مزامير الإله الضائع - أدونيس | القصيدة.كوم

شاعر وناقد ومفكر ومترجم سوري لبناني، قاد الثورة الحداثوية في النصف الثاني من القرن العشرين، مما ترك أثرا كبيرا على الشعر العربي يشبه تأثير إليوت على الشعر الإنجليزي. حائز على جائزة الإكليل الذهبي عام 1997، وجائزة العويس الثقافية دورة 2002-2003 في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي. (1930-)


1466 | 0 | 0 | 4



-1-
هذا الجَسَدُ
سِحْرٌ أغوى الأرضا
ألّا ترضى
ولهيبُ تَشَّهٍ لا يَبْتَرِدُ، -
من أطفالِ الجسدِ الأَبَدُ.
فيه نُغرَسُ، فيه نُقطَفْ
فيهِ ما لا يُعرَفُ، يُعرَفْ.
معبدُ قلبي، معبدُ شعري، معبدُ عمْري
أعصابي فيه تُوقَد مثل بخور الكاهنِ، مثل الجمرِ:
آهِ نداءُ الكاهنِ آهِ ندائي
يصعدُ يصعدُ حتى وجهِ القمرِ الآخرِ، حتى أبعَدْ.

-2-
فخذاكِ لذائذُ حُمّائِيّهْ
لم تُكشَفْ، لم تُعرَفْ بعدُ
فيها يسبحُ فيها يعدو
ويُقاسِمُها كلَّ ثنيّهْ
ليلُ الغاباتِ الوحشيّهْ
فخذاكِ وبينهما تنمو
أغراسُ الجنْس البحريّهْ
في كلِّ تُوَيجٍ سنفونيّهْ
فخذاكِ وبينهما القُبَلُ
والعشّاقُ السُّمرُ الأوَلُ
والأبطالُ
وفتوحاتٌ
فخذاكِ، وبينهما الأجيالُ
شيءٌ يُحضَنُ، يُعشَقُ يُعبَدُ، كيف يُقالُ؟

-3-
عَرّي فخذيكِ، أزيحي التّينَ
يُسقسقْ نبعٌ، يُفتَحُ أفُقُ
وتصرْ أقماراً حتى الخِرَقُ.

يا شهدي، يا شهدَ الشهوَهْ
يا أرضاً تُجنى في خَلوَهْ
يا قبَّهْ
فيها كلُّ نجيٍّ يَشْهدُ ربَّهْ.

يا قصراً يعلو تحت الزّغَبِ
في أحشائكَ تيهٌ يجرفُ رَمْلَ التّعَبِ
في أحشائِكَ أحيا موجَ الجنسِ، أكابدُ سَوْرَةَ مَدِّهْ
أردُّ العالمَ في لاحدِّهْ.
في أحشائكَ أعرفُ أوقنُ أنَّ الآتي
سِرُّ حياتي.
فيكَ أصوِّرُ أبدعُ، أَعْلى آثاري
أوضحُ أَعْتَمَ أسراري،
فيكَ أنشّئُ، فيكَ أُحَقِّقُ أنّ اللهَ
لا يتناهى.

-4-
حِقْواكِ مرافئُ، والنّهدانِ تخومٌ سُمرٌ فوق البصرِ
منحوتانِ بلفحِ الشَّرَرِ،
وعلى السُّرّةِ، كلُّ حدودِ الشّهوةِ
كلُّ الشّهوةِ فِترُ
أكثرُ من أرقام الفكرِ
وأصغرُ وأضيقُ منها الفكرُ.
هذا الجسدُ
فيه يحيا الميتُ
والثّورة تحيا والرّفضُ
ويقول الأبكمُ: غَنّيتُ
وله ينمو، ينمو العدَدُ
وتدورُ الأرضُ .
نامي، زندي وُلِدَ الآنَ،
وقلبي مثل الطفلِ يصيحُ
نامي تتلقَّفْكِ الرّيحُ
تعصفُ، تهدأُ، تأتي تمضي
مثلَ الومضِ.
نامي في أحشائي نارٌ فيها وَخْزُ
أنتِ وجودي أنتِ الرّمزُ.
يا كلَّ حياتي يا إيذاناً
بوجودي أن يتعمّقَ غَيْبَهْ
يا شمساً تخنقُ تحرقُ ريبَهْ
يا مجهولي، نامي، آنَ مسيري نحو اللهِ
الضائعِ، آنَ وصولي.




الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: