هكذا مرّ كانون.. - سميرة بن عيسى | القصيدة.كوم

شاعرة جزائرية من مدينة بسكرة


393 | 0 | 0 | 0





هكذا مرّ كانون ..

عادَ ..
ولكنَّهُ لم يعدْ ..!
هناكَ على ظلِّ زيتونةٍ في البعيدِ
ينامُ على جسدينا الأبدْ
هناك يُعَلِّق عينيه في خشبِ الذكرياتِ
كمسمارِ ذاكرةٍ صَدِئهْ
يُطلُّ على شجرٍ ماحلٍ في الفراغِ ،
و يكتبُ فوقَ البُخارِ الذي يتكثَّفُ فوقَ زجَاجِ النوافذِ :
حينَ تنامُ القرى في ملائاتِ كانون حبلى برائحةِ الزَّعترِ الجبليِّ
(تَعرّي لتعبركِ السّاقيةْ)
يقولُ الذي غابَ عشرينَ حبًّا
ومازالَ يجلسُ كلّ شتاءٍ بثلجِ البلدْ :
هناكَ على غيرِ عاداتنا
نتوسَّدُ جُرفَ اللّيالِي ونعدُو ..
كأطفالِ أحلامنا النّزِقهْ .
نشاكِسُ نهرًا يمزّقُ حقلَ الضَّجِيجِ
على ثوبهِ الأنثويِّ
ويَلبسُ غاباتنا الغافيةْ ..

بغيرِ ملامحَ يأتي مع العابرينَ
ويمضي بصمتٍ إلى اللاهناكَ
وكنتُ أحاوِلُ أنْ أتَقَرَّى خطاهُ بدمعي ..
فيندلعُ الوطنُ العبثيُّ ..على جُرحهِ
مطرًا ..
شاحبًا مرَّ باسمي ..
وخَلَّفَنِي مثل وشمٍ قديمٍ بجلدِ الظَّهيرةِ
لم أنتظِرْهُ كعاداتنا السَّابقةْ .
ولم ينتظرنِي هنا في لُهاثِ الرّمالِ
لأكتبَ سهوًا بنعلِ المدينةِ
شاخَتْ على سِكَكِ اللَّيلِ كلّ حكايا النَّخيلِ
ومازالَ صوتُكَ في منفذِ الرِّيحِ
يعبُرُ شَامَاتِ وجهي لأبوابِكَ الموصدةْ ..

هكذا مرَّ كانونُ يَسحَلُ
من حَجَرِ البيتِ ملحَ الجسدْ .
ويعلو دُخانُ المواقدِ بالنَّازحينَ القُدامى
و لمْ يطرقِ البابَ بعدُ ..أحَدْ
وكنْتُ إذا عادَ أَسْحبُني
في اللَّيالي الكسولةِ عبرَ سُعالِ المدينةِ
حتّى نهايةِ آخرِ بيتٍ ..
أرَى في السّقيفةِ أمّي
ترتِّبُ أشياءنا الضَّائعَةْ
وتُطعمُ أحلامَنا حين نغفو ...
وتُشرِعُ للشَّمسِ حِنَّاءَها الصَّاخِبَةْ
أَراهَا بِرائِحَةِ البُنِّ تَفتَحُ للهِنْدِبَاءِ
شبابيكَ تَمُّوزَ ،
تَرْفو على العَتباتِ قميصَ الرّياحِ
لتُزهرَ في شجرِ الخوخِ قهوتُها
أراها على المقعدِ الحجَريِّ
تسرِّحُ بالبحرِ شعري
وتُلبسني مِئزرا قُرمزيًّا
وتنسى يديها على كتفي كلَّما بَلَّني قمرٌ
في نشيجِ الزّحامِ ،
تدُسُّ بكراستي نجمتينِ...
وغيمةَ حلوى ليمطر في آخر الصّفِ
سُكَّرُها

هكذا مرَّ كانونُ دون اكتراثٍ
يهيلُ على أسْقُفِ الطِّينِ صُفرتَهُ الوقحةْ
بطيئا كعادته ..مثقلاً بالرُّطوبةِ
مثلي .. على قيدِ كلِّ بكاءْ
يُعابِثُ في بِرَكِ الوحلِ أسماكَ وَجْهِي
و يَلْعَقُ كالهرِّ ندبةَ ذاكرتي ..
حينَ ينمو بنفسجُ صوتكَ
في هَضَباتِ الدُخَانِ
كأغنيَّةٍ رَعَوِيَّةْ ...
تذكرتُ أنِّي نسيتُ المظلَّةَ ،
تبدو الغيومُ ارْدِوَازِيَّة في مسامِ الهواءْ
مُشاةٌ يفرُّونَ نحو السَّماءْ ..
مبانٍ تدلَّتْ بجذعِ الضِّياءِ الشَّحِيحِ
بِلاَ صَخَبٍ ..
صافراتُ القطارِ تعالتْ ...
وموتى يغيبونَ دونَ ضجيجٍ
على دَرَجِ اللَّيل ..
ثم يعودون من فجوات الصورْ .
فتبدو المحطّة خلفَ الجماجمِ
فزّاعة من غبارٍ ..!
ولكنَّه لم يعدْ ..!
بلادٌ على زَغَبِ الفجْرِ
تركض نحوي كسرب حمامْ
لأني أراها على نبرة الشيحِ
أحجية الماء حين تَهَجَّي البيادرَ
حين تَهَجّى الغمامْ
أراها بلثغة طفل (ببسكرةٍ)
قصة للحواري الخجولة تزرع
ضحكاتها في شفاهي حقول سلامْ
يجيءُ المطرْ ...








الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)