عن شَجَرِ الجميل - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


409 | 0 | 0 | 0



.
.
شَجَرُ الجميلِ ينامُ حتى الظُّهْرِ.../

يا شَجَرَ الجميلِ اسْتَيقِظِ الآنَ - الحياةُ
ضَنينةٌ بِهِباتِها المُثْلَى منَ
الأَفراحِ والوقتِ الشّحيحِ
أَلا اسْتَفِقْ منْ غَفْلَةِ
الحُلُمِ النّدِيِّ
وَزِدْ معارفَكَ القليلةَ حِكْمَةً تكفي
لتنجوَ مِنْ جفافِ القلبِ/
- أَنتَ وما عليكَ منَ الطُّيورِ _
ولا تكُنْ
شَجَرًا جَهوْلا
..
واصْنَعْ حياتَكَ باندفاعِ النّسْغِ ...
لا تبدو جميلًا دونَ معنًى يا صديقي ،
فالجمالُ بَداهةُ الأَشجارِ ،
والمعنى اقتِداحُكَ نارَكَ الخضراءَ منْ
شَجَنٍ سماويٍّ تَنزَّلَ
كي تُصعِّدَ فيهِ روحَكَ
أَو تُصوِّبَها .. ذُبُولا
..
مِنْ كَمْ مِنَ السّنَواتِ تَعلو .. لا لِشيءٍ
بَلْ لِوَفْرَةِ ما طَعِمْتَ ؟! /
الماءُ تحتَكَ ساكِنٌ في
ليلِ تُربَتِكَ العميقةِ والغنيّةِ ...
ثُمّ هذي الشّمسُ ساطِعةٌ
وتُلْهِبُ ظَهْرَكَ العالي بِسَوْطِ النّارِ ...
مَهْ يا صاحبي !
ما هكذا تُحيا الحياةُ ولو عُلُوًّا عاليًا !
ما هكذا يَعتاشُها الشّجَرُ الذي
أَرضَى لهُ – مِنْ مثْلِ ما أَرْضَى لِنَفْسي -
عَيْشَهُ .. شَجَرًا نَبيلا !
..
مَلِكٌ على ساقٍ صديقي ، لا يُبالي
- في رُعُونتِهِ وجُرأَةِ نفْسِهِ – أَنْ لا
يُبالي
فهْوَ يَلتَهِمُ الحياةَ بلا أَناةٍ ،
ثُمّ يُنْشِبُ في التّرابِ هُنا
مَخالبَهُ القويّةَ ...
ربّما نَبَتَتْ على أَغصانِهِ في اللّيلِ أَجنِحةُ
النُّسورِ ، فقالَ للأَشْجارِ :
لا مَلِكٌ سوايَ !
وراحَ يزدادُ اتّساعًا ..
راحَ يعلو ، فوقُ ، مُنتصِرًا على
الأندادِ حولَ حياتِهِ وَظلالِهِ ../
بَعضُ العُلوِّ تَعِلَّةٌ يا صاحبي
لِهوًى تكونُ بهِ عَلِيًّا .. أَو عَليلا !
..
يومًا فيَومًا أَنتَ تنمو في متاهةِ زينةٍ
عَمياءَ ، تُرخي مِنْ إِزارِ الظّلِّ تحتَكَ
ثُمّ تبدو مُطمَئنًّا واثقًا مثْلَ الملوكِ ...
بأيِّ شيءٍ صرتَ يا مَلِكَ الظّهيرةِ واثقًا
أوْ مُطمَئنًّا ؟!
إنّ هذي الرّيحَ لا عَينٌ لها لتنامَ عنْ
مَلِكٍ على ساقٍ !
فقُلْ لغصونِكَ العمياءِ : مِنْ زَهْوي
تعِبْتُ ،
أَلا فخِفّي يا لَكاعِ !
لَرُبّما ينجو الخفيفُ منَ الرّياحِ ..
لربّما ينجو الملوكُ
" فقطْ إذا .. قَلِقوا قليلا " !
..
مُتَعفِّرٌ بغُبارِهِ مَلِكي الكسُولُ !
بأيِّ حربٍ يا صديقي حُزْتَ هذا المجدَ ؟!
هلْ نَسِيَ المنامُ عَجاجَةً هبَطَتْ عليكَ بهِ
ولمْ يأْخُذْهُ حينَ مضى خفيفًا ؟!
ربّما نَسِيَ المنامُ عليكَ قمصانًا مُلوَّنةً
فصارتْ ، بَعْدُ ، أَلْسِنةً منَ اللّهَبِ المُصَفّى !
رُبّما انْدَلَعتْ حياتُكَ فجأَةً مثْلَ الحريقِ
ولمْ تَكُنْ شَرَرًا ولا بِزْرًا !
ولمْ تَأْنَسْ بشيءٍ في الحياةِ سِوى بنفْسِكَ …
هكذا اتّخذَ الجميلُ
جَمالَهُ فيها .. خليلا !
..
مَلِكٌ وطاووسٌ صديقي الفارِهُ الكسْلانُ
يَرمُقُني ويصمُتُ ...
لا يُصدِّقُ أَنّ في الدّنيا سِوى
هذا الّذي هوَ فيهِ منَ النّعيمِ !
فلا تُعكِّرْ يومَهُ الملَكيَّ بالذّكرى
فإنّ الإدّكارَ هوَ اختيارُكَ أَنتَ في
هذي المذاهبِ
وهْوَ إبنُ البِزْرَةِ الصّماءِ ، إبنُ وجودِهِ المطبوعِ
تَحكُمُهُ الطّبائعُ أنْ يعيشَ على طريقتِهِ
فلا تُرهِقْهُ بالعِلَلِ المُريبةِ ، وانتَفِعْ
بالمَنْظَر المُتَوهِّجِ الصّافي
ولا تَكُ في طَراوَةِ ظِلِّهِ خَشِنًا
ولا .. ضَيْفًا ثقيلا
..
عندَ الظّهيرةِ حينَ يَطبُخُنا حريقُ الشّمسِ
نَنْضَجُ، ثمّ نُصبحُ أكثرَ حِكمةً ومَهارةً
بالإحتماءِ منَ اللّذائذِ ...
كمْ أَنا ضاحٍ بظلّكَ !
كمْ قصيرٌ عُمْرُ لَذّتِنا القصيرةِ يا صديقي !
إنْ تعبْتَ احمِلْ على كتِفي ظلالَكَ ،
أَو فَرِحتَ فَخُصّني بقليلِهِ ،
بثُمالةِ الكأْسِ الأَخيرةِ ، فالحياةُ
هيَ احتمالُ العِبْءِ والفرَحِ الشّحيحِ ،
هيَ الثُّمالةُ إذْ تُقطِّرُ روحَها
- في كُلِّ نابِتَةٍ منَ الإنسانِ والأَشجارِ-
ضوءًا خافتًا
لكنّهُ يكفي .. لِيَهْدِيَها السّبيلا
..
أَمّا أَنا فأَخافُ من نفْسي .. ومنْ نيرانها :
قد تَسْكُنُ النّيرانُ في الأَشجارِ
أَو تتمدّدُ النّيرانُ في الأَفكارِ ...
قد يَخْضَوْضِرُ المعنى ، وتَسري
حكمةٌ بيضاءُ في النّسْغِ السّماويِّ الشّريفِ /
هناكَ تُكْمِلُ ما بنفْسِكَ من لَهيبِ وجودِها
وهناكَ أُكْمِلُ فَهْمَ شِعْرِ الجاهليّينَ القُدامَى
ثُمّ أَفلاطونُ يُكْمِلُ دَرْسَهُ عن قَدْرِ سَيِّدِهِ
وعنْ " شُغْلِ الذُّبابةِ" .. في الهَيُولَى !
..
مِنْ عِنْدِ آخِرِ ما عليكَ منَ الطّيورِ ذهبْتَ في
شَجَرُوتِ زَهْوِكَ.. واثقًا
بالرّيشِ والورقِ الكثيفِ !
لقد تَزيدُكَ خِفّةً هذي الكثافةُ ، فانْتَبِهْ
لفِخاخِها ، يا صاحبي
وفحيحِ زينتِها الجميلةِ ...
لمْ يَعُدْ في الأرضِ مُطَّرَحٌ لِمَطروحٍ مِنَ
المعنى
ففيمَ إذًا شُبُوبُكَ والتّأَنُّقُ ؟!
والكثافةُ زِينةٌ تَطغَى وتَلْدَغُ
ثُمّ لا تصفو .. لِلابِسِها طويلا !
..
ها نحنُ نحنُ، بكُلِّ ما قدْ تسْمَحُ
الأَضدادُ من شَبَهٍ خفيٍّ عابرٍ ...
لكَ ههُنا قلْبانِ : قلْبٌ في السّماءِ
وآخرٌ في الأَرضِ ...
لي قلْبانِ مثْلُكَ :
واحِدٌ لأَرَى بهِ صُوَرَ المعاني في
حَقائقِها ، وآخرُ مُسْتهامٌ طائرٌ ...
فَبِأَيِّ قلْبٍ قد نكونُ غدًا إذا اجتَمَعا ؟!
بأَيِّهما نكونُ
إذا أَتَمَّ المُسْتحيلُ
بِنا الوجودَ المُستحيلا ؟!
..
لمْ أُوْذِ قلْبَكَ باسمِكَ العِلْميِّ
لكنّي نَفَضْتُ نُعاسَ ظلِّكَ ،
واقْتَحَمْتُ عليكَ نفْسَكَ دونَ إِذْنٍ في الظّهيرةِ
- وهْيَ عَوْرَةُ نائمٍ
وَضَعَ الثّيابَ/ ولَمْ يَضَعْها – ! ...
عادةُ الشُّعَراءِ أنْ يَتَدَسَّسوا في
كُلِّ شيءٍ ، فالكلامُ فَراشُنا المُتَقَحِّمُ
المفتونُ ، والأَشياءُ كالأشجارِ
نارٌ كُلُّها
حتّى وإنْ لمْ تَلْتَمِعْ لَهَبًا .. وأَلْسِنَةً
فما شأْني أَنا بِشُؤُونِ أَشْجارِ الجميلِ لكي
أَقُضَّ مَنامَهُ المَلَكيَّ ؟!
عَلَّ منامَهُ هوَ كُلُّ ما يحتاجُ منْ
خَدَرِ الوجودِ ،
وليسَ يَبْعُدُ أَنْ يكونَ نعيمُهُ منْ مثْلِ ما
أَشْقى بهِ – والعكسُ -
فالأَرواحُ آنِيَةٌ تُخالِفُ بعضَها فيما تَصُبُّ
بها المصائرُ من عصيرٍ ليسَ يَكْفيها ارتِشافًا
أَوْ يَبُلُّ .. بها غَليلا !
..
ومنَ الفُصولِ لكَ الرّبيعُ وَصَيْفُها
ولكَ اخْتيالُكَ والشُّبوبُ معًا بدفئهِما ...
- وإن كانَ الخريفُ أَقَلَّ وَطْئًا .. والشّتاءُ -/
ومَنْ أَنا لأُعَلِّمَ الأَشجارَ خفْضَ جَناحِها ؟!
إنّ المُلوكَ هُمُ المُلوكُ ، وليسَ ينْفعُهُمْ
كلامُ السُّوقةِ المُتَطفّلينَ ...
وَهَمْتُ أنّي ههُنا مَلِكٌ يُخاطِبُ نِدَّهُ
حتّى جَرُؤْتُ على مقامكَ ...
مَنْ أَنا كي أَنْصَحَ الأَشجارَ في الدُّنيا
ولَمْ أَكُ قبْلَها مُتَطفِّلًا يومًا
وأَحسَبُ .. لَمْ أَكُنْ فيها عَجُولا !
..
لا شيءَ يَحْدُثُ في حديثي الآنَ عن
شَجَرِ الجميلِ
سِوى بُكائي تَحْتَهُ :
مَنْ أَنتَ يا شَجَرَ الجميلِ ومَنْ أَنا
كي نَطْمَئِنَّ لأنّنا حَيّانِ في
هذي الظّهيرةِ
يَمْلِكانِ بداهةَ الأَنفاسِ والإيراقِ
لا المعنى الذي في قَدحِهِ سنصيرُ
في الدُّنيا مُلوكًا .. ظافرِينَ
وعُمْرُنا
- مِنْ بَعْدِنا -
مَجْدًا أَثِيلا !
..
ها نحنُ في هذي الظّهيرةِ ما تَرى ..
وثلاثُ سِيقانٍ بها ليستْ تَصُدُّ الرّيحَ إنْ
عَصَفَتْ !
فإنْ عَصَفَتْ .. على قلبي اتكِئْ ما
شِئْتَ يا شَجَرَ الجميلِ ...
فإنّهُ
أَقوى مِنَ السّيقانِ أَضْعافًا
وأَكْثَرُ مِنْ ظِلالِكَ كُلِّها
ظِلًّا ظَليلا
..
ولِأَيِّ شيءٍ يا تُرى شَجَرُ الجميلِ
بَكَى هُنا مثْلي لأنّي قُلْتُ ما
قد قلْتُهُ ؟!
ما كانَ أَجْدَرَني بأَنْ أَدَعَ الجميلَ بحالِهِ !
لوْ كنتُ أَكْثرَ حكمةً
لَترَكْتُهُ مِنْ دونِ معنًى .. هكذا :
شجَرًا منَ الأَشجارِ يَعلو
لا لِشيءٍ ،
بَلْ لِنُبْصِرَهُ على غُلْوائِهِ
" شَجَرًا جميلا " .
.
.
.




الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3k | 0 | 0 )
ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.8k | 0 | 0 )
أخي في القصيدة
( 1.7k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.7k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.7k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.7k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.7k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.7k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.6k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.5k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 989 | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 563 | 0 | 0 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 553 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 412 | 0 | 1 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 406 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 390 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 361 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 358 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 284 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 247 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 162 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 108 | 0 | 0 )