ثَقبٌ في ذاكرتي لا يكفي - وسام دراز | القصيدة.كوم

شاعر مصري يعيش في قرية بسيطة (اسمُها ميت حبيب) بمحافظة الغربية وينتمي إلى أسرة تحب الشعر والفن (1995-)


753 | 5 | 0 | 1




أتذكَّرُ
لم يَكُنِ الزرعُ اسْتغفلَ جارَتَهُ الأرضَ
وأفقَدَها عُذريَّتها،
وامتدَّ على أغصانِ خَطيئتهِ أجراسًا ومآذِنَ..
لم تكنِ الأعشاشُ قد اختُرِعتْ بعدُ،
لأن الأشجارَ جميعًا
كانت عصفورًا
حيثُ الأرضُ سماءٌ
والماءُ عناقيدٌ تَتدلَّى للأعلَى!

أتذكَّرُ أيضا
ظَلَّ النهرُ ابن سحابتهِ
حتى ابْتكرَا معًا الرِّحلةَ والمَرْكِبَ والشطَّينِ،
فحَفَرَا بينهُما بَحرًا في الريحِ
تنامُ عليه الذكرَى جِسرًا وسَلالِمَ
....
كانت شمسُ اللهِ فتاةً
تَفْرِشُ بالظِّلِ على أرصفةِ السوقِ
وتَكسبُ لُقْمتَها مِن عَرقِ جَبينِ الناسِ الجافِّ
لتَنعسَ راضيةً
فارِدَةً فوق القمرِ غَدائِرَها
ومُدلِّيةً صورتَها في ذاكرةِ الفلاحينَ حشائشَ وأرانبَ...

أتذكرُ كان غزالٌ يَجري في صحْراءِ صَبابتهِ،
لما سَقطَتْ منهُ غَزالتُهُ
ضمَّدَها السَّهمُ:
أنا أعتذِرُ،
لأن صديقي لم يُطلِقْني
إلا كي أَكسِرَ لكُما حَجَرًا
يَخبُو فيهِ العُشبُ..

....
تذكَّرَ..
ظلَّ يقول: أنا أتذكرُ
....أتذكرُ
ألَّفَ ذاكرةً تَطلُعُ منها الشمسُ عليهِ
وأسماءً لا يُشْبهُها الناسُ
سوى بنتٍ لا تَنبشُ عَينَيهِ
لتُوقظَ صورةَ من تَركُوهُ،
رمَى كَفَّيْهِ
بفَلسفةٍ قال لعَرَّافَتِهِ:
إنَّ المُستقبلَ وَلَدُ البارِحةِ
وإن الأيامَ مَرايا في وَجهِ مَرايا،
لا أحتاجُ سوى ثُقبٍ في حجْم فَراغي
أُطفئُ فيه التبغةَ
كي أحترقَ
وأَخرُجَ مِن فتَحاتِ السَّقفِ
دُخَانًا في رِئَةِ الغيمةِ
تَعصرُني نِسيانًا فوق الدُنيا
حتى يُحْيِي الناسُ تَعارُفهَمْ في كلِّ لقاءٍ،
لن يرحلَ أحدٌ كي يَنتظرَ سِواهُ،
سأنتظرُ أنا..
أكتبُ ذاكرتي
وأُدوِّنُها في ثُقْبِ دِماغي،
أَهدمُ غُرفاتي في أَبْنِيَةِ الوقتِ
،وأحرقُ حتى جَسدي
ما دامتْ تَعرفُني الكَدماتُ،
وأُخْبرُ جَلَّادي
أن الشمسَ تُباغِتُني
مِن شُبَّاكِ مَنامي كلَّ مساءٍ
حتى يَعْدِمَ زُوَّارَ الليلِ،
وأن رُطوبةَ سورِ الحبسِ
تُسرْسِبُ لي عَرَقَ الرُّفَقاءِ
ليَسألَهمْ عني ويَعُودَ إليَّ،
فأشْنُقه.. ُ
حتى لا أَعْرِفَ كُنْهِي
وأَظلَّ وحيدًا

أطفئُ في ذاكرتي التبغَ
وأَنْفُثُ في عَينيَّ دُخاني.




الآراء (1)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: