القصيدةُ...كُلُّ القصيدة - ميلود علي خيزار | القصيدة.كوم

0


794 | 0 | 0 | 1




"حياةُ الوِحدَةِ مَصيرُ كلِّ الأرواحِ العظيمة"
-        ا. شوبنـهاور –

أمْسِ...كأنّي أَفَقتُ من الموتِ سَهوًا...كأنّي نَجوتُ...أَزَحتُ سِتارةَ غَيبوبتي فرأيتُكِ.... جالسةً عند رأسي كحوريّة...كمَلاكٍ يَشِعُّ على العُشبِ...كانتْ يَداك مَبلَّلتيْن ببَعثي... و تَرتعشان... تَحسّستُ نَبضي ... حديقةَ وجهكِ...مِرآةَ عينيكِ...تَمرةَ أنفكِ...حتّى انتهيتُ إلى كَرزتيْ شَفتيكِ ...تَملّكني فَرَحٌ غامرٌ بنَجاتي من القَدَر العَبثيّ ..."أنا لَم أَمُتْ"...أنْقذتْني صَلاتُكِ...أنقذَني مَرَضي بالحياة...فلا شيءَ مِثلُ الحياةِ يُبرِّرُ مَوتَ البُذور... و لا بئرَ مِثلُ العُيون يُفسِّرُ ماءَ المقامات في غَفلةِ الجاذبيّة، كنتُ وحيدًا، ذهبتُ بَعيدًا، فلو كنتُ صادفتُ نجما لأوصيت خيرا بذاكرتي و بنرجسةِ الشّعرِ...كانت خُطاي تُطمئنُني و أنا أتوغّلُ في اللّيل شيئا فشيئا... كمَن يَتقدّم في السُّكْر...مُستأنِسًا بالعَراءِ النّبيل و مُكتَفيا بنقائي الفُجائيِّ... ثُمّ شَعرتُ كأنّي شُفيتُ من العَقل ...أنّيَ في كلّ شِبرٍ أخِفّ... و في كلّ مَحوٍ أشِفّ...تَخلّصتُ من ألَم الوعي في جسدي الانطولوجيّ ...مِن مَرض الوقتِ...كانتْ سَمائي الصّديقةُ للأرض تَحضُنُني... حين خاطبني الأبيضُ العَدميُّ :" تَقدّمْ"و رُحتُ أَعُدُّ خَطايايَ: آويتُ يومًا إلى بَيت أغنيةٍ و شَرِبتُ حَنينَ النّبيذ...شَرِبتُ إلى أن نَسيتُ...و أَطعَمتُ من جَسدي رِعشةَ امرأةٍ لا تُجيدُ قراءةَ وضعيّةِ الفَرسِ النّرجسيّ... نَبشتُ مَقابرَ أهلي و مَزّقتُ أكفانَهم عَبثًا، ذات نوبةِ مَسٍّ، لأَعرفَ أينَ اختفتْ قَحبةُ الرّوح... لكنّني لَم أقُدْ أيَّ أعمَى إلى داركِ الذّهبيةِ. مِن هَوسِ الرّقصِ كنتُ أمِيلُ إلى "الاختصار الشّديد"... و أُصغِـي إلى نار أسئلتي الشّفويّةِ تأتي على كَتفيِّ الحَرير. نَعَمْ...أتذَكّرُ...كنتُ شَقيّا .. تناسيْتُ رأسيَ في حُجركِ السّرمديِّ و باركتُ عافيةَ الموتِ... قاومتُ سُكْرا بسُكْر... و سالَ حليبُ النّـهارِ العتيقِ على شَفتيَّ و صَدركِ ...بلّلتُ أجنحةَ الرّوحِ... قاومتُ صَحوكِ بالهَذيان ...تَشبّثتُ بالشِّعر من لَعنةِ البرْدِ...هل كنتُ إلّا شَقيّا يُفتِّتُ بين ذراعيكِ زهرةَ أيّامهِ البِيضِ؟ ماذا رأتْ يَدُكِ النّبويّةُ في عتماتي لِكيْ تَتلألأ؟ كيفَ غَمرتُكِ بـي وتَبخّرتُ؟... ماذا أصَبتُ لِتَنشقَّ بين يَديَّ السّماواتُ؟ هل كنتُ إلّا شقيّا تُراودُه فكرةُ الأبديّةِ ؟ أشعُرُ بالبرْدِ يَزحفُ من أخمَصِ الوعْي...هل كنتُ إلّا دمًا أشْعلتْهُ الغِوايةُ... نَرجسةً تَتوضّأ في سُؤرة الضّوء...صَوتا يَنامُ على خِنجر الذّكريات...يدًا تَتآكلُ من صَدَأ الوقتِ و الانتظار؟ أنا كلُّ تلك القرابينُ يا مَوتُ..خُذني بَعيدًا إلى"أوّل النّبع" ...حيثُ البدايات...حيث عُيونُ الحدائق تَضحَكُ و الأرضُ تَخلَعُ سروالَها الشّتويَّ لتَعبُـــرَ نهرَ المقامْ.
لا أريدُ من الموت غيرَ احتمالِ الهُدوء قليلًا...لِكيْ تَسترِدَّ البدايةُ أنفاسَها...و النّهايةُ أجراسَها ... تَعَبٌ مّا يُنتّفُ وردةَ قلبي على مَذبح الشكّ...هل "كنتُ" أكثرَ ممّا أريدُ؟ و ماذا أردتُ؟ أردتُ الخروجَ عن النصّ ... ثُمّ...نَصيبي من الأبديّةِ في جَنّة الحُبّ...عِشتُ أراهنُ أنّ سريرَ الحَقيقةِ مُمتلِـئٌ بالنّوايا و بالآخرينَ... و أنّ القراءةَ مُمتِعةٌ بالأصابعِ لَحظةَ يَنطفئُ العقلُ...أنّ البُذورَ تَموتُ لِتَحيا... و أنّ الغيومَ تُسافرُ من غيرِ أن تَسألَ الرّيحَ وُجهتَها...أنّ ماءَ الحكاية لا يَتدفّقُ من حَجَرٍ... مثلما جـيءَ في النصّ...أو دَسّهُ سُمُّ راويةٍ في سِياقِ الكلامْ.
ما عَسايَ أريدُ؟ أريدكِ سيّدةً، عطرُها الصّمتُ، لفتتُـها الموتُ، قاموسُها البحرُ، مِشيتُها الفجرُ ... ضِحكتُها مهرجانُ الينابيع ...في ظلّ أهدابها يَتعالى نشيدُ السّماواتِ...أنْقَى من الدّمع ... سيّدةً...يَدُها لُغةُ الدّفءِ ... يَصحو الوجودُ على صوتها... في بُحيرة نَظرتها تترنّحُ نَجمةُ قلبي ... و يَفترشُ القمرُ المتشرّدُ في اللّيل أهدابَها... و يَنامْ.
إيهِ...ما اسمُكِ؟ اسمُكِ أغنيةٌ يَتمرّغُ في حُجرها السّرمديِّ شُعاعُ النّداء المقدَّس...رائحةُ النّوم في ثوب رابيةٍ مَسّها الاخضرارُ الجُنونيّ...اسمك "هذا الموحّدُ" هذا الصّباحُ... مَجازاتُه و إشاراتُه... صِرتُ أَعرفُ ... أَعرفُ أنّ الحضارةَ تَبدأ باسمكِ...باسمكِ تُشفَى الحقولُ...تدورُ الكواكبُ ...تَغتسلُ الكلماتُ الحميمةُ في نبعهِ ... تَتَــزيَّى بناتُ البساتين ... اسمُك ... هذا العزيزُ ... العَلِـيُّ ... القديرُ...المنيعُ ... المُهيمِنُ... هذا السّلامْ.
ها أنا ذا أعودُ إليكِ...بلا باقةِ الوردِ...(من قِلّة الذّوق أن تَهبَ الوردَ للوردِ)...من غير ما سببٍ واضحٍ عُدتُ...أو ربّما هو تَوقي القديمُ إلى الموت في حُضن راعيةٍ بخيال الأساطير ...أو ربّما لم أَجدْ في النّهاية ما يستحقّ البدايةَ...أو ربّما رغبةً في النُّعاسِ على كتفيكِ الخُرافيّتيْـن... و خَوفي الرُّهابيُّ من صَدمةِ الصَّحو، يَدفَعُ بي لاجتراح سَديم الكلامْ.
القصيدةُ... كُلُّ القصيدةِ ...لَيلٌ يَتيمٌ تَوسّدَ قلبي و نامْ.







الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)