الوقت - أدونيس | القصيدة.كوم

شاعر وناقد ومفكر ومترجم سوري لبناني، قاد الثورة الحداثوية في النصف الثاني من القرن العشرين، مما ترك أثرا كبيرا على الشعر العربي يشبه تأثير إليوت على الشعر الإنجليزي. حائز على جائزة العويس الثقافية دورة 2002-2003 في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي. (1930-)


1697 | 5 | 0 | 2



إلقاء: أدونيس


حاضِناً سُنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
ما الدّمُ الضّاربُ في الرّملِ، وما هذا الأفولُ؟
قُلْ لَنا، يا لَهَبَ الحاضِرِ، ماذا سنقولُ؟
مِزَقُ التّاريخِ في حُنجرتي
وعلى وجهي أماراتُ الضّحيّةْ
ما أَمَرَّ اللّغةَ الآنَ، وما أضيقَ بابَ الأبجديّةْ.
...
حاضِناً سُنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
أصديقٌ صار جلّاداً؟
أجارٌ قالَ: ما أبطأ هولاكو؟
من الطارق؟ جابٍ. أعطِهِ الجزية.
أشكالُ رجالٍ ونساءٍ، صورٌ تمشي
أَشَرْنا وتساررنا
خُطانا خيطُ قتلٍ
أترى قتلُكَ من رَبِّكَ آتٍ؟
أم ترى رَبُّكَ من قتلِكَ آتٍ؟
ضيعَّته الأحجيةْ
فانحنى قوساً من الرعبِ على أيامه المنحنيةْ
...
لي أخٌ ضاعَ، أبٌ جُنَّ، وأطفاليَ ماتوا
من أرجّي؟
هل أضمُّ البابَ؟
هل أشكو إلى سجّادةٍ؟
داخَ، هاتِ الحُقَّ، وامنحه الشفاهَ
من عطوس الفقهاء
جُثَثٌ يقرؤُها القاتِلُ كالطُّرْفَةِ / أَهْراءُ عِظامٍ،
رأسُ طفلٍ هذه الكتلة، أم قطعةُ فحمٍ؟
جسَدٌ هذا الذي أشهدُ أم هيكلُ طينٍ؟
أَنحني، أرتُقُ عينين، وأَرفو خاصِرة
ربّما يُسعفُني الظنُّ ويَهديني ضياءُ الذّاكرة
غيرَ أنّي -عبثًا- أَستقرِىءُ الخيطَ النَّحيلْ
عبثًا أجمعُ رأسًا وذراعينِ وساقين، لكيْ
أكتشفَ الشّخصَ القتيلْ
...
لمن النملةُ تعطي درسها؟
ولمَ الدهشةُ؟
شِعرٌ، مزج هذا الشررِ الفاجع بالعين
انخطافٌ أن ترى بيتَكَ مرفوعاً إلى الله شظايا
صرختْ بومةُ عرّافٍ على مئذنة
نسجَتْ من صوتِها قوسَ قُزَحْ
وبكت مخنوقةً حتى الفرحْ

حاضِناً سُنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
كَشَفَ البهلولُ عن أسرارِهِ
أنَّ هذا الزّمَنَ الثّائرَ دُكّانُ حِلّيٍ،
أنّه مُسْتَنْقَعٌ من أنبياءْ
كَشَفَ البهلولُ عن أسرارِهِ
سيكونُ الصِّدقُ موتاً
ويكون الموتُ خُبزَ الشّعراءْ
والذي سُمّي أو صارَ الوطَنْ
ليس إلاّ زمنًا يطفو على وجهِ الزَّمَنْ.
كَشَفَ البهلولُ عن أسرارِهِ
أين مفتاحُكِ يا أُبَّهَةَ الطوفان
لطفاً أغرقيني وخذي آَخِرَ شطآني
خذيني، سَحَرتني لجةٌ لاهبةٌ
سَحَرتني قشّةٌ تحترقُ
سحرتني طرقٌ تجفلُ منها الطرقُ

حاضِناً سُنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
نَسِيَتْ نفسيَ أشياءَ هواها
نَسِيَتْ ميراثَها المكنونَ في بيتِ الصُّوَرْ
لم تَعُدْ تذكرُ ما تلفظُهُ الأمطار
ما يكتبُهُ حبرُ الشَّجَرْ
لم تعدْ ترسمُ إلا نورساً
يقذفه الموج إلى حبل سفينةْ
لم تعدْ تسمعُ إلا معدناً يصرخ: ها صدر المدينةْ
قمرٌ ينشقُّ مربوطاً إلى سُرَّةِ غولٍ من شرَرْ
لم تعدْ تعرفُ أنَّ اللهَ والشاعرَ طفلانِ
ينامان على خدِّ الحَجَرْ







الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)