وصيّة الصوفي - إبراهيم توري | القصيدة.كوم

شاعر سنغالي مقيم في المغرب (1996-)


437 | 0 | 0 | 0




رملٌ من الكلمات بحر مشاعرِ
صوفيّ هذا الغار ليس بشاعرِ

أوحى إليه الله سر تقلبي سحَرًا
أفتّش عن رماد صاغرِ

أمشي أتيه.. أرى السّراب فألتوي
طفلا لهاجَرَ لوحةً للسّامرِي

ويضيق بي وجه النسيم وهدأة الأزهار..
ضيقَ الغانيات بناظرِ

ألفيته في الغار عند ركوعه
قدسيّةَ العبرات.. ملْمحَ ذاكرِ

في غفْوةٍ لهي الحياةُ
ويقظة للعارفين..
تحجّبتْ بستائرِ
هو في المكان وفي الزمان
وروحه اللّامُنْتَهى
والقلبُ دفئ مشاعرِ

ناموسه نحو السماء..
ملابس درْوِيشُها فانوس برْقٍ آسرِ

هو حين يسجد خارق بوّابةَ الهِسْتيرِيا
والشمس بنتُ دَياجرِ

يصْبو إلى الإكْسيرِ
يحْسو منه في التّابوتِ
يندح بالصليب الطاهرِ

كالسّنْديان شموخُه..
وإذا الإرادةُ لوّحتْ فالصخر ريشة طائرِ

لمّا تمطّى في أريكة ذكره
أومأْتُ بالخَفَقَانِ.. ويحَ مسامرِي
أيزوره حيث المرايا خِيفةٌ..
شِبْحٌ من اللّاشيْءِ، نبْأةُ فاجرِ

أيزوره.. -والوحيُ ناءَ بسحره-
برقٌ ترمّل بالغمام الساخرِ

سيعجُّ بالنَّبَضَاتِ شَوْكَةَ ثائرٍ
سيئِفُّ مَخْنوقًا بظلّ حوافرِي

-قلْتُ: السَّلامُ عليكَـ..
همْسةُ زائرٍ
-قال: التَّبابُ عليكَـ..
ويْلكَ زائرِي

ما لي أراكَ مخضَّبًا بطلاسم..
رثَّ الثِّيابِ مُشَعَّثًا كالْعَامرِي

أتزورُ صوفيّا تطيَّر بالورى
ويضيقُ ذرْعًا بالملاكِ السَّافرِ
أم أنت ناسخُ "دحْيةٍ"..
وأتيت مبعوثًا من القدُّوسِ دون مَرائرِ

-ماذا عساكَـ تكون يا هذا الفتى؟
-أنا سائحٌ.. والهَيْفُ فرّقَ ضامِرِي

أنا غارقٌ والبحرُ (يا أرضُ ابْلَعِي)
أنا عاشقٌ والقلبُ رِعْدَةُ جاسرِ

لي في الحنين الصُّلْبُ
لي سَمَّاعَتي..
والأُغْنياتُ تموج دون بواخري

أمّي تهدْهدُني بسُؤْرة "أشْعبٍ"
وتبيتُ صوْمًا..
والحليبُ لِعابرٍ

وأبي ترجّل.. منذ رجْفة خافِقي
للمرة الأولى وغمْغمَ سائرِي
أنا أيها الصوفيُّ سُمْعة وردةٍ
رغم البداوة.. رغم جيفَةِ ظاهرِي

أنا لوْحة الرسّام.. لوني شاحبٌ
وأنا اليتيمُ.. فلا أظنُّكَـ قاهرِي

لي أن أصيد الحب مأوًى دافئًا
صَدَفًا سماويًّا بحجْمِ دوائرِي

ما كان هذا الغار من شُبّاكَتي
قدَرُ الشريدِ.. صدى أنين مغامرِ

الغار منفى
والبلاد متاهةٌ
فإذا نهرْتَ قسوْتَ يا ابن الطَّامرِ

فبكى...
بكى الصوفيُّ دمعةَ محسنٍ
والدمع أبلغ ما يكون كشاعرِ
أبصرتُه متملْمِلًا في حسرةٍ
هي حُرْقةٌ رمَقٌ وداعةُ كابرِ

"يا أيُّها.." فتصاعدتْ أنفاسُه
-يا أيُّها الطفل الشريد.. مَعاذرِي

لي في محيّاك الحنين فجيعةٌ
لي في فؤادك ألفُ ألفِ خواطرِ

مرْحى.. ففي الغار الكفيل نبيَّةٌ
الله أرسلها لصدّ مخاطرِ

لك في جنابِ حنانها "حوّاءُ"
لي فردوس "آدمَ"..
هل أراكَـ مُغادري؟!

-لا لا.. بلى.. لكنْ..
-هلُمَّ فإنّني في السكرة الأولى
وأنت أواخرِي
أنا ذاهبٌ -والدّمعُ...-
أنت خليفتي في الغار يا ابني
أنت إرثُ مفاخرِي

الغار لا يقوى على محرابه الخالي بُنَيَّ
فكنْ له يدَ جابرِ

مَوِّلْ صداه المرَّ
واصغ إلى وجومه سحَرًا
يرحّبُ بالهديل الساحرِ

ولْتبْكِ.. حين تراه مرآة لبؤس البائسين
مدوَّخًا بمآزرِ

هو حين يقسو صحوة النوسْتالجِيا
للغار أن يقسو وليس بجائرِ

للغار أن يحنو عليك
وإنه أم اليتامى مخْدَعُ المتثابرِ
رتّلْ عليه الحب
صلّ بربعه متوضِّأً بالقلب ركعة صابرِ

قفْ ها هنا
واعزف كمنْجةَ راهب في ديره
عطّر دخان سجائرِي

للغار حق الورد من أكْمامه
حقُّ الفصول إلى ربيع زاهرِ

ثم انْمحى الصوفيُّ
ثمّة رجفة الأرَضينَ حزنا بالوليِّ الدابرِ

بكت السماء وأنَّتِ الغبْراءُ
صام عن الشروق الشمسُ
هُيِّجَ وافرِي

صخَبُ الرحيل..
دويُّه يسبي الفؤاد ويستعيد أواصرِي

لله هذا اليوم
هذا الليل
هذا الغار
هذي السارقات مشاعرِي

الدهر أعمى
واليتيم لوحده في الغار
يلهث بالخراب العامرِ

هو في الطلال وقلبه للراحلين
التاركين الأرض دون محاسرِ

الصاعدين إلى السماء
بُراقهم..
أمل الوصول إلى جناب القادرِ

الواكفين الثلج..
حين ارتد نصف مظلّتي أملا بغيم ماطرِ
الساهرين مع الشتاء
ومعطفي وقف لأرملة الشهيد الخاسرِ

السائلين الذئب قمْصان الألى
ذهبوا دمًا كذِبًا بدون مآثرِ

سأعيش للصوفيّ..
لن أستوْحش الغار الكفيل
ولن أخون دفاترِي

سأخلّد الذكرى..
سأمكث هاهنا دهرا أحرّر في الهزيع الآخرِ

وسيقرأ العشّاق أن نبيّهم
طفل تصوّف في الزمان الغابرِ




الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)