(موسيقار إيطالي من القرن ال18)

عرّافانِ انتظرا خلفَ البابِ طوالَ الليل
ولم أفتحْ لهما
طرقا آلافَ المرّاتِ
ولم أفتحْ لهما
كنتُ أُدَفِّئُ أنفاسي بلهيبٍ يزفرُه حطبُ الموقدِ
كأسي طافحةٌ بنبيذي
وقليلٌ من جُبْنٍ أتمزّزه من طبقٍ مشروخِ الحافة
موسيقى باغانيني تطفو فوق سكونِ البيت
وتملأهُ بأثاثٍ لم يستعملْ
ما شأني بالعرّافين
ازداد الطرقُ على بابي
أحدهما صاح: "افتحْ لي
سأنبِّئُكَ بما لم تَكُ تعلمُ عن ماضيكَ
وعن آتيكَ
وأمسحُ عينيكَ بكفّي
لترى ما لمْ تَرَهُ عيناكَ
ولا عينا غيرِكَ"
صاح الآخر: "افتحْ لي
سأُعلِّمكَ الأسرارَ
وكيف تفكُّ مغالقَها
وسألقي بين يديكَ الأقدارَ
لتختارَ أطايبَها
ولتلهو ما شئتَ بها"

أنا في الدفءِ
وكأسي أملأُها ثانيةً
أتلمَّظُ بالجُبْنِ
أحكُّ جبيني سهواً
أنفثُ من غليوني سحباً تنحتني في كلِّ فراغٍ
باغانيني كالعفريت يحزُّ الأوتار
كأن فوقَ ضلوعي تجري القوسُ
يُعرّيني باغانيني منّي ويغيّبني عنّي
ويغيّبني فيَّ
ولم تَكُ للنشوةِ إسمٌ من قبل
فما شأني بالعرّافين
يكادُ الليلُ يسيلُ كماءٍ محمومٍ
يسقي فجراً لم تنبتْ بذرتُهُ بعدُ
أُحَدِّقُ في الأوراقِ أمامي
وأقولُ سأكتبُ شعراً
لكني أُنسيتُ مهارةَ رصفِ الحرفِ بقرب الحرفِ
وأُنسيتُ الكلماتِ ظلالَ الكلماتِ مراياها
وأراها تطّايرُ من حولي موسيقى
كملائكةٍ في زيِّ شياطين

يسيلُ الليلُ
تصحو امرأتي
- "هل نِمتُ طويلاً تسألني"
فيما تكشفُ عن فخذيها العاريتين غطاءً شفّافاً
وتُغلغلُ عشرَ أصابِعِها في شعرٍ منفوشٍ
كبروقٍ لامعةٍ سوداء
- "طويلاً
ليس طويلاً
عشرَ سنينٍ عدداً"
تضحكُ
- "هل ما زالَ العرّافان وراءَ حجابَ البابِ؟"
- "وما زالا يَعِدان بغيبٍ
ويُعِدّان تفاصيلَ حياتي ومماتي
وبلا يأسٍ يجترّان حديثاً
عن عمرٍ لن يبدأ إلا بهما
أو يكتملَ بمنأى عن إيقاعهما
وأنا لا أفهمُ هذا اللا يأس"
- "هل أتممتَ نبيذَ الليلِ؟"
- "ويغلي في جسدي روحاً ثانيةً"
- "فتعالَ إذا واحضنّي
فوق فراشي ما لا يخطرُ في بال العرّافين
وما لا تدركه حتى الكأس"
- "أتمانعُ إمرأتي إن أشركنا معنا باغانيني"
- "لا بأس"