دماءُ القوافي - عبد القادر المكي المجذوب | القصيدة.كوم

شاعر سوداني له ديوان مطبوع بعنوان "مرايا" (1985-)


631 | 0 | 1 | 1





القافية الأولى...

وينشرُ للرّيح وجهًا ويُغضي..
وتمضي خيالا من البؤس صورته
في الغياب ويمضي..
ويصفرُّ من وجع الغيم عُودُكْ
أيا بعضَ ما علّلَ الهمُ بعضي..
وهذي الطريق تئن
كأنّ تلالَ المغيب
رؤاك
وأغصانها تلك
ليلٌ تأبط شرّا
فقل لي..
إلى أيّ بعثٍ تُشير الطّريقُ
وتُفضي..
وأرضُك شمّاخةٌ في الحنين
ولوّاحةٌ للنّدامى وطرّاقةٌ للطيوف..
وخيلُك ماجاوزتْها الحروف
ولا قلدتْها الكفوف
ولا ضللتها الدروب
بسيرٍ وركضِ..
تَخِفُّ من الوقت يسألُك النّاسكون
كم نحتوا من الصّمت تسبيحهم
وكم عرّشوا العمر بالخيل
كم سافروا بأغانيك
شقوا سجوف البحار
وأرسوا تصاويرهم
في أحاجي الكهوف
وكم بادلوا الليل نبضا بنبضِ..
هناك علي وطنٍ
رملُه ساقطته السماء
وأدواحه نشفت في غصون من الخوف
غارت كروحٍ من اليُتم
تلعنُ سُمّارها الباردين
ووحدك جربت فلسفة الحزن
جاورتَ هذا الضباب
وعانقت ماشاءت
الأرض إذ تحتفي بالسّديم
وترقص حافية القلب
تأكلُ أفخاذها
بالندم..
هناك التقتْكَ القصائدُ
مصلوبةً في العدم..
مدائنُ تنهدّ
يخرج من طينها غولها
يحمل الشعر آثامها
قمحُها لعنة في السفوح
هناك يذري المغني دماء القوافي
وتقطر صلبانه كالمسيح..
يُعزِّيك ياصاحبي أن فجرا بها
لم يحن..
بلادٌ تناديك من صوتها الغضّ أجراسُها
وتغريك بالسحر ياصاح
أبوابُها..
تناديك أسراب لحنٍ بها مترفٍ
ويمتد نهرا من الحب سيّابُها..
عن الأرض في دفة العود
وفي قلب هذا المغني الجريح..
أقول وباسم سماءٍ به حرةٍ
وأرضٍ تُريق له مايشاء الهوى من نزوح..
وعن طفلةٍ
هي من رعشة الخمر أقسى
وأوهى من الطيف يسري
يلوح..
اقول...
أغيب...
أُصيخ...
أداري خيالي...
أنووح...
بلادُك عرافةٌ
حطّمها الوقت
ترتاد أحضانَها العاصفة
يمر بها الدّهر يضرب أفخاذها
بالرياح
فتسقط نهب السديم
وتسقطُ..
تسقطُ..
لكنها..
ستظل على قلبها
واقفة..
إلى مطرٍ غابر في القديم
ومن بلد عابر مثل هذا الغياب
أفر..
ورائي صمت الوجود
أمامي وجوم التراب
وتحتي من اليتم هذا الكفاف..
مرايا تخاف من الظل
نهر يسرّح هذي الضفاف..
أفر..
شعوب من النخل تحزم أعذاقها
ثم تهوي أمامي
أرى شاعرا
يرتدي نعشه..
أرى روحه وجعا في الفراغ
وعينيه تهوي أمامي ..
أري ظله ممسكاً بيديه
يصعد للأفق مثل الغمام..
أراه يلم من المستحيل أغانيه
يقطِّر أحلامه نطفةً نطفةً
ثم يرمي بها في عظامي..
جناحان في الأفق
ظلان في الأرض
ضدان في الحس
والحدس والشهوات
رسولان أدناهما من غياب وذكرى
وأعلاهما من كلامِ ..
أمر علي جسد طيب
ومن ألم أنحني
فتسقط أشجار
دمع
وينهد من صدري المستبد نهار
ويمتد عمرٌ هلامي..



القافية الثانية....

وطينيَ ينبتُ في عامهِ من جديد..
قرأت له لوح جلجامش الغض
أورثتُه سُمرة الحبر
وقاسمتُه القهر والعجرفة
رويتُ له ما تريد النساء
وما لاتُجيد..
وينظر مثلي ببئر المعرّي
ويبكي
وتاريخُه مثل هذا الفراق
ومثل تفاصيله الغامضة
ومثل نجوم تخطّفها الدهرُ
أخرجها نفثةً من رماد
يلوح كطفلٍ من النّور
يسبح فوق التلال
وينسلُّ من بين حُبٍ وحُبْ..
وتُخفيه أوجاعُه تارةً في السّوادْ..
أنا يادمي شاعرٌ فوق ما أدعيه
كآلهةٍ من رُخام
تثورُ وتهذي
وتشربُ خمر الحياة فتهذي
وتهذي وتشتاق تشتاق
لكنّها من جماد..
ومذ كانت النار أخت القرابين
ومذ كان دمعُ الحياة البحار
ومذ كان في خيمة البدوِ ليلى
وفي الرمل آثار ليلى
وفي الحيّ عطرٌ يمر يُحدِّثُ
عن خدّ ليلى وفي الليل
ليلٌ تُروّيهِ أنفاسُ ليلى
ونهدٌ وجيد..
ورثتُ عراءاتِ قيسٍ
وألفيتُه قهوةً في الوريد..
أحدثك الآن عن راهبٍ
شاخ تسبيحُه في يديه
وعلّق الكونُ أجرامَهُ في مداهْ..
يحاصرُه في الخيال نبيٌ
ويلفظه للظنون إله..
وتنهدُّ عيناهُ من لوثةٍ في الغروب
فليس يرى للوصول اتّجاه..
وكم ضلّ عن فكره ألفَ عامٍ
َوضلّتْ بألفٍ خطاه..
فيا بعد ما لن يرى
ويابؤسَ ما قد يراه..
أيا شاردا لاتقيل وياسابحا
في النّشيد وياراكباً
منذُ حطّت بلابلُه في
الأغاني
ومذ غرّد الشيبُ في غصنه
الكهلِ
وانساق كالنّهرِ تخنقه ضفتاه..
أطارد في نعشك
المستحيل..
وأقطف ما عنّ لي منك
في الذاهبين
وأقرأ للشعر ماقد عراك من البؤس فيه
وماقد عراه..
مغنون ضاعوا
وغاضت بهم في الأغاني
الأغاني..
تدور رحى الدهر
تنشفُ في حقلها
المضمحل الأماني..
ويعلو دخانٌ يسُدُّ
نوافير فجرٍ حزينٍ
وحسبك في القهر ماقد ترى
كيف يغرق هذا المدى
في الدُّخانِ..

ابريل ٢٠٢٠م










































الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)