إيمان - محمد الجابري | القصيدة.كوم

شاعر أو صانع فاكهة مصري (1987-)


330 | 0 | 0 | 0




لُقيَاكِ في ليلِ الشِّتاءِ
قصيدةٌ،
فِنْجانُ بُنٍّ راقصٌ في الذِّهنْ.
أنا مِنْ بقايا الرِّيفِ جئتُكِ يا غريبةُ
خائفًا كالعُشبْ.
كلُفافةِ التَّبغْ الوحيدةِ في ليالي الهمِّ
يمضُغني الأرقْ.
- قُلْ لي عَنِ اسْمِكَ يا الغريبُ؟
- إنَّ الأسامي فارغاتٌ في لقاءٍ عابرٍ.
- الوَجهُ فيكَ يَمُرُّ في العُمْرِ الطَّويلِ،
فكمْ جمعْتَ مِنَ السِّنين؟
- أنا لا أُحِبُّ تلاعبَ الأرقامِ بي،
أنا في القصيدةِ قدْ وُلِدْتُ
وسَوْفَ أحْيا للمَمَاتِ على الحُروف.
والشِّعْرُ قالَ بأنَّ عُمْرَ المَرْءِ
يُحْسَبُ بالتَّجاربْ.
**
- دَعْني أراكْ.
- لا تدْخُليني.
- دَعْني أراكْ.
- لا تدْخُليني فالجوانِحُ مُرْهَقاتٌ
والتجارِبُ مُرْهِقات.
كُوني بعُمْري وَمْضَةً.
- أيُّ البلادِ رَمتْكَ في روحي
شريدَ الخُطوةِ السَّكْرى؟
- أنا مِن بلادٍ تكْرهُ الشَّعْرَ الطَّويلَ إذا تنفَّس.
أنا مِنْ بيوتٍ تلعنُ الصَّوْتَ الجميلَ
إذا تراقصَ في الشوارعِ ضاحكًا حَـدَّ البُكاء.
أنا مِنْ حُقولٍ كمْ سَمِعْتُ صُراخَها
عِندَ ارتِواءِ الطِّينِ بالإسمنت.
إنِّي رأيتُ على السَّواقي ذُلَّها
وسَمِعْتُ في الطِّينِ المريضِ أنينَ حبَّاتِ العَرَقْ.
وكَبُرْتُ أعْلمُ أنَّ جسْمَ البنتِ
وادٍ في جَهنَّمْ.
قالوا قديمًا:
«احفظْ عُيونَكَ يا فتى،
اللهُ فوقَ العَرْشِ يُوقِدُ نارهُ للمُذنبين»
ومِنَ المساءِ إلى الخفاءِ
رأيتُهمْ -كالشَّمسِ- عَمْدًا ينظرونْ.
اللهُ يا اللهُ إنِّي بارتعاشِ بصيرتي أشقى.
هل تعْرفينَ الله؟
- لا دينَ لي
واللهُ مِنْ صُنعِ العبيدِ خُرافةٌ.
ماذا ترى في المُلحدين؟
- المُلحِدونَ مُغامرونَ على الطَّريقِ إلى الحقيقةِ
والحقيقةُ مثلُ أنثى
تسْتحمُّ بشارعٍ يَكتظُّ بالعُميان.
- حسنًا، يقولونَ النِّساءُ يَصُغنَ مُرَّ العُمْرِ
شهْدًا، كيفَ حالُكَ في النِّساء؟
- أنا يا غريبةُ مُتعَبٌ حدَّ الذي لا حدَّ فيهْ.
مُتداخلٌ كالصُّوفِ عُمري
والنِّساءُ يَطأْنَ قلبي كي يرينَ
عيوبَهنَّ مَدِيحَ شِعْرٍ واشتهاء.
**
(دَمْعُ الغريبةِ واقفٌ بالبابِ تحْرُسهُ الجُـفون.
رَشَفتْ أواخرَ كوبِها
قتلتْ بدمعٍ ناضجٍ سيجارةَ النَّعناعِ واقتربتْ)
أنا يا الغريبُ رأيْتُ فيكَ مَرَارتي،
هيَّا أُريحُكَ مِنْ عنائكَ
سوفَ تُدرِكُ في ضُلوعي ما الأمان.
دَعْني أقودُكَ
سوف يرتاحُ الشَّقاءُ بجلدِكَ الخشِنِ الشَّهيْ.
- لا يا غريبةُ ألفُ لا، أنا والنِّساءُ مُصيبةٌ
ما عاد يُنهيها فِراشٌ
والتقاء اللَّيلِ أرخصُ مِنْ نِعالِ أميرتي إيمان.
إيمانُ يا حَرْبَ البراءةِ في دمي إني تَعِبْت..
- ما شكلُ إيمانَ التي تبكي إليها يا الغريب؟
- إيمانُ آخرُ ما تبقَّى في جُيوبِ
الأنبياءِ مِنَ الوَصَايا.
إيمانُ مثلُ كنيسةٍ يكسو مداخلَها الحمامُ.
إيمانُ تشبهُ مسجدًا في الفجرِ
تغسلهُ السَّكينةُ والسَّلام.
هي لوْحَةٌ رَسَمَ الإلهُ إطارَها في الجنَّة.
- ما طَعْمُها؟
تلكَ التي عجزَ التَّصوُّرُ في خيالي عَنْ قراءةِ وجهها.
تبًّا لسُؤلكِ يا غريبةْ.
إيمانُ أطهرُ مِنْ سُجودي،
وهي اغتسالُ القلبِ مِنْ دَنَسِ الذُّنوبْ.
وهي انبعاثُ الشَّمسِ مِنْ بَعْدِ الغروبْ.
بَلْ إنَّها
ذاكَ الطَّريقُ إلى الحِجازِ مُغلَّـفًا بالذِّكْرْ.
إيمانُ تغزلُ فجْرَها بالتَّمتماتِ
لكي أعودَ بخاتمَينْ.
كلُّ المُرَادِ لقلبِها عُشٌّ أؤمُّ صلاتها فيهِ
وطفلٌ يعتلينا ضاحكًا.
كانتْ تقولُ بدمعِها:
«كُنْ يا حبيبي طيِّبًا وكفاكَ شِعْرًا،
فالشِّعْرُ يَقذفُ وجهَ عُمْرِكَ للبعيد.
وأنا القريبةُ يا حبيبُ
أنا القريبةُ
عُدْ إلينا دافئًا
فاللَّيلُ بَرْدٌ والنِّساءُ يَنلنَ دفئكَ يا لعينْ»
**
أنا يا غريبةُ في الصَّقيعِ مُعَذَّبٌ،
وقتُ المسافةِ لا يَميلُ لقِبْلَةٍ،
والخُطوةُ العَرْجاءُ تَرْكُضُ للجنونْ.
وكَمِ امْتلأتُ بحاجتي
للَّثمِ مِنْ شَفةِ الرَّصيفْ.
إني أموتُ بكلِّ حَرْفٍ في القصيدةِ
والحياةُ بغيرِ مَوْتٍ لا تَليقُ بشاعرِ.
***





من ديوان #العابرون_إلى_التجلّي


الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)