مقابر عربية - الطيب طهوري | القصيدة.كوم

شاعرٌ جزائريٌّ (1956-) يقول: مُدني بعصاك البعيدةِ، سحرِكَ.. كي ما أمد يدي في الظلال.. مدني بعميق السؤال.


2220 | 0 | 0 | 1



//إلى روح محمد الماغوط الهائمة في أرصفة الضجيج العربي//

هيأ الله لي كومة من حجارة هذا الضجيجِ..
ونافذةً..
ودعاني إلى الرمي بدءا..
وها قد رميتْ..
كان مُعْقالها خارقا..
سقطت شفتِي في مهب الجنوبِ..
وكفي على الرمل مادتْ..
وتيهني الصمتُ إذ حاصرتني البيوتْ..
كان فستانها خارقا..
أشعل الخطوات التي ركضتْني.. هناكَ..
رمادا تناثرني..
ثم أيقظ شوك الحصى..
شجرا للفحيح المرتِّل أفعى مداه.. هنا..
وأعمَّ السكوتْ..
كان خلخالها مارقا..
وضع الخنجر المرَّ في كتفيَّ..
دماءً تدفَّقني..
ثم سيَّجني بالصهيل المفاجئِ..
رملا تجمَّدني..
+++
قال لي صاحبي إذ رأى الشمس غاربةً..
والرمالَ على جسدي..
والسماءَ مهيأة للرحيلْ:
دلني..قدمي لا تحدد هذا المكانَ..
ولا جسدي..
دلني.. قد نأيتْ..
قلت: بوصلة العمر في قدمِي لم تعد تترصَّد
صوتَ الجهاتِ..
وقلبي الذي كان قد ضمني في البعيدِ..
وهيأ لي ولك الأرض طُورا..
وشق الصخورَ.. مضى..
قال لي : ولكن قلبِي هنالك يخفقُ..
مد يديك إلى الصدرِ ..
عانق صدايْ..
قلت: مر الصدى منذ ألف سنه..
ولم يبق من جسدي ما يضاهي الضبابَ..
ولا فتحَ لي..
قال: لا تبتئسْ..
أماما.. إلى الخلفِ..
هذا الجنوب..شمالا.. أرى..
قلت: ها قد بدأتَ..
فدل خطاي إذن..
وانتشر في الفصولْ..
قال لي ـ واحتمى بالذهولْ ـ :
هذه الأرض غيما ترى..
أم ترى... ؟...
ثم أوقف ريح الكلامْ..
قلت: كانتْ..
إذا سرتُ سارتْ..
وتمطِر حيث أشاءُ..
ويأتي إليَ خراج فواصلها..
قال: إيهْ..
كان فيجلُنا..
زعترُ الحبِ..
والمدن المشرئبة في القلبِ.. ثُم..
بكى.........................وبكيتْ..
ورأيت السواحل خيط دموع تجفُّ..
وكان المدى صخرة من عويل الظلامْ.
+++
كانت الصخرة الأرضَ فينا..
مشينا إلى العمقِ..
حفت بنا الطائراتُ..
ورتبنا.. واحدا.. واحدا.. سَجَعُ
الإنتظارْ..
لا ماءَ.. لا عشبَ.. قالْ..
عطش مالحٌ..
وأضاف: علينا الرحيلَ..
إلى أين؟.. قلتُ..
إلى أي لونٍ.. أجابَ.. ومد الخطى..
وكان السوادُ جميعَ الجهاتِ..
تساءلت سرا: تُرى.. هل يرى اللونَ؟..
صحت: توقفْ..
تفاجأ .. ثم استدار إليَ..
توقفتُ.. ماذا تريد..ْ؟
أين أنتَ..؟.. سألت مجيبا..
تأمل كفيَ.. ضم البقيةَ.. ثم..
رحلنا معا .. في الشهيق البعيدْ
+++
سنينٌ..
قرون تمرُ.. ونحن هنا..
بنى صاحبي خيمةً.. وبنيتُ..
ومرت قوافل منا إلينا..
أكلنا اليرابيعَ..
هذا الغبارَ..
ووحلا شربنا..
تزوج.. أيضا.. تزوجتُ..
أنجب عشرين/ أنجبتُ..
لم تلد الأرض منا سوى.. لهثِنا..
نبحنا.. معا..
وذبحنا.. معا..
وكنا نبيع الترابَ..
ورمل الحقول الحزينةِ..
صرنا......................... إلى المقبره
+++
أخرجت دودَها المقبره..
كان قرنُ وحيدِ الكلامِ المشتتِ
أشياءَنا..
نطحنا الصواريخَ..
أغرقنها سفنَ الحربِ جَداتُنا..
وهذي القنابل أيضا محونا..

وكنا المحيطَ..
وكنا الخليجَ..
على مد أبصارنا وسدتنا الجبالُ
شواهقَها..
وانتعلنا البريقَ..
وكان الكلام الذي بدءُنا..
شوارعَ هذا الزحامْ
+++
في الزحام مشينا..
رأينا الحوانيت محشوةً بالنعاسِ..
على الواجهات تدفق سيل الفصول
الأخيرةِ..
هل نشترِي القمحَ..
أم نشتري اللعب البجعاتْ..؟ قال لي صاحبي..
ثم مرر خطوتَه للرصيف المقابلِ..
أم ندخل الرقص.. هذا الغناء
الطويلَ؟..أضافَ..
تُرى.. أم نطيرْ؟..
كان لي حائطٌ.. وحصيرْ..
أيقظت صمتَها الكلماتْ..
كانت الأرض دائرةً في القتيل الذي ما
مضى..
كانت الطفلَ يرفع كفيهِ..
هذا الحذاء الممزقَ..
حِرْزَ النعيق على عنقي..
وسواد السياط التي التهبتْ في الجسدْ..
كانت الأرضُ........................ هذا الكبدْ..
وكنا الرصيف المقابلَ..
شارعَ هذا المكان الذي ...........لا يلدْ
+++
سنينٌ..
قرون تمر.. ونحن هناكَ..
مشى صاحبي خطوتين إلى الخلفِ..
كنت مشيتْ..
كان في ظننا أن نسير إلى الأرضِ..
أن نجعل الأرض فينا دما..
وسواعدَ من وهج الحرِّ..
لكنها.. شوكة الدود فينا تعرتْ..
وجرت خطانا إلى الخلف أكثرَ..
غاصت بنا في الزفير الصديدْ..
كان في ظننا أن نغنيَ أسماءنا:
طيبا وسعيدا..
عليا، حميدا..
أبا ذرنــــــا..
وفاطمةً، آمنه..
كان في ظننا..
لكنها القبضة الخائنه..
مزقت رئتينا..
وألقت على جسدينا الذبابْ.
كان في ظننا أن نغنيَ أوطاننا:
يمنا وصعيدا..
عراقا جديدا..
وبحرا وبيدا..
وأوراسَنــــا..
كان في ظننا..
لكنها اللعنة الشائنه..
مزقت جسدينا..
وألقت على كبدينا العُقاب.






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: