خزّافُ الرؤى - هندة محمد | القصيدة.كوم

شاعرةٌ تونسيّةٌ (1980-) الرومنسيّةُ تسقي قصيدتها بماء العذوبة.


2007 | 0 | 0 | 0




1-
عند الرّصيفِ قصيدةٌ ترتاحُ من عطشِ النّهارِ
وتَرقبُ المطرَ العنيدَ يطلُّ ملتحفًا بقحطِ العابرين

تحت السّماءِ سماؤه المستنـزفةْ
والرّيحُ آخرُ أمنياتِ الماءِ تنثرُهُ احتراقًا للحكايا الدّاكنةْ

فوقَ الرّصيفِ هناك...طفلٌ عاشقٌ
يقتاتُ من جوعِ المرايا
الجرحُ فيه مدينةٌ غارتْ خطاها في الزّحامِ
وغادرتْها الأمكنةْ

وعلى ضفافِ الأحجياتِ نشيدُها
والّصوتُ غيمٌ طاعنٌ في الذّنبِ
حين تمرُّ بين الرّاحلين قيامةً لا روحَ تحملُ وزرَها

أترى تشيخُ دُمًى بأرضِ الفقدِ تنتظرُ الغناء؟
أترى تحنُّ لها الخطايا المزهرات بحقلها؟
أم أنّ أسماءَ الغيومِ تناثرتْ والكفُّ جفّتْ من بقايا السّنبلةْ


2-
تاهَ الغريبُ بدمعةٍ
هو طفلُها المبثوثِ في عبثِ الوصايا نجمةً
- لا تفتحي بابَ السّماءِ لدهشتي
أو لا تظنّي أنّ إسمي شاخَ من فرطِ الغيابِ
النّهرُ شبّاكُ المدى
ودَمي تحلّلَ منذ دهرٍ من سحابِ الغابرين

تاهَ الغريبُ بحزنِهِ
لا تحزني يا طفلتي
وجهُ المدينةِ نائمٌ والأرضُ حين هوتْ حجارةَ عمرِنا
نسيتْ خرائطَها القديمةْ
لا تعتبي يا دُمْيتي فالطّفلةُ المفقودُ فيها صوتُها
كانتْ تغنّي للرّعاة المارقينَ دَمًا يفيضُ على الضّفافِ.. يثيرُها

تاهَ الغريبُ بعشقِهِ
هو عاشقٌ والقلبُ طينٌ للبداياتِ العقيمةِ
والنّهارُ يدٌ تزخرفُ ما تكدّسَ من لغةْ

3-
هذا مكانُ الحلمِ أبَّنَ ليلَهُ.....
والرّوحُ تبكي ذُلَّها/ عطشَ المدائن
والمواويلُ انتصارٌ للغبارْ

كانتْ تُهَيّئُ موجَها للرّيح...
تستسقي الغمامَ لعشقِها
ولقد رمتْ قحطًا بأمطارِ الكلامِ
و أنبتتْهُ...قصيدةً

كانتْ حروفُ الرّوحِ تُحيي نهرَهُ
هو مؤمنٌ أنّ انهمارَ القلب ينبتُ عشبَها
والضّوءُ في حقلِ البكاءِ.. ثمارُها
نثرُ المواويلِ البعيدةْ
هو عاشقٌ للطّين...خزّافُ الرّؤى
قد لا يطوّعُ عريَها..
قد تعتريها رعشةُ الأصواتِ
حين يلوذُ باللّغةِ المحالُ
وقد تزفُّ لها الكمنجاتُ الغريبةُ عن خطاها
نزفَ أسماءٍ توارتْ في الضّبابِ وأنهكتْها الأسئلةْ
لكنّ لحنَ الشّوقِ أشهى في الغيابِ
يمرُّ مثلَ الضّوء في رحمِ الدخانِ
لتعتريه وتنـزلهْ

4_
نزفًا...فنـزفًا تشتهيه دموعُهُ
وتمرُّ أضغاثُ الحكايا بينه والأرصفةْ
كلُّ الحدائقِ علّقتْ ما بين بابلَ والـ"حنايا" الهاربةْ
ومدينةٌ للعشق غابتْ في غبارِ الأضرحةْ
واللّيلُ ناقوسُ الفراغِ يعاندُ الأشواقَ فيها

ثمّ تحكي والمواويلُ احتضارٌ للخطى:
(قلبي كسيحٌ هذا المساء
ولا عكّازَ أهشُّ به على أشباهِ الضّوءِ
وأصابعُ من ماءِ تتناسلُ بيني
فتورقُ في الغيبِ نجمة)
............
.............................

لي روحُهُ تمرُّ في ليلي غيمةً
لي نافذةٌ أرهقَها الصّدأُ فنامتْ
وبابي الذي أجهضتْهُ يداه
تهدّلَ قبلَ اشتعالِ البياضِ
ولي مدينةٌ من جمرٍ أهملتْها الدّروبُ فضاعتْ في صدري
المدينةُ...طفلةٌ الوقتِ
انتهكوا فجرَها
أسالوا على جرحِها حميمًا
و أنا البصيصٌ نحو مواسمِ النّهار
أشدّ عمري إلى وطنٍ ضلَّ طريقَهُ
وأبحثُ عن قلبي وسط مدائنَ أتلفَها اللّيل)

5_
مثلَ الخطى حين المسافاتُ الشّريدة تُنتَسى
تتهافتُ الأصواتُ في دربِ الغيابْ..
وعن الرّصيفِ المستقيل من النّهارِ الأوليّ لحزنها
تتحدّثُ المغناةُ في وضحِ احتراقِ الأسئلةْ
كلُّ المدائنِ ظلُّها
كلُّ المرايا وجهُها
وأصابعُ المارّين فيها تنهشُ الضّوءَ الذي يجتاحُها
ومن الحقولِ السّافرةْ
يتشكّلُ الضّوءُ العنيدُ كسنبلاتٍ للمدى
قلبٌ شديدُ القحطِ أرخى ظلَّه المعطوبَ فوقَ الأرصفةْ
كانت سماءً تحتسي من غيمِها عطشَ القصائدِ للنّهارْ
كانتْ تغادرُ جوعَها للصبحِ خوفَ الإنشطارْ
ومع انهمارِ اللّيلِ فيها لملمتْ خيماتِها والعابرين
ونامَ فيها الضّوءُ مثلَ النازحين





الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)