وقت القبو - أحمد بلبولة | القصيدة.كوم

شاعر وأكاديمي مصري، مثل مصر في مهرجان الشعر الدولي ببروكسيل عام 2005م


325 | 0 | 0 | 0




أدركتُ خمرا كان مخزونا بقبو البيت
شمعا لم يُضَأ من قبْلُ
مرقوما
وأولمتُ الهباءَ
مؤجلا كنتُ
اكتشفت حقيقتي
كـ"زجاجة صفراءَ ذاتِ أسرَّة"
وعَبَبْتُ حتى مالت الجدران وانطلقت
تصاويري
مصادفةً دخلتُ: أنا الذي لم أبرح المبنى/
طوابقيَ الثلاثَ: الشعر، والفوضى، أكاديميَّتي العمياء
كنزي هاهنا تحت الحذاء
الأسودِ الشيطانِ
ملقًى في غيابته
فكم درجا رقى، ودروبَ تجريب مشى،
وسعى حثيثا كاليعاسيب الغريبة في مهامهها
وعذَّب قُنَّةً بطنينهِ
هذا الحذاء الأسود الشيطان أم
خفا حنين
عاد لا عسلٌ ولا ماءٌ ولا لبنٌ
إلى ذات الخراب الآدمي/ الدائري
إلى جزيرته اللعينةِ
قبر وحدته المعادْ
كنزي هنا والشمعةَ الأولى أضأتُ
فسَفَّهَتْ بشعاعها الشاجي شبابيكي
وهدَّت كلَّ رابيةٍ
كقافيةٍ برغم رويِّها استشرفتها
رغم التبدُّل والتنكُّر والتمزُّق والتَّشرذم
والتنافر والتدابر والتلاعن والتشاحن والعلوِّ والانبطاح
ورغم سائمةٍ توطَّنت السفولْ
سجنا سكنْتُكِ يا قصيدةُ
عالما أعلى افتراضيًّا وصادقتُ الذهولْ
وأنا أزيح عن الأريكة عنكبوتي
قلتُ للمبنى حذفتُ الآن أوَّل طابقٍ
وأجِدُّ جِدِّي ثم أحذف طابقيَّ الآخرين:
أعود أهدأ؛ لا أخفَّ من الجوال
إذا تخلَّص من حمولته
ونام على البلاط بسجنه المنسيِّ
لا أملٌ لديه ولا طموحٌ،
لا غريزته تؤرِّقُهُ
ولا خيط يئن عليه مفتوقا
ولا إبرٌ ستفقأ أعينا أَرْخَتْ على الخَيْشِ
الجفون
أعود أهدأ حين أفتح قاعة الدرس الكبيرة
ثم أغلقها وأمضي
لا وداعا يا تلاميذي ولا أهلا وسهلا
كيف أعطيكم شقائي فالعبوا
أرجوكمُ لا تتبعوني والعبوا
عمري الذي ضيَّعْتُ يضحك منه دود الحقل،
والعصفور، والصدف الحكيم أمام ضوضاء البحار
على شواطئه التي رغم الهشاشة
لا تزال فسيحةً وسعيدةً
لا تؤمنوا بي كذِّبوني والعبوا
سأموتُ، يحلو لي أموت
كأيِّ فلاح بقرن بهيمة
وعلى أتان مُسْنَدًا بذويه
تأخذ شكلها الأحلى جنازتُهُ؛
فلا سيارة الإسعاف تأخذه
تشقُّ به الزحامَ
مُجلجلا إنذارُها
ووراءها المتسابقون يثرثرون
أموت في صمت؛
فتسكن دون أن تدري حدائقَكمْ
أساريري
انتهوا مني ومن لَغَطي؛ لألمس حمرة القرميد
في القبو الذي قد صار حانتيَ الأخيرةَ،
لن تمروا غافلين أمام مدخله الوطيء؛
فصدِّقوا أن الحمامة فوقه باضت
وأنِّي لستُ فيه؛
فلستُ فيه
عببتُ حتى سالت الفوضى على أذنيَّ مازوتًّا،
وردَّ على الأكاديميَّة العمياء عينيها الفضولْ
ورأيتُ ثَمَّ رأيتُ ألواني
وقمصان الفصولْ
منشورةً بمشابك ذهبيَّةٍ بين التوهُّجِ والأفولْ
خطوا بدائيا يوافق أبجديتَهُ
ويسخر من جداريات إنسان المعاني والحضارة
والتواريخ الطلولْ
وقتا كصفر الوقت أو نسيانه
وقتا لصاحبه
كوقت القبو يقصر أو يطول
وقتا تحرر من دقائقه
تخلَّص من عقاربه
تمطى في صفاء القطِّ تحت الشمس
مثل الريح بين الهمس
مثل الحوت في ملكوت زرقته
الخرافةِ حين تفغر فاهها ليبات غولْ
وقتٌ لصاحبه شهيٌّ أو خجولْ
وقتٌ بطيء أو عجولْ
كالجوهر الفرد المثولْ
وقتٌ كسولْ
فَرَغَتْ طوابقيَ الثلاث من الحياة
فرغت نبواتي الثلاث
وجئت هذا القبو محشورا
مدلًى بين أوراقي
مضيئا
كالثمار
مبرَّءًا من زيف ذاكرتي
لأولَدَ وفْق قانون جديد،
عالمٍ ثانٍ،
بلا عَقْلٍ ولا نَقْلٍ
بشمعٍ آخرٍ
أَدْرَكْتُ خمرا
وانتَهَتْ منِّي مزاميري





الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)