المنازل - أحمد بلبولة | القصيدة.كوم

شاعر وأكاديمي مصري، مثل مصر في مهرجان الشعر الدولي ببروكسيل عام 2005م


394 | 0 | 0 | 1



نعودُ كأنَّا لم نَغِبْ يا منازلُ
ونمضي كما أَنْ لَنْ تَعُودَ القوافلُ

لنا لهَفٌ للمستحيل يشدنا
إليكِ؛ فلا ننساكِ مهما نحاولُ

نزلناكِ لم نُنْكِرْ صداكِ وإنما
رَمَتْنا بوسواساتِهِنَّ الْخلاخِلُ

أَنَهْذي؟ سألنا الصَّبْرَ لم يَلْتَفِتْ لنا
بِوَجْهٍ كَأَنَّ الصَّبْرَ لِصٌّ مُخَاتِلُ

ومِنْ سرِّها ألا تموتَ لأنها
خوالدُ تلك الذكرياتُ الخواملُ

فهل تُفتَحُ الشُّرْفاتُ حتى تَرُدَّنا
صغارا كما كنا العيونُ الكواحلُ؟

وراء جدار الشوق أشياء هشَّةٌ
لها رئتا حيٍّ وقلبٌ يصاولُ

ألستَ ترى الغُدْرانَ سالت دموعُها
وقد عرَّشَتْ فوق الدموع السَّنابلُ؟

ألستَ ترى صوف الخيام وشعرَها
وقد هوَّشَتْها الريحُ وهْيَ تُقاتلُ؟

ألست ترى قطعانَك الشُّرد التي
تركتَ فأغراها المدى المتطاولُ؟

تغيَّرتَ فاسرد قصَّةً تلو أختها
لعلّك تدري الآن ما أنتَ فاعلُ


أقول لنفسي وهي أكبر رافضٍ
لديَّ ولا تصغي لما أنا قائلُ:

ألم يكسر القيدَ الأسيرُ وتنتهي
من النُّدْبَةِ السّمراء تلكَ الأباطلُ؟

لقد طاف بالدنيا فلم يَعْترفْ بها
وأدركها شقراءَ وهْي تُغازلُ

رآها فلا عيناه أبصرتا ولا
أزاحتْ ستارا نابغيًّا أناملُ

نعودُ فلا نلقى العفاريتَ فَخَّخُوا
الشوارع لكن خطوُنا متثاقلُ

كبِرنا نرى هذا بأمِّ عيوننا
إذا عكستْنا في المرايا المداخلُ


يقول لنا القنديلُ: أهلا ومرحبا
ويطرُدنا عنه السنا المتخاذلُ

خطًى دَرَجَتْ لا يَقْطَعُ الصمتَ غيرُها
كأن كلاب الحي عنها شواغلُ

خطى ما مشيناها ولكن تأجَّلَتْ
وكم عجَّلَتْ خَطْوَ ابْنِهِنَّ العَواجِلُ

يقول لبيتٍ واقفا في فنائِهِ
وقد غلب التَّحنانُ: أين الأوائلُ؟

أَأَحْصَيْتَهُم يا بيتُ؟ قال: لعلَّني
وأذكرُهم طورا وطورا أماطلُ

لماذا؟ يقولُ البيت هذا لأنني
مُضيفٌ وللضِّيفانِ لستُ أَسِائلُ


بذاكرتي ضعفٌ شديدٌ يردُّني
جديدا إذا حلَّتْ بساحي الأواهلُ

فلي آفةُ النسيان والناسِ ذكرُهم
كلانا لوجهيْ عُمْلَةٍ نَتبادَلُ

نَجَوْتُ من التَّكرارِ إذْ وَقَعُوا به
مُصادَفَةً والوقتُ عَطْلانَ ذاهِلُ

هباءً كما جاءوا هباءً كما غَدَوْا
وما أَمْسَكَتْ هذا الهباءَ الغرابلُ

ونحن نحبُّ الحبَّ لكنَّ عشَّهُ
غريبٌ ولو غنَّتْ عليه البلابِلُ

بفطرتنا جئنا الحقيقةَ أولا
وقد غاب معناها الفتيُّ المناضلُ


ولم يُسْعف العقل المجرَّدُ نفسَهُ
لكي تعرف الحلَّ البديلَ المسائلُ

علاقتُنا بالشيء أم بزمانه؟
ومنذ متى كان الزمانُ يُجامِلُ؟

نَدَهْتِ ذويكِ العاطفيينَ فانْتَهَوْا
إليكِ ولم يَظْفَر بمَغْزاكِ نازلُ

كأنك ريحانُ المكان ورَوْحُهُ
وليس لنا إلاك في الأرض غاسلُ

نعود كأن الروحَ مَلَّتْ صُداعها
وأنتِ لها موصوفةٌ أو مُعادلُ

تفتِّش فيك مثلما فتَّشتْ بها
على قُرْطِها المَفْقُود في التُّرب باخِلُ


هل الطحلب النامي سنينٌ تراكَمَتْ
وهل أفرعٌ صَفْصَافُها أم جدائلُ؟

وهل خشبٌ مَحْضٌ سريرٌ تَقَوَّسَتْ
على نفسها رجلاه أم كَلَّ حاملُ؟

أَسِكَّتُنا هذي تُؤَدِّي إلى الذي
هجرْنا أم الحادي إلى السرِّ غافلُ؟

نعود ونمضي رحلةٌ دائريَّةٌ
تَعِبْنا وضاقتْ بالرُّسوم البَراجِلُ

نعود فلا جَفَّتْ على عتباتها
دموعٌ ولا جَفَت البريدَ الرسائلُ

ونمضي فما قد فاتنا كان فاتنا
ولا يَرْجِعَنْ أَمْسِ الذي فاتَ آمِلُ





الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)