ينام مكاني غريب - طه الصياد | القصيدة.كوم

شاعر مصري (1992-)


410 | 0 | 1 | 0



ينامُ مكاني غريبٌ
ويقرأُ أسرارَ ليلي
يعششُ في جسدي كالعناكبِ
يمشي على خطوتي كالعقاربِ
يقفزُ مثلَ الأرانبِ
إذْ تتكاثرُ في لغتي!

ربما كانني مرةً
ثمّ صارَ هو المسخَ
أو صرتُ حينَ انكسرتُ
كسربِ طيورٍ
بقاياهُ
في جسدٍ ليسَ لي!

ربما كانَ غيري
فصرتُ سوايَ
وصارَ أنا
واختلفْنا
على مقعدٍ واحدٍ
في القطارِ الأخيرِ
إلى قريةٍ،
كنتُ إحدى فراشاتِها النائماتِ
على أولِ الضوءِ
ليستْ تعضُّ الهواءَ
ولا تجرحُ الوردَ
حينَ ينامُ،
وسنبلةً
في الربيعِ اختبأتُ
وفي السنبلاتِ
ولونتُ وجهي
بلونِ النخيلِ المطلِّ على اللهِ
من ثغرةٍ في السماءِ!
وغنيتُ
ما يتغنى بهِ الناسُ
في حفلاتِ الزواجِ الصغيرةِ
آنَ تُدَقَّ الطبولُ
وتجتمعَ الأمهاتُ على جسدٍ طيبٍ
داخلٍ في الحياةِ
كرمّانةٍ
تتهيأُ للعرسِ
منذُ زمانينِ مرّا
ولم يبقَ منهُ سوى لوعةٍ
أشعلتْهُ سدىً
وانتظارٍ طويلٍ
بكيتُ لهُ
حين غابَ الحبيبُ
فرحتُ له حينَ عادَ!

فهلْ كانَ ذاكَ الغريبُ أنا
أمْ هوَ الآخرينَ
إذا اتحدوا طلقةً في ذراعي
وقنبلةً
قد تفجرُ بيتي الصغيرَ
ومكتبتي؟!

لا أنا من يعودُ إلى البيتِ
حين أعودُ
ولكنْ يعودُ إلى البيتِ
دوني الغريبُ
ولستُ الذي يشتهي
حينما أشتهي سيداتٍ
عرفتُ كحبّاتِ مانجوْ
ولكنّ منْ يشتهي دونَ قلبي، الغريبُ
يكادُ يكونُ الغريبُ أنا
وأكادُ أكونُ الغريبَ!

وإني لمضطربٌ دائمًا
خائفٌ من غدي
منْ غريبٍ ترصدني
منْ دمٍ في دمي
يتسلى بأوردتي
منْ يدٍ
أشعلتْ في يدي
غربةَ الجسدِ المطمئنّ
إلى أنه لم يكنْ في القطارِ!

أكانَ هوَ العابرَ المتوترَ
بين الجهاتِ التي أتلفتني مرارًا
وما أوصلتني إلى غايتي
سالمًا مرةً،
هل هو الجالسُ الآنَ
في زيهِ العسكريّ
على مقعدٍ،
يقضمُ الوقتَ
تفاحةً للجنونِ
ثقيلاً وليسَ يمرُّ
أمْ المتجولُ في الذكرياتِ البعيدةِ،
تلكَ التي لا أزورُ اكتئابًا وخوفًا؟!

أنا خائفٌ
ربما كانَ لا ينبغي أنْ أقولَ
أنا متعبٌ وأخافُ
ولكنني اعتدتُ منذُ البدايةِ
ألا أكذّبَ قلبي
إذا قالَ لي أنتَ لستَ سواكَ،
أصدقُهُ
لو تأملَ عينيّ
ثمّ رأى أنني آخرٌ
سوف أبحثُ في ذكرياتيَ عني
ولوْ خانني مرةً
لستُ أغضبُ منهُ
إذا خافَ خفتُ
ولا أطمئنُ سوى بالإشارةِ
أخفيهِ بينَ الجداولِ والسنبلاتِ
إذا طاردَ المجرمونَ
هدوءَ عصافيرَ
نائمةٍ في عشوشِ ضلوعيَ!

والليلُ تفاحةٌ
لمْ يزلْ آدمي خائفًا منْ غوايتهِ
ربما صارَ هذا الغريبُ غريبًا
لأني أخافُ منْ الحلمِ
والذكرياتِ
التي غمضتْ مثلَ تفاحةٍ
في أساطيرَ
قدْ قدَّسَتْها السلالةُ
من عريِ حواءَ،
من ليلِ آدمَ،
من حبةِ التوتِ في نهدِها،
منذُ أنْ لاحظَ البشريُّ طبيعتَهُ صدفةً:
شهوةً للحياةِ،
صراعًا على الماءِ
والعشبِ
والمعدنِ المتآكلِ،
والكونُ يصغرُ!

فكرتُ في الأمرِ
فاختلطَ الأمرُ
كانتْ يدايَ
كسنبلتينِ مشردتينِ على الريحِ
جسمي هزيلًا
وعينايَ شاحبتينِ
أحملقُ
فيما يحملقُ فيهِ الغريبُ
وعبرَ المحطةِ،
في الناسِ،
في الكائناتِ الغريبةِ
والكائناتِ الأليفةِ
في الشمسِ والظلِّ
في المستحيلِ وفي الممكناتِ
وفي الشجرِ المتسارعِ
عبرَ نوافذِ ذاكَ القطارِ
إلى قريتي
في الشمالِ البعيدِ

أفكرُ في الأمرِ
حينَ أفكرُ في الأمرِ
يختلطُ الأمرُ!

قد صارَ هذا الغريبُ حصارًا
لحريتي
في الذهابِ إلى البيتِ
وحدي
بلا غرباءٍ
ولا ظِلَّ لي
خطوتي خطوتي
لا سوايَ يسيرُ معي
لا سوايَ على مقعدي
لا سوايَ يشاركُني قهوتي
لا سوايَ يشاركُني حصةً في دمي
لا سوايَ يشاركُني الأغنياتِ التي لا أحبُّ سواها!






الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)