كالعادة، ينسى نفسه! - طه الصياد | القصيدة.كوم

شاعر مصري (1992-)


933 | 0 | 0 | 1



ينسى أنْ يحيا
ينسى حبَّ امرأةٍ
أشهى منْ إصبعِ موزٍ
أنْ يبكي
أنْ ينعسَ كالناسِ
وقدْ تعبتْ في البردِ مفاصلُهُ
وأصابَ صداعٌ رأسَهْ
كالعادةِ ينسى نفسَهْ!

لا أحلامَ لديهِ
ولا أصحابَ
ولا قمرٌ بالشرفةِ جاءَ
ولا طيرٌ حطَّ
ولا موسيقى اندلعتْ
منْ مذياعٍ
إلا موسيقى حربٍ
أخذتْهُ صغيرًا يحلمُ
كي يصطفَّ كباقيةِ الجندِ بحضرتِهِا
ويصيرَ عدوًا ليديهْ
ولأشجارٍ يغرسُها بيديهْ

كان أليفًا كالقطِّ
وصارَ عواءُ الذئبِ قريبًا من بحتِهِ
كان يموءُ
وصارتْ رشاشاتُ النارِ ذراعيهْ

انكسرتْ أغنيةٌ في فيهْ
اشتمَ الأنفُ الموتَ
فصارتْ رائحةُ الموتِ أغانيهْ!

ينسى أنْ يصغيَ للنحلةِ
وهْيَ تطنُّ
وللزهرةِ
وهْيَ تفوحُ
وينسى أنْ يرجعَ للبيتِ!

رفيقُ النايِ توحشَ
صارَ رفيقَ الدباباتِ
وصارتْ داناتُ الدباباتِ أصابعَهُ!

يا بؤسَ العالمِ
كمْ قتلوهُ
فعاشَ غريبًا في خندقهِ!

...
أغنيتي لا تشبههُ
كانتْ تشبهُهُ في السهلِ غزالاتٌ
في المنحدرِ وعولٌ
مثلَ زرافاتٍ
كانَ يطلُّ على العالمِ
كانَ صديقَ الأرصفةِ
حبيبَ الباراتِ المفتوحةِ ليلًا
إنسانًا مرتبكًا دومًا وخجولًا
ونبيًا مشغولًا
بالأفكارِ الكبرى
أغنيتي لا تشبهُهُ
- لا الأيامَ الماضيةَ
ولا الأيامَ الحاليةَ -
فمذْ صارَ مصابًا بالنسيانِ،
اختلفا
مذْ صارَ غريبًا عن ناياتي،
نزفا

أغنيتي لا تشبهُهُ
لكنْ يشبهُ نفسَهْ
لا يشبهُ في الباراتِ المفتوحةِ ليلًا ونهارًا
إلا كأسَهْ
لا يشبهُ تحتَ السقفِ الممتدِّ سماءً منْ أحزانٍ
إلا حدسَهْ
لا يشبهُ بينَ أغاني العالمِ إلا حسَهْ!
...
وأنا منشغلٌ بالقمرِ الناعسِ في الشرفةِ،
أنساهُ
وينساني
ونصيرُ غريبينِ
كأنّا لمْ نتعارفْ يومًا
لمْ نسكنْ ذاتَ الغرفةِ
لمْ نسمعْ نفسَ أغاني الحبِ
ولم نعشقْ سيدةً واحدةً
لم نتشاركْ فنجانَ القهوةِ
لم نشعلْ في الليلِ
لفافاتِ التبغِ المحشوةِ
بالهوسِ الزائدِ بالجنسِ
وبالقلقِ الزائدِ
بالخوفِ الزائدِ
بالحيرةِ والشبقِ الزائدِ
بالحبِ المجنونِ
وبالرغبةِ في اللاحبِّ!
نصيرُ غريبينِ
كسنبلتينِ
ائتلفا واختلفا
تكسرُنا ريحٌ
وتعرينا أسئلةٌ
نتشظى كالأشعارِ الحالمةِ
فنسقطُ مثلَ غريبينِ بحادثةِ قطارٍ!

حينَ تصادفَ أنْ جلسَ أمامي
كانَ البنطالُ الأسودُ بنطاليَ
والخطُّ الأسودُ حولَ العينينِ
هو الخطَّ
النظرةُ أعرفُها
وابتسمَ
كأني منْ يبتسمُ الآنَ
خطوطُ الكفينِ خطوطُ الكفينِ
وكانتْ طرقٌ واحدةٌ
ومحطاتٌ واحدةٌ
رائحةٌ واحدةٌ
وضياعٌ واحدْ
كانَ الزائدْ،
أنَّ الحزنَ كبيرٌ في عينيه!

وأنا منشغلٌ بالوردةْ
بجمالياتِ الوردةْ
بالرائحةِ وبالساقْ
منشغلٌ بالأوراقْ
بالشرفةِ
حين تكونُ الوردةُ ناعسةً
قربَ الفنجانِ
أمامَ القمرِ الناعسِ
كالعينِ الدامعةِ
القمرِ المفتوحِ
رسالةَ حبٍ
لامرأةٍ
تتشهى رجلًا غائبْ!
أتخيلُ أنَّ سوايَ أنا
وأشمُّ مصادفةً رائحتي
في قمصانِ سوايَ
كأنَّ الأرضَ تدورُ بنا
وتعيدُ حكايتَنا
إذْ نكتبُ نفسَ الأغنيةِ السابقةِ
كأنّا لا نكتبُ نفسَ الأغنيةِ السابقةِ
كأنّ القمرَ الذائبْ
قطعةَ سكرْ
في صحنِ سماءٍ واسعةٍ ليسَ لنا!

وأنا منشغلٌ بالعمرِ الضائعِ في عمري،
أهواكِ
فيا بنتُ اتحدي بي
كي أكملَ أقمارًا ناقصةً
في شرفةِ بيتي
كي أمنحَ صوتيَ
زقزقةَ عصافيرْ
وفضاءً ليطيرْ
أغنيةً يتغنى الثوارُ بها
أجنحةً ومناقيرْ
عشًا ليعودَ صداهُ إليّ
إذا ناديتُكِ في ليلي الباردِ
مثلَ العادةِ
لكنْ لم تنتبهي
ما أصعبَ ألا تنتبهي!
كانَ يغني،
والنايُ هو الشفتينِ
أصابعُهُ التبغَ المشتعلَ
القهوةَ عيناهُ
وكنتُ أرانيَ
عبرَ النظراتِ الغامضةِ إلى السقفِ
أرى في الممشى ظلي
يزحفُ إثرَ خطاهُ
وقلبي يزحفُ!
لي أجنحةٌ ومناقيرْ
أجنحةٌ ومناقيرْ
لكنْ لستُ أطيرْ!

العسسُ السائرُ في الليلِ
يطاردُني
ويطاردُهُ
لا نتحاورُ
لا نتحدُ لنوقعَ بالأعداءْ
لا ننتبهُ إلى الشبهِ الواضحِ بين الخوفينِ
ولا نفترقُ لنصبحَ أعداءْ!
نختبئُ وراءَ جدارٍ واحدْ
في الليلِ الباردْ
دونَ حديثٍ أو أسئلةٍ
لا نتأملُ أنّ مصيرًا واحدْ
في الليلِ الباردْ
يجمعنا خلفَ جدارٍ واحدْ
وسؤالٍ واحدْ
ويعذبُنا
كالغرباءِ نصيرُ
كأن لا أتذكرُهُ
أو لا يتذكرُني
لا أعرفُ حتى أنّ ملامحَ وجهي باديةٌ في وجههْ!
لا أعرفُ صوتيَ في صوتِهْ
لا أعرفُ بيتيَ في بيتِهْ
لا أعرفُ موتيَ في موتِهْ
لا أعرفُ أنّ الدمعةَ في عينيهِ تسيلُ على خديَّ!
....
سماءً لي، لحبيبي
لحذاءِ حبيبي
ولأنفِ حبيبي
ولكفِّ حبيبي
ولتوتةِ نهدِ حبيبي
ولأقمارِ حبيبي
لقواربِ بحرِ حبيبي
ولنجمةِ دارِ حبيبي
لينابيعِ حقولِ حبيبي
لحبيبي، أكبرْ!
وسماءً لي
لغريبٍ يشبهني أو أشبهُهُ!
...
...
لارا، لارا
لم أعرفْ إلا زنبقةً صوتَكِ!
لارا، لارا
لم أعرفْ إلا قنديلًا صوتَكِ!
لارا، لارا
لم أعرفْ إلا ملحمةً صوتَكِ!
لارا، لارا
كان يفضّلُ مثلي أنْ يستمعَ إلى لارا فابيانْ
يعشقُ لارا فابيانْ
ينسى لارا فابيانْ
ينسى ما غنتْ لارا!

لارا، لارا
كانَ الحدادونَ
إذا لانتْ أقمارٌ للحدادينَ
يغنونَ
وكانَ النجارونَ
إذا لمعتْ أقمارٌ بينَ الأخشابِ
يغنونَ
وكانَ النساجونَ
إذا غزلوا قمصانَ سماءٍ واسعةً
للعشاقِ
وللشعراءِ
وللمحتاجينَ
يغنونَ
وكانَ النحاتونَ
إذا نحتوا منْ أحجارٍ أقمارًا للثوارِ
يغنونَ
وكانَ الفلاحونَ إذا زرعوا أو قلعوا
بينَ الأعوادِ الخضراءِ يغنونَ
وكانَ العشاقُ إذا عَشقوا أو هَجروا
يحصونَ النجماتِ
وبين النجماتِ يغنونَ
اشتعلي يا ثورةْ
فالثوارُ حديدُ!
كان الحدادونَ يغنونَ
ويا لارا
تجرحُني الأغنيةُ الشعبيةُ
يجرحني الطربُ العربيُّ!
لأنكِ يا لارا
أغنيةٌ لا تشبهُ شعبي
أهديكِ لشعبي!
لملائكةٍ
يحتفلونَ بشعبي
إنْ قاومَ طاغيةً
أو حرّرَ سنبلةً
أو غنى !
لارا يا لارا
غني للشعبِ المهزومِ لينتصرا
غني للقلبِ المهزومِ ليختصرا
سيدةً في حبةِ كمثرى!
غني يا لارا
غني
فالحائطُ جاري
وظلامُ الغرفةِ أنهاري ومداري!
غني يا لارا
فالأغنيةُ العربيةُ
في هذي اللحظةِ لا تسعفُني!
غني!
لا قلبي لا الغزلانُ طريدةْ
كمْ أنتِ بعيدةْ
غني يا لارا
غني
فالأغنيةُ العربيةُ
في هذي اللحظةِ لا تسعفُني!
لا قلبي لا الغزلانُ طريدةْ
لكنّ الصيادينَ يغنونَ
فغني
قدْ يختلفُ معَ الوقتِ الصيادونَ
وقدْ ينتصرونَ
لحسٍ إنسانيٍّ داخلَهمْ مرةْ!
غني
واشتعلي يا ثورةْ!
فالثوارُ حديدُ
والكونُ مواعيدُ
ذابلةٌ ونشيدُ
ذابلْ
في غرفةِ ليلي القاتلْ
غني
ما أجملَ صوتَكِ يا لارا!




الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)