحْ
أيّهذي الطفولَهْ
يا جسوراً من الدّمعِ
مكسورةً وراء الجفونِ".
** **
"لا حد لي"
لِدربيَ اللابسةِ الأمواجَ والجبالْ
لوجهيَ المليءِ بالأصداءْ
أطفأتُ آلافَ الشموع البيض في السماءْ؛
قلتُ لأسنانيَ للأظافرِ الزرقاءْ
لِيني معي واسْتسلمي للموجِ والهديرْ
قلتُ لها أن تقطعَ الحبالَ
بيني وبين الشاطئ الأخيرْ -
لا حَدَّ لي لا شاطئٌ أخيرْ.
** **
"السدود"
دائماً يُقرأُ الضحى ويُعادُ
دائماً هذه المغاورُ تحت الجلْدِ
هذي السدودُ والأنقاضُ
دائماً هذه التكايا
دائماً هذه المقابرُ تحت الهُدْبِ
هذي الأشلاءُ هذي الضحايا
من أغانيكَ، حيث لا أرضَ في وجهكَ
لا رقصةٌ ولا ميلادُ،
دائماً في عروقِكَ الإجهاضُ -
لكَ في القِشْر نجمةٌ، لكَ في الصخرِ تراثٌ
وفي النهار بلادُ،
يا أميرَ الفراغ يا لغةً تَفْرُغُ فيها الرياحُ والأبعادُ.
** **
"الأرض الوحيدة"
أسكنُ في هذه الكلماتِ الشريدَهْ
وأعيشُ ووجهي رفيقٌ لوجهي
ووجهي طريقي،
بِاسْمكِ يا أرضيَ التي تتطاولُ
مسحورةً وحيدَهْ
باسمكَ يا موتُ يا صديقي.
** **
"أمنية"
لو أرْزةٌ من شجَرِ الأعماقِ والسنينِ
تفتحُ لي أحضانَها، لو أنها تقيني
غوايةَ اللؤلؤِ والشراعْ،
لو أنَّ لي جذورَها ووجهي
يرسو وراء قشرِها الحزينِ،
إذن، لصرتُ الغيمَ والشعاعْ
في الأفْقِ - هذا البلدِ الأمينِ.
لكنني أحيا وكلُّ غُصنٍ
في شجر الأعماق والسنينِ
نارٌ على جبيني
نارٌ من الحمّى من الضَّياعْ
تَلْتهمُ الأرضَ التي تقيني.
** **
"قلت لكم"
قلتُ لكم أصغيتُ للبحارْ
تقرأُ لي أشعارَها؛ أصغيتْ
للجَرسِ النائم في المحارْ؛
قلتُ لكم غنّيتْ
في عُرُسِ الشيطان، في وليمة الخُرافَهْ؛
قلتُ لكم رأيتْ
في مطر التاريخ، في توهّجِ المسافَهْ
جِنّيّةً وبيتْ؛
لأنني أُبحرُ في عَينيّ
قلتُ لكم رأيتُ كلَّ شيّ
في الخطوة الأولى من المسافَهْ.
** **
"الهزيمة"
أصهركِ الآن يا أغاني
غيماً ومرثيّةً ودِيمَهْ
أمزجُ بالنعمة الجريمَهْ
ناسِجاً رايةَ الترابْ
والضّحى برماح الهزيمه.
يكفيكَ أن ترى
يكفيكَ أن تموتَ من بعيدْ
أن تحضنَ الذّرى.
لا صمتَ في عينيكَ لا كلامْ
كأنَّكَ الدخانْ
جلدُكَ يَسّاقَطُ في مكانْ
وأنتَ في مكانْ -
يكفيكَ أن تعيشَ في المتاهْ
مُنهزماَ أخرسَ كالمسمارْ
لن تلمحَ اللهَ على الجباهْ؛
يكفيكَ يا مهيارْ
أن تكتمَ السرَّ الذي مَحاهْ.
يكفيكَ أن ترى
يكفيكَ أن تموتَ من بعيدْ.
** **
"الكرسي"
(حلم)
مِن زَمَنٍ صرختُ بالمدينَهْ:
يا قشرَةَ العالمِ في يَديّْ.
من زمنٍ تَمْتَمتُ للسفينَهْ -
أُغنيَتي في اللهبِ الورديّْ:
أَلكلُّ أو لا شيّْ.
تعبتُ يا أحفاديَ الصغارْ
مني، من البحارْ،
هاتوا ليَ الكرسيّْ.
** **
"المصباح"
يحملُ في رابعةِ النهارْ
مصباحَهُ يبحثُ عن إنسانْ
لا رملَ في عينيهْ؛
يسيرُ في خُفٍّ من الغبارْ
ينامُ في برميلْ
مُلتحِفاً كفّيهْ.
- وأنتَ، ماذا؟
- ليس لي عينان .
بيني وبين إخوتي قابيلْ
بيني وبين الآخرِ الطوفانْ.
حين ينامُ الليلُ والنهارْ
أُغافلُ السفّاحْ
أمشي ويمشي خلفيَ الغبارْ،
لكنّني أمشي بلا مصباحْ.
** **
"أبحث عن أوديس"
أشردُ في مغاورِ الكبريتْ
أُعانقُ الشرارْ
أُفاجئُ الأسرارْ
في غيمةِ البخور في أظافرِ العفريتْ -
أبحثُ عن أوديس
لعلّهُ يرفعُ لي أيامه معراجْ
لعلّهُ يقولُ لي، يقولُ ما تجهلُهُ الأمواجْ...
** **
"البلاد القديمة"
أَسْلمتُ للصّخورِ والأَصداءْ
راياتيَ المخنوقةَ النداءْ؛
أسْلمتُها لقلعةِ الغبارْ
لِكبرياءِ الرفضِ والهزيمَهْ
لم يبقَ لي إلاكِ يا بلاديَ القديمَهْ -
أيّتها الأسرارْ.
** **
"أرض بلا معاد"
حتى ولو رجعتَ يا أوديسْ
حتى ولو ضاقتْ بكَ الأبعادْ
واحترقَ الدليلْ
في وجهِكَ الفاجعِ
أو في رعبِكَ الأنيسْ،
تظلُّ تاريخاً من الرحيلْ
تظلُّ في أرضٍ بلا ميعادْ،
تظلُّ في أرضٍ بلا مَعَادْ،
حتى ولو رجعتَ يا أوديس.
** **
واليوم لي لغتي
ولي تخومي ولي أرضي ولي سِمَتي
ولي شعوبي تُغَذّيني بِحَيرتِها
وتَسْتضيءُ بأنقاضي وأجنحتي.
** **
"الأرض"
كم قلتَ: لي بلاديَ الثانيَهْ
وامتلأتْ كفّاكَ بالدموعْ
وامتلأتْ عيناكْ
بالبرقِ من تخومِها الآتيَهْ،
هل عرفتْ عيناكَ أنّ الأرضْ
أنّى بكتْ أو هلّلتْ خُطاكْ
هُنا، كما غنّيتَ أو هناكْ
تعرفُ كلَّ عابرٍ سواكْ
وأنّها واحدةٌ
يابسةُ الأحشاءِ والضروعْ
وأنها تجهلُ طقسَ الرفضْ؛
هل أيقنت عيناكْ
أنكَ أنتَ الأرضْ؟
** **
"لغة للمسافة"
أمسِ تحت المحاجر سافرتُ تحت الغُبارْ
فسمعتُ صدانا
وسمعتُ انهيارَ الحدود
ورجعتُ، وقيل نسيتُ هنالكَ،
مِن دهشةٍ، خطواتي
خطواتي؟ بَلى، وكأنّي أراها
حُرّةً تَتنقّلُ بين الشرايين بين الرّئاتِ
وتطوفُ الحنايا وتنقادُ
مذهولةً أو تحارْ
في ثنايا الخواصرِ في الجِلدِ
في هُوّةٍ لا تراها
وكأني أراها
بعد هذا تعودْ.
ستمرُّ، ولن تلمحوا، خُطواتي
بيننا لغةٌ للمسافةِ يجهلُ ألفاظَها سوانا.
** **
"البرق"
أوْمَأَ لي برقٌ بكى ونامْ
في غابةِ الظنونْ
يجهلُ من أكونْ
يجهلُ أنّي سيّدُ الظلامْ؛
أومأَ لي برقٌ بكى ونامْ
نامَ على يديّْ
منذ رأى عينيّْ.
** **
"ظلي وظل الأرض"
إقتربي أيتها السماءُ واسْتريحي
في قبريَ الضيّقِ،
في جبينيَ الفسيحِ
وابْقَيْ بلا وجهٍ ولا يدينْ
ودونما حشرجةٍ أو نبضْ
وارْتسمي شَخْصينْ -
ظِلّي وظِلَّ الأرضْ.
** **
"أوديس"
- "مَن أنتَ، من أيِّ الذرى أتيتْ
يا لغةً عذراءَ لا يعرفُها سواكْ.
ما اسْمُكَ - أيّ رايةٍ حملتَ أو رميتْ؟".
تسألُ، ألْكينوسْ؟
تُريدُ أن تكشفَ وجهَ الميتْ
تسألُ من أيِّ الذرى أتيتْ
تسألُ ما اسمي - اسمي أنا أوديسْ
أجيءُ من أرضٍ بلا حدودْ
محمولةٍ فوق ظهورِ الناسْ؛
ضعتُ هنا وضعتُ مع قصائدي هُناكْ
وها أنا في الرعب واليباسْ
أجهلُ أن أبقى وأن أعودْ.
** **
The Wound
(Translated by: Khaled Mattawa)
1.
The leaves asleep under the wind
are the wounds’ ship,
and the ages collapsed on top of each other
are the wound’s glory,
and the trees rising out of our eyelashes
are the wound’s lake.
The wound is to be found on bridges
where the grave lengthens
and patience goes on to no end
between the shores of our love and death.
The wound is a sign,
and the wound is a crossing too.
2.
To the language choked by tolling bells
I offer the voice of the wound.
To the stone coming from afar
to the dried-up world crumbling to dust
to the time ferried on creaky sleighs
I light up the fire of the wound.
And when history burns inside my clothes
and when blue nails grow inside my books,
I cry out to the day,
“Who are you, who tosses you
into my virgin land?”
And inside my book and on my virgin land
I stare into a pair of eyes made of dust.
I hear someone saying,
“I am the wound that is born
and grows as your history grows.”
3.
I named you cloud,
wound of the parting dove.
I named you book and quill
and here I begin the dialogue
between me and the ancient tongue
in the island of tomes
in the archipelago of the ancient fall.
And here I teach these words
to the wind and the palms,
O wound of the parting dove.
4.
If I had a harbor in the land
of dreams and mirrors, if I had a ship,
if I had the remains
of a city, if I had a city
in the land of children and weeping,
I would have written all this down for the wound’s sake,
a song like a spear
that penetrates trees, stone, and sky,
soft like water
unbridled, startling like conquest.
5.
Rain down on our desert
O world adorned with dream and longing.
Pour down, and shake us, we, the palms of the wound,
tear out branches from trees that love the silence of the wound,
that lie awake staring at its pointed eyelashes and soft hands.
World adorned with dream and longing
world that falls on my brow
like the lash of a wound,
don’t come close—the wound is closer—
don’t tempt me—the wound is more beautiful.
That magic that your eyes had flung
on the last kingdoms—
the wound has passed over it,
passed and did not leave a single sail
to tempt toward salvation, did not leave
a single island behind.
الترجمة لمقطع - الجرح
الآراء (0)
نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)