شاعر وناقد ومفكر ومترجم سوري لبناني، قاد الثورة الحداثوية في النصف الثاني من القرن العشرين، مما ترك أثرا كبيرا على الشعر العربي يشبه تأثير إليوت على الشعر الإنجليزي. حائز على جائزة العويس الثقافية دورة 2002-2003 في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي. (1930-)
1426 |
0 |
2 |
5
0 تقييم
إحصائيات تقييم قصيدة "موسيقى -1" لـ "أدونيس"
عدد التقييمات: |
معدل التقييم: 0
5 star
0
4 star
0
3 star
0
2 star
0
1 star
0
لتقييم وتفضيل ومشاركة جميع قصائد وترجمات الموقع، يتوجب تسجيل الدخول. عملية إنشاء حساب جديد أو تسجيل الدخول لا تستغرق من وقتك دقيقة واحدة، وتتيح لك العديد من المزايا
قيم قصيدة "موسيقى -1" لـ "أدونيس"
موسيقى -1 2
مشاركة القصيدة
-1-
خَرَجَ الوردُ منْ حوضِه
لملاقاتها،
كانتِ الشمسُ عُريانةً
في الخريفِ، سِوَى خَيْطِ غيمٍ على خَصْرِها.
هكذا يُولَدُ الحبُّ
في القريةِ التي جئتُ مِنْها.
-2-
- فَمُكِ الضوءُ لا حمرةٌ
تليقُ بآفاقهِ.
فَمُكِ الضوءُ والظلُّ
في وردةٍ.
-3-
باسمِها،
لا أريدُ البقاءَ لوجهِ البقاءْ.
أتنوّرُ نفسي
وأسلسلُ وقتي
بين أحضانِها.
وأغنّي لنا وأغنّي لها.
باسمِها،
يا صديقَ انخطافيَ، يا جسمَها المنوَّرَ، علّمْنيَ الغناءْ.
-4-
نهضتُ أسألُ عَنكِ الفجرَ: هَل نَهضَتْ؟
رأيتُ وجهَكِ حولَ البيتِ مرتَسِماً
في كلِّ غصْنٍ. رميْتُ الفجرَ عن كَتِفي:
جاءَتْ
أمِ الحلمُ أغواني؟ سألتُ ندىً
على الغصونِ، سألتُ الشمسَ هَلْ قَرأَتْ
خُطاكِ؟ أينَ لمستِ البابَ؟
كيفَ مَشى
الى جوارِكِ وردُ البيتِ والشجرُ؟
-5-
كان ذلكَ في الصيفِ. قلتِ:
"الفراشةُ" لم تُكملي، واستدرتِ
إليّ. مشينا
والطريقُ تجرُّ النوافذَ.
والبيتُ يخرجُ من طينِهِ،
ويجوبُ الحقولَ. التقينا
ما يُشيرُ لأسرارِها. همسنا:
"هذه لغةٌ في السماء التي تتنزّلُ
من غيبها نَفرَتيتي"، وقلنا:
"ما أحبَّ إلى اللغة الغسقيّةِ في صيفِنا،
شهرزاداً".
(شهرزادٌ
لا تغنّي لغير الجراح التي تتزاحمُ في صدرِها
هكذا تتسلّى بنردِ ملذّاتِها).
كان ذلك في الصيف، حينَ افترقنا.
-6-
أتخيّلُ حبّي:
يتنفّسُ من رئة الشيء
يأتي إلى
الشعر في
وردةٍ أو غُبارْ،
يتهامسُ مع كلّ شيءٍ
ويهمس للكون أحوالهُ
مثلما تفعل الريحُ والشمسُ،
حين تشقّان صَدرَ الطبيعةِ،
أو تسكبانِ على دفترِ الأرضِ،
حبرَ النهارْ.
-7-
صامتٌ ليلُنا.
مِنْ هُنا زهرٌ ينحني
مِـنْ هنـالك ما يُشبـه التَّلَعثُمَ.
لا رَجَّةٌ. لا افتِتانْ.
ليلُنا يتنهّد في رئتَيْنا
والنوافذ تُطبِق أهدابَها.
نحن صِنوانِ في الجرحِ، مفتاحُ أيّامِنا
ومفتاحُ أفراحِنا وأَحزانِنا،
جَسدانا.
-9-
كلّ يومٍ نجيءُ إلى جسدينا، -
نقلّبُ أيّامَنا
في كتابيهما.
ثمرٌ واحدٌ
غير أنَّ القطافَ بلادٌ
لا تخومٌ لها.
-10-
نسيتْنا يدُ الليلِ:
لم تقرعِ البابَ،
لم تفتحِ البابَ. كان الظلامْ
يستثيرُ الضياءَ الذي يتكتّمُ فينا
ويرجُّ مناراتِهِ.
كان يجتاحنا ويوغلُ فينا ويعلّمُ أحشاءنا
كلَّ ما لا يراه الضياءُ، ويعجزُ عنهُ الكلامْ.
-11-
عندما نتلاقى / أينما جمعتنا خُطانا / في المدائنِ أو في الحقول / دعِ الصمتَ / يدخلْ إلى جرحِهِ – تكلَّمْ.
أتريدُ لحبّي وجهاً يضيءُ الفضاءَ؟ إذاً،
خلِّ عينيكَ بيتاً لوجهيَ. خُذني – تكلَّمْ.
لا أُحسُّ بإيقاعِ جسمي بين يديكَ وعينيكَ،
إن أنتَ لم تتكلَّمْ.
-12-
ما أكرمَ الصحوَ – أعطى غيمَنا يَدَهُ
تلويحةً للقاء العاشقِ المطرِ.
صحوٌ كما يتهجّى النبعُ سيرَتَهُ
يسيرُ من زَهَرٍ باكٍ إلى زَهَرِ.
-13-
فَكَّتِ الأرضُ أَزرارَها، وسارَتْ
حُرَّةً في خُطانَا،
عندما سألَتْنا وقلنا:
نعرف الحبَّ يا أرضَنا. جَبَلْنا
طينَنا مِن هَباءِ مسافاتِهِ، وجَبَلْنا
فتنةَ القمر المتشرّدِ في طَمْثهِ بأوجاعِنا، ورسَمْنا
كُلَّ ما لا يُرى مِن تقاطيعهِ،
بتقاطيعِنا.
هي ذي أرضُنا، -
نتوقّعُ أن يعشقَ الحبُّ أسماءَه
كيفما دُوِّنَتْ
في دفاتر أيّامِها.
-20-
أحتفي تحتفين هنا الآنَ، فوقَ الفراشِ، بماءٍ
يتحدّرُ من جسدينا.
أهناك احتفاءٌ أيّهذا الإلهُ
الذي تتعتّقُ أعضاؤهُ
في عروقِ المحبّين،
أبهى وأعلى؟
-21-
كلَّ يومٍ،
بين وجهي ومرآتِهِ حوارٌ
لا لكي أقرأَ الحبَّ: ما شأنُهُ الآنَ؟
أو أقرأَ التغيّرَ في قسماتيَ،
أو خِفّةَ الموت في ناظريَّ، ولكن
كي أُعلِّمَ حُبّي
أن يسائلَ مرآةَ وجهي: لماذا
لا أُحسُّ بليل الوجودِ، بكُنهِ مجاهيلهِ، وكُنهي،
لا أُحسُّ بذاتيَ إلّا
عندما أتأمّلُ وجهي؟
-22-
هبطتْ نجمةٌ. تمشّت
خِلسةً في الزقاقِ المؤدّي إلى بيتنا، وأعطتْ
قدَميها إلى عاشقٍ، وأعطتْ
ليدَيْ نخلةٍ شَعرها.
عجباً!
لم يكنْ أحدٌ، في الطريقِ إلى بيتِنا،
يقتفي خَطوَها.
-23-
ها هو الحبُّ سهرانُ،
والليلُ، كالفجرِ،
يمضي إلى كهفِهِ.
والمحبّونَ يَرمونَ أسماءَهم
في محابرَ لا يعرفُ الحبرُ فيها سوى موتِهم.
نجمةٌ تتنزّهُ فوق القبور
التي لن يُشارِكَ حتّى فمُ الريحِ
في ذِكرِ أسمائها،
عانقَتْني وغابتْ.
-24-
علَّمتني مراراتُ أيّاميَ الرائية:
ليس للحبّ إلاَّ طريقٌ عموديةٌ
لا تُسمَّى،
وإن قيل عنها
لغةٌ في الهبوط الى آخر الليل،
في ناره العالية.
-25-
يتذكّرُ: جَديٌ
حاملٌ بين قرنيه شمسَ الصباحِ،
يروح ويأتي،
لا يرى من يشير إليه –
لا قطيعاً ولا راعياً،
يجيء إلى حضنها.
-26-
عرفَتْ كيف تجتاحُنا
في مضيق جراحاتنا، في برازخ شهوتها الهاذية،
عرفَتْ كيف تطغى، تُهيِّئُ أعضاءنا
للوقوف على بابها
للدخول إلى خِدرها
للتفجّرِ فيها –
سمّها يا سريري
سفينةَ أهوائنا العالية.
-27-
قمرٌ – ما أحنَّ القمرْ
عندما كان يأتي ويأخذ من حوضها ماءَهُ،
ويُوَدِّعُها آفلاً،
ما أحنَّ السريرَ، الفراشَ، الغطاء
حين كانت
تتشابك أعضاؤنا
في عناقٍ طويل، ونرجو ملاكَ السهر
أن يسيرَ على جسرهِ،
ويُبْطِئَ في سيرهِ.
ما أحنّ الكواكب – كانت تُغنّي
كلما ضمّنا المساء
وتَلبَّسَ أحوالَنا.
-28-
كلٌّ ما كتب الليلُ عنا ويكتبُ،
ينشقُّ كالفجرِ حول الوسادة، ما بين نهديكِ،
ما تحت نهديك،
في وَردِ أغطيةٍ تتخاصمُ فينا.
كم قرأنا – رأينا
في الكتابةِ أهوالَنا، وكنتُ أسمّيكِ...
"ما زلتُ أجهلُ من أنتِ؟"،
كنتِ تقولين،
والليل يطمسُ ما يكتبُ الفجرُ عنّا،
فماذا أُسمّيكِ؟ من أنتِ، من كنتِ في ليل حبّي؟
-29-
"أنتِ أبهى بَخورٍ"، أصدّقُ، لكن
ما الذي يحدثُ الآن، جمرٌ
يتوقّدُ فيكِ: احتراقٌ ولا عطرَ.
يا عطرُ، معجمُ نيراننا
يتمزّقُ طيناً وماءً،
ويرحلُ ذكرى
للبخور: الرحيل
توأمُ الحبِّ – هذا المهيمنِ، هذا الإلهِ القتيل
-30-
كلُّ هذي الهمومِ التي تتوهجُّ في قبّة الجنس –
نوغِلُ فيها
ونقلِّب أحوالنا
بين أحضانَها.
"ليس ما بيننا قصةً،
ليس تُفَّاحَ إنسٍ وجِنٍّ
أو دليلاً إلى موسمٍ،
أو مكان
ليس شيئاً يؤرَّخُ": هذا
ما تقول تصاريفُ أحشائنا.
كيف لي أن أقولَ، إذاً، حبُّنا
أخذته إليها تجاعيدُ هذا الزمان؟
-32-
تركتِ في جسدي ورداً، تركتِ ندىً
تركـتِ غـابـةَ ألوانٍ، تُـراهُ غدي
يُضيئها؟ أم ترى أمسي يُضيِّعها؟
أفي عروقيَ وردٌ آخرٌ؟ شهقتْ
إلى ترابكِ أعضائي - نمازجه
نفيضُ فيه، ونستقصي، ونبتكرُ
دمٌ هَوىً لهبٌ ماءٌ مدىً - أبدٌ
لا بالحياة ولا بالموت يُختَصَرُ.
-33-
كنتُ أوغلُ في نهر الحبِّ،
واليوم أمشي على مائهِ.
ما الذي يتغيّرُ إن كسرَ الحبُّ قيثارَهُ
ومشى حافياً
فوق أشلائه؟
من أسائل:
فجرَ الغوايات أم ليلَها؟
-34-
- هل أقولُ لظلّي:
لا تصافحْ كتاباً،
لا تسلِّمْ على وردةٍ –
(الكتابُ شَرارٌ والورودُ نجيعٌ)
حاضرٌ
وَأَدَتهُ الجراحُ، غدٌ بائرُ.
- اتقِّ الشمس،
اشرح لها صدرَكَ الآن،
يا أيّها الشاعرُ.
-35-
"كلُّ حبٍّ شقيٌّ" –
أو كما قال بعضُ مجانينهِ:
"السعادةُ في الحبِّ وهمٌ".
لا أحبُّ لآخذَ شيئاً –
ليس حبّي قناعاً ولا رايةً.
مثلما يتدفّقُ نبعٌ
مثلما تشرقُ الشمسُ،
أحببتُ: فيضٌ، ولا غايةٌ.
ليس حبّيَ وهماً،
ليس حبّي شقاءً.
-36-
عندما ختمَ العشقُ فينا رسائلَ تَرْحاله، وتلاشى
صخبٌ لا سميٌّ له، لا شبيهٌ
في كتاب الصخب،
حشد الحبُّ أيامَنا وأعمالنا
كي تُصلّيَ – صَلَّتْ
في خشوعٍ وسُكرٍ
لإلهِ التعبْ.
-37-
ربّما،
ليس في الأرض حبٌّ
غيرُ هذا الذي نتخيّلُ أنّا
سنحظى بهِ، ذات يومٍ.
لا تَقِفْ
تابع الرقصَ يا أيُّها الحبُّ، يا أيّها الشِعر،
حتّى ولو كان موتاً.
-38-
يبدو أنَّ الصخرةَ، صخرةَ حبّي تاهت / في صحراءِ عروقي / هل أسألُ : من يتدحرجُ فيها أو من يصعدُ؟ لكن ما سأكونُ / وما ستكونُ الساعةُ حين يجيءُ الحبُّ إليَّ قتيلاً / في شكلِ مَهاةٍ ضاقت حتى الصحراء عليها؟
أشهدُ أنّي
أحتاجُ لعُمرٍ آخرَ / حتى أعرفَ كيف أكونُ جديراً بالحبِّ / وكيف أُحدِّثُ عنه / عشتارَ وأنقل بوحي / لشقائقَ حُمرٍ سودٍ لا تنمو إلا في هيكلها.
أشهدُ أنّي
أحتاجُ لحبٍّ مثل البحر لأغسلَ فقريَ هذا فيه.
أشهدُ أنّي
بعثرتُ حياتي في كلِّ مهبٍّ / كي أُمضيَ ما يتبقّى منها / في ظلمة هذا الفقر / وحيداً.
الآراء (0)
نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)