مواويل النّعناع - هندة محمد | القصيدة.كوم

شاعرةٌ تونسيّةٌ (1980-) الرومنسيّةُ تسقي قصيدتها بماء العذوبة.


695 | 0 | 0 | 0




مواويلُ النعناع ..


هندة محمد/ تونس



عندي
من الأسماءِ
ما يكفي السدى
لتسيرَ أحلامُ الغريبِ على الهدى

عندي
تراتيلُ اللغاتِ
وغيمُها ما سوف يكفيني هطولاً في المدى

وبعمري المنثورِ
بعضُ سحابةٍ يبكي عليَّ
ويرتمي مثلَ الندى

هذي مواويلٌ
قطفن سنابلي
حتى استفاقَ الطينُ مجروحَ الصدى

هذا المساءُ...
كدهشةِ النّعناعِ في كأسِ النّدى
هذا المساءُ
وعشقُكَ المخضرُّ مثل حكايةٍ في شايِها
أو بعضِ أغنيةٍ تقطّرَّ طيبَها
لضفيرةٍ في شعرِ هذي الجدّة السّمراءِ
يا نعناعَها .. فرحُ القصائدِ حين ينثرنا الصّدى
قمحاً على شبّاكِها
أو بعضَ أقمارٍ و نجمةْ...
كم تشتهينا شمعةً كي تغسلَ اللّيلَ المعتّقَ في الضلوعِ
وتشتهي طفلاً يلفلفُ جرحَها وسط البياضِ
هذي المدينةُ لم تزلْ تطهو على نارِ الغيابِ صغارَها
وتهدهدُ الغولَ الوديعَ ببعضِها كي لا يجوعْ
سمراءُ مثل صحيفةٍ بليتْ بصمتْ الأمكنةْ
والصمتُ يكملُ للغيابِ حكايةً :

والرّيحُ
تدنو من جراحيَ خلسةً
كلُّ النّدوبِ
أضاعَها التّرحالُ

لا خوفَ من نزفِ الغمامِ
إذا ارتمى بين الضّلوعِ فصوتُهُ موّالُ

خذْ من دروبي
ما تبقّى من خطىً
بعضُ الدروبِ
تهينها الأحمالُ

الحزنُ
بابُ الروحِ قبل غيابِهِا
ولكلِّ بابٍ للرّؤى أقفالُ

تشتاقُ صوتَ الرّيح يطلعُ من أكفِّ المتعبينْ
تحتاجُ توتَ الحرفِ
هسهسةَ الخطى ..بين الشّوارعِ عمرُها ينسابُ من غبشِ المدى
للجدّةِ السّمراءِ ألفُ قبيلةٍ
تفتضُّ فيها عطرَها..
وتشدَّ كلَّ ضفيرةٍ نحو الضّبابِ
لها ببابِ الغيمةِ الكبرى حقولٌ تستبيحُ سماءَها
وتظلّلُ الوردَ الجريحَ بصمتِها
إذ قد تقولْ :
من جمرِهِ
المخبوءِ تحتَ سمائها
يختارُ ما يهديه عندَ لقائها

هي أرضُهُ الـ ( كانتْ ) تصلي للندى
كم صارَ يدميه احتراقُ ردائها

موصومةٌ
بالوردِ قبل خطئيةٍ للذئبِ
حين يشقُ ليلَ غطائها

في روحِها العذراءِ
يبذرُ دربَهُ
لكنَّ بذرَ التيهِ من آلائها

للجدّةِ السّمراءِ لحنٌ يُقتفى..
ليدوزنَ الوترَ المشرّدَ في الأكفّْ
لم أنس يوماً
خطوةً أولى بدربٍ لا يلينْ
لم
أنس
خبزَ الرّاحلين و ريحَها....
ستُشَدُّ
هذي الأرضُ مثل تميمةٍ في عنقِها
لم
أنس
حتّى ليلَهُم في قلبِها
هي
تشربُ الآن الرّؤى
تتهجّدُ القفرَ المخبّأَ في مرايا عمرِها
هذا النّدى ...
شاياتِها...
و رحيقَ نعناعٍ سها يوماً عن الماضين فيها نخلةً
ونأى عن الموتى وغيمِ المترفينَ
وقال في .. :

قد تنتفي
ويضيءُ فيكَ المعتمُ
حين الخفايا تقتفيها الأنجمُ

ولكَ الحقولُ إذا ارتوت أغصانها جمراً
وفي عينيكَ نهرٌ يضرمُ

والدربُ
بين خطاكَ كشّفهُ الصدى سراً
على مرآته لا يكتمُ

طفلُ المدينةِ مشرقٌ
ومذ احتفى جذعي بسدمِ التيهِ
غابتْ مريمُ

كم تشتهينا كأسُها..
لنُذيبَ فيه خدوشَنا..
ونعتّقَ الجرحَ الأخيرَ
ونبدأَ النّهرَ الجديدَ برشفةٍ من ثغرِها
كلُّ الحقولِ تجرّدتْ من روحِها..
والسّنبلاتُ الخضرُ ما عادتْ تراودُ حلمَها
لكنّ هذي الرّيحَ ..
نعناعُ الحكايا ..
عطرُها
يحتاجنا درباً بلا خطواتِهم كي يستريحْ
هذي المدينةُ لم تزلْ تطفو على صمتِ الحصى
جفّتْ جداولُ قلبِها
موّالُها شوقٌ يرنُّ بكأسِها الغيبيِّ
ما عادتْ ترى أسماءها بين الورى
فجرارُها قد أفرغتْ من عشقِها
ما عادَ للكنزِ القديم خزائنٌ
ما عاد لي فيها مصابيحٌ وجنٌ هاربٌ
ونوافذٌ قد يشتهيها المعتمونْ..

للجدّة السّمراء آياتٌ ضريراتٌ تغني ما تبقّى من ظلالِ الصّبحِ
مازال تغني هكذا :

من
سرِ هذا الغيمِ
في أحداقِهِا
ينسابُ نهرُ البوحِ من أفاقِهِا

ومدينةٌ للظلِّ
تُهدي للورى نجماً
تبقى من ضياءِ عناقِهِا

شاختْ
على سدمِ المرايا مزنُها
حتى جرتْ حبراً على أوراقِهِا

ولريحِهِا الأكوانُ تهفو إذ ترى ليلَ السّدى
ينهالُ من إشراقِهِا

الشّايُ صوتُ الرّاحلين الغائبين بحسنِها
شايُ الحكايا لم يعتّقْه البكا
سيكون جمراً في فراغِ الأمكنة
وسيحرقُ الغيمَ الغريبَ بعشقِهِ
أو يخرجُ..
من قمحٍ هذي الأرضِ آياتٍ كصرخةْ
كم أنّ صمتَ الجدّةِ السمراءِ أكبرُ من غبارِ الأسئلةْ
كم أنّها حين المرايا قد ترتّبُ سربَ أسماءٍ سرى بين الضلوعِ وبينها
تنسى اللّغةْ.............
أو تكنسُ الكلماتِ من حصرانِها
أو تستعيدُ حكايةً تشتاقُ للأمسِ الوسيمِ
الشّايُ طعمُ الأرضِ
أنهارُ الرّؤى
يشتاقُها
لا صوتَ فيه يلعثمُ الدّربَ الخجولَ
ولا يدٌ تمتدُّ خلفَ ضبابِها كي تقطفَ المطرَ/ الخطى
لكنها في ساعد الأشجارِ وشماً جاء فيه :
هذي رؤانا الغافيات كما الشفقْ
لا صحوَ يغريها بشوقٍ أو نزقْ

ويمرُّ طوفانُ الخطايا..
جمرُنا تنساب منه مدامعٌ حد الغرقْ

بي ما تهافت في الشقوقِ من الحصى
كالذّنبِ حينَ ترشُهُ كفُّ القلقْ

تاهتْ
مواويلي تقاذفَها السدى
هو صوتُها المنفي منها ينعتقْ





الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.