أناشيد لاماثاريس - طاهر رياض | القصيدة.كوم

طاهر (1956-) شاعرٌ عربيٌّ من فلسطين والأردن. لا يعرف ماذا يتوقع منه الله في الثامنة قليلا بعد الخمسين. حصل على جائزة الدولة التقديرية في الأردن.


810 | 5 | 0 | 0



(مقاطع من القصيدة)


(1)

نظرتُ في المرآة
رأيتُ شخصاً يشبهني
ضحكتُ
ما فائدة ذلك

نظرتُ في المرآة
رأيتُ شخصاً لا يشبهني
أنكرتهُ وأشحتُ بوجهي

نظرتُ في المرآة
رأيتُ وجوهاً كثيرةً
تتشابهُ وتتباينُ
كحبّات البطاطا
فارتبكت

نظرتُ في المرآة
رأيتُ امرأةً تحدّقُ بي
خلفها مرآةٌ بها امرأةٌ تحدّقُ بنا
خلفها مرآةٌ بها امرأة
خلفها مرآة

نظرتُ في المرآة
فلم أرَ شيئاً
فاطمأنّت روحي

النوافذُ إن لم تكنْ مرايا
فما تكونُ إذن؟


(2)

بابٌ عميق
يقفُ هكذا
لا مشرعاً لا موصداً
وأنا أقفُ أمامه
أو ربما وراءَهُ
من يدري
لا بنيّة الدخول
ولا بنيّة الخروج
باب عميق
لا يصلُهُ جدار
ولا ينفصلُ عنه جدار
لا يحدّهُ من فوقه سقف
ولا تحملهُ من تحته الأرض
لا الرؤيةَ يحجب
ولا الرؤيةَ يبيح
لا بيتَ خلفه فنقولُ: باب البيت
ولا فضاءَ فوقه فنقولُ: باب السماء
له وجهٌ واحدٌ يطلُّ من جهتين
وعينٌ واحدةٌ تنظر إلى عماها في الجهتين
بابٌ من الخشب
روحه زجاجيّة
بابٌ من الزجاج
قلبه رمليّ
بابٌ من الرمل
عيناه هوائيّتان
مصنوعٌ من موادَ لا أسماءَ لها
ومن أسماءَ سقطت
لفرط ما استعملت في الإهمال
بابٌ عميق
بحثتُ عن قبضته
فوجدتٌها ملقاةً في الحلم
قصدتُ الحلم
فألفيتهُ يسبحُ في نهر النسيان
تبعتهُ فغمرني الماء
وذابت أعضائي
وقال لي:
النهر ليس كلّه ماءً
كما الليلُ ليس كلّه ظلمةً
ثم أعطاني مفتاحاً
وقال:
الباب لا ليفتحَ
والباب لا ليغلقَ
قلتُ :
فما جدوى المفتاح
قال:
لكي لا تنسى أنّكَ حارسُ الباب


(3)

لم يعدني أحدٌ بشيء
جمعتُ أصدافاً من شواطئَ متخيلة
وحشوت بها جذعَ صفصافة
زرعتُ كمأتي في خواصر صخور ملساء
وأخرى خشنة
ليلتقطَها رعاةُ الأنداءِ الحالمون
روّضتُ رياحا ً بدائيّة
وقدتُها بعرسانٍ نزقة
إلى حظائرَ مسوّرة ًبالبروق
ثم سكبتُها في كؤوس الكونياك
رأيتُ كثيراً من الموتى
ولم أرَ الموت
ودنوتُ حتى لامست شفتاي كل قطرة ندىً جافة
وبكيتُ من الغبطة بسبب أناقة عشبة
بكيتُ حتى ما عادت عيني تعرف
أهو دمعها هذا أم بصرها
ليلٌ مديدٌ كان بانتظاري
عند انتهاءِ كل رحلة
وعند ابتدائها
وسلكتُ طرقاً عديدة
كي لا أصل

أمن غيابٍ كثيفٍ صُنعت هذي الجهات
أم من رُقىً وتعاويذ؟
زمنٌ ضالٌّ يدور بساقيه المشلولتين
ليشعلَ مصابيح العالم
وحين تنتشرُ الإضاءة السريّة
في الأوصالِ الأكثرِ عتمةً تظهرين
في أمواجِ عينيكِ تغرقُ أسماكٌ ودلافين
وفي أعماقهما تتراقصُ أعشابٌ وحشيّة
ويتفجّرُ المرجان
في دفءِ صدرِك أعشاشٌ من قشٍّ لاحم
تُفقّسُ بيوضُها العصافيرَ
بلون الفضاء وحجم الصحو
وتُشرِعُ بنقل جوعها في البرودةِ السميكة
وحين كنتِ تمسحين على ظهري بيديكِ الجاهلتين
كانت خيولٌ جامحةٌ بمخالبَ وأنياب
ترمحُ من أقصى وجودي
وتفعمني جسداً للصهيل
أيتها المرأةُ اللا مرأة
أيتها المرأةُ اللا رجل
يا شبقاً في هيئة معبدٍ وثنيّ
من أين أدخل أرضَكِ المحروثةَ بغيض السماء
كيف ألمُّني لأصبحَ محضَ ابتسامتك الماجنة
أو نتوءاً خثراً على ركبتك المتمرّسة
أيتها المجنونة المسقوطة الساقطة المتعالية
المخلوقة من وقود جحيمي ذاته
سوقيني كما يساقُ الكبشُ إلى الفداء
وكما يُساقُ اللهبُ الظمآنُ إلى أجنحة فراشات
وحين تدخّنين أصابعي واحدةً بعد الأخرى
لا تنفثي الدخان
إلا كما تنفثُ الساحرةُ لعنتها المباركة

أريد أن آكُلَكِ وتأكليني
قضمةً قضمةً
بنهمٍ ولذّة
حتى لا يبقى منّا أثرٌ يدلُّ عليها
سوى لهاثنا الذي يهزُّ الأشجار
الأشجار التي تثير العواصف
احتجتُ موتاً كثيراً كي أحبَّكِ
موتاً يابساً كشجيرة وردٍ ميّتة
موتاً حائراً كصرخةٍ تنبعث من مستشفى للمجانين
موتاً ساذجاً يساومني
وموتاً خبيثاً يتسلّلُ على غفلةٍ
إلى رئتيّ كما النفس
كي أحبَّكِ
احتجتُ موتاً حيّاً
فقطّفتُ ثمارَها الهشة
من أعضاءٍ امتُصَّتْ حتى تلاشت
وتركتُ وردَتَهُ الحمراءَ
تذبل وحيدةً ومنسيّةً
في آنية النعاس
لكي أحبَّكِ
كان عليَّ أن أسحبَ الموت من ياقته
وأقول له: يا صديقي
لكنّكَ مزعجٌ أيّها الموت
وكثيرُ الثغاء
كم أنتَ مضحك بعباءتك الفضفاضة
وجمجمتك الذاوية
ومنجلك المسلول
ولكي أحبَّكِ
قدّمتُ للموت نصيحةَ حياتي:
كنْ يقيناً كأنّه الشك أيها الموت
وشكّاً كأنه حُجّة الغائب
ثمّ إنك أيها الموت
تخرجُ من المعركة خاسراً
وتتركني وحدي أعزلَ من أي سلاح
أواجهُ نفسي


(4)

سأذكرُ الينابيعَ التي كلما شربتُ منها
ازددتُ عطشا
وأحلمُ بفأسِ تحتطبُ غيمة
سأذكرُ الورودَ التي غرست نواجذَها الدمويّةَ في قلبي
وأحلمُ بطفلٍ صدره مملوءٌ بالقلوب
سأذكرُ الحكايةَ التي قصّها علي جدارٌ بعيد
وأحلم بقصّها على جدارٍ أمامي مهدود
سأذكر النساء اللائي تخلّلن جسدي بأسياخ محمّاة
بالزغب المُتأتئِ على أفخاذهنّ
وأحلم بنهدين ينفخان الضباب
حول برجِ كنيسةٍ ريفيّة
سأذكرُ كلَّ ما يمكنُ نسيانه
ندمَ الولادة
السأمَ الذي يومئ في العيون
الثلجَ المدفون فوق الأشياء
حيلَ الغراب الذكيّة
الجمالَ الغبيّ
واللهَ
لستُ نبيّاً لأعرفَ
ولا عارفاً لأتنبّأَ
مسكونٌ بهذيانٍ قدسيّ
وفي يدي ريشٌ منفوش
وحين وضعت السماء
على حامل لوحاتي
لم أرسمْ غير الأرض

(لاماثاريس: رسام إسباني)


الآراء (1)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




حلاج الوقت
( 11.1k | 0 | 2 )
بعد الخمسين
( 5.7k | 5 | 1 )
حب2
( 4.9k | 0 | 0 )
الريحُ فيَّ .. اسمعي
( 3.1k | 0 | 3 )
آهِ نهداكِ !
( 2.9k | 0 | 1 )
رباعية ميم
( 2.8k | 0 | 1 )
قصيدة بلا معنى
( 2.8k | 0 | 0 )
مزّقي الليل..
( 2.6k | 0 | 1 )
نفر من الجن
( 2.4k | 0 | 1 )
حيا في قبري
( 2.3k | 0 | 0 )
نسيان
( 2.3k | 0 | 0 )
كل ذنبي
( 2.3k | 0 | 0 )
ادخلي كالصلاة
( 2.3k | 0 | 0 )
بدأ الموتُ
( 2.2k | 0 | 0 )
هدأت أم حنينها مشلولُ
( 2.2k | 0 | 1 )
الليلة
( 2.2k | 0 | 0 )
انهضي
( 2.2k | 0 | 0 )
حاملا مأتم الحنين
( 2.2k | 0 | 0 )
النافذة
( 2.2k | 0 | 0 )
البئر
( 2.2k | 0 | 1 )
ومات..
( 2.1k | 0 | 0 )
حب1
( 2k | 0 | 1 )
أخطاء - سراب الماورد
( 2k | 0 | 0 )
ليلى
( 1.8k | 0 | 0 )
قصيدة غير مقصودة
( 1.7k | 0 | 0 )
هل الرملُ إلا
( 1.6k | 0 | 0 )
هي
( 1.6k | 0 | 0 )
مثال
( 1.6k | 0 | 0 )
اقرأ
( 1.4k | 0 | 0 )
كأنّكِ لا تذكرين
( 1.3k | 5 | 3 )
في مثلِ هذا الليل
( 1.3k | 0 | 1 )
ليلٌ وامرأتان
( 950 | 0 | 0 )
لا مرثية
( 850 | 0 | 0 )
أُصغي أحياناً
( 830 | 0 | 0 )
الغجر
( 826 | 0 | 0 )
لا تَهْدِ الأمس إلى غَدِه
( 821 | 0 | 2 )
[لحصرمٍ أم زبيبٍ أنتَ تنتسبُ؟]
( 821 | 0 | 0 )
[اهرم ببطء أيها الجسد]
( 810 | 0 | 1 )
في الطريقِ إلى النبع
( 807 | 4 | 0 )
خبزي وخمري
( 805 | 0 | 0 )
إلى كلِّ ما لا تطالُ يدايَ
( 740 | 0 | 0 )
سأَحسِبُ قلبيَ بئراً
( 721 | 0 | 1 )
البيوت
( 719 | 0 | 0 )
روائح
( 718 | 0 | 1 )
باغانيني
( 706 | 5 | 0 )
[مثل من يخلقُ الرؤى بالرَّمشِ]
( 688 | 0 | 1 )
الشبه
( 684 | 0 | 0 )
[وما زلتَ تكتبني في الهواء غراباً]
( 646 | 0 | 0 )
[حين تمشي على غير هَذيٍ]
( 634 | 4 | 0 )
في حقل البابونج
( 534 | 0 | 0 )
سير
( 389 | 0 | 0 )
الشهقة
( 361 | 0 | 0 )
أبو نواس
( 357 | 0 | 0 )
ارتباك
( 342 | 0 | 0 )
الأعشى
( 329 | 0 | 0 )
الظل
( 313 | 0 | 0 )
ضحك
( 305 | 0 | 0 )
عواء
( 268 | 0 | 0 )