كجذور الغمامة في النّبع - أسامة تاج السر | القصيدة.كوم

شاعر وناقد وأستاذ جامعي سوداني (1980-)


568 | 0 | 0 | 1




تقولُ العصافير للنّهر:
ـ وهي تُنمنِمُ جُلبابَها من عبيرِ الحقولِ، مُداعبةً موجَهُ ـ
نلتقي بعد وجدْ

يصبحُ النّهرُ مرآةَ والهةٍ
لا يُغبِّرُها البُعدُ
يُسرجُه الشوقُ جزرًا ومدْ

يُغني لها مقطعين من القمحِ،
يبذرُ أشواقه في الخوافي،
وألحانه في قرار الأبَدْ

العصافيُر عاشقةُ النهرِ
والنَّهرُ مرآةُ والهةٍ ذاتِ وعدْ

عانقتني العصافير
وهي تهاجر في جزرها المَوسِميِّ
مخبِّئةً من شذا الأرض بعضَ العبقْ

قال لي النّهرُ مبتسمآ
وهو يفتح مرآة للنجوم
ويسكُبُها في شبقْ:

إنّ أقصى البدايةِ أقصى النهايةِ
فاهبِط
صعودآ
إلى حيثُ تنفلتُ الروحُ حدّ الرّهقْ

فالطريق الذي بينَ بينٍ
يؤدي إلى خارج النّصِّ
مثلَ زِحافينِ
لا ينبغي أن يكونا معآ في نسق


قلتُ:
لستُ من النملِ
كي أستقلَ إلى البيتِ ذات الطريق
صباحَ مساءْ

لستُ فأرآ
لأفتح في الأرض نافذتينِ
تكون التي أسفل البيت دومآ
طريقَ النجاءْ

لستُ طيرآ
لأعبرَ خارطتي بغتةً
بيد أني سأمضي
ولا شيءَ يسلُبُني عزةَ الكبرياءْ

قال لي العُشبُ
ـ وهو يُسوِّرُ عينيه بالشوكِ،
خوفَ الخُطى المُهملاتِ بقارعة الدربِ
في نعلها جذوة من سقرْ:

إنّ بالصبرِ
تلبسُ زينتَها الأرض عند مجيء الخريفِ
فيمتدُّ ظلّ الشجرْ

إنّ أعلى الفروع مدًى
لَـلتي جذرها موغلٌ في الترابِ
فكُن مثلَـها في السفرْ

قلتُ بل أشتهي أن أكون على رأسها غيمةً
لا جذور لها أو قيودْ

كي أعود إلى النهر
أنى دعتني الصباباتُ
في حُلةٍ مُنتقاةٍ
تليقُ بعشقٍ فريدْ

لستُ ظلآ لفرعٍ
لأبقى بخارطة الفرعِ
فيما له من حدودْ

غنت الأرضُ لي
والمصيفُ يجردُ أثوابَها
زهرةً
زهرةً
وهو يلعقُ بشرتها في مجونْ

ويعفرها في الأتونْ:

في غدٍ
يزهرُ الصيف أنشودتين
تغنِّيهما الريحُ
تغتالُ جيش السكونْ

كُن كأجراسها
حين توغل في حُلمك المستطابِ الظنونْ

فالطريقُ المخوفُ الخطى
تطفيء الضوءُ أنفاسه في العيونْ

قلتُ للريح شِرعتُها
فلتقل ما تشاءْ

لي من الريح أحلامُها
ومن النبع قنديلُ ماءْ

فالطريق الذي أشتهي
موغلٌ
كجذور الغمامةِ في النبعِ
لكنها لا تقيٌدُها في الفِناءْ

قد أعود إلى النهر يومآ
غمامآ يليقُ بأوردةِ النهرِ
أشدو له مقطعين من الوجدِ
مثل العصافير عند اللقاءْ





الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.