شاعر فلسطيني حاصل على الدكتوراة في الأدب أصدر أكثر من 50 كتاباً أدبياً (1958-)
595 |
0 |
0 |
0
0 تقييم
إحصائيات تقييم قصيدة "هي أُمّي" لـ "المتوكل طه"
عدد التقييمات: |
معدل التقييم: 0
5 star
0
4 star
0
3 star
0
2 star
0
1 star
0
لتقييم وتفضيل ومشاركة جميع قصائد وترجمات الموقع، يتوجب تسجيل الدخول. عملية إنشاء حساب جديد أو تسجيل الدخول لا تستغرق من وقتك دقيقة واحدة، وتتيح لك العديد من المزايا
قيم قصيدة "هي أُمّي" لـ "المتوكل طه"
هي أُمّي 0
مشاركة القصيدة
كلُّ أُمٍّ في حيِّنا هي أُمّي .
من ثوبها الأرضُ،
وفي حضنها يهبطُ المرسلون،
وفوق يديها الجبالُ ورفُّ الطيور التي
صعدت للتلال،
وأردانها الشجرُ الأُرجوانيّ والبرتقال،
وأذيالُه البرقُ لمّا يمور،
وأوسطُه النّحلُ حين يثور،
وأعلاهُ نافذةٌ للمَلاكِ الذي سيدفُّ بأجنحةِ الشَّهدِ
فوق القباب.
كلُّ أمٍّ في حينا هي أُمّي.
أتاها أبي خاطباً فوق بيدرِه،
والمراعي فضاءاتُ نايٍ جريحٍ.. ينادي
على فَرَسٍ صهلتْ.. فارتوى من نهاراتِ فضّتِها،
أو حَنَتْ مثلَ سنبلةٍ أخذتْ طولَها من نداءِ الربيعِ،
فكانت شقائقَه في الهضاب.
كلُّ أمٍّ في حيّنا هي أمّي.
يفحُّ على صدرِها الصقرُ، في عتمةِ البيتِ،
من تعبٍ في النهار،
فتحملُ بالنَّهرِ، تُلقيهِ ما بين إخوتهِ في القِفار،
وترجعُ حتى يُحمّلَها سرجَه، أو يغيبُ..
وقد لا يرى زغباً في الخدودِ،
فقد شغلته البراعمُ عن زهرِ أبنائه في اليباب.
كلُّ أمٍّ في حيِّنا هي أُمّي.
نُطاولُ بعضَ الغزالاتِ،
نحمل كشكولَنا للصفوفِ،
لنكشفَ عمّا يُحيطُ بنا في البلادِ،
فقد أخذتنا البلابلُ في نُزهةِ الريحِ معها،
فنلقى على الغيمِ وحشاً أليفاً،
يرتّبُ أحجارَنا، ثمّ يلعبُ معنا،
ويُلقي بنا في البعيدِ البعيدِ،
فنلهثُ من عَدْوِنا في بياضٍ مديدٍ..
ونأتي على وردةٍ لا حدود لها،
إنها مثلُ بيتٍ كبيرٍ،
فنصعدُ أسوارَها.. ثمّ تمضي بنا
مثلَ مركبةٍ أو شهاب!
كلُّ أمٍّ في حيِّنا هي أمّي.
تجيءُ لنا كي ننامَ بغولِ الحكاياتِ،
تُحضِرُه هادئاً مثل ساعتها،
وتُطعمه ما يريدُ، وتكسرُ قرنيْهِ،
كي لا يشرّ بعينيه في الطفلِ.. وهو ينوحُ
ويبحثُ عن أُمّهِ في السراديبِ،
إذ أخذوها، وخلّوهُ منفرداً في الضياعِ،
وما من أبٍ يحضن الطفلَ،
لكنّنا قد سمعنا نداءً خفيّاً يندُّ من القبرِ
ينْدَهُ: يا ولدي.. يا فؤادي المُصاب..
ونلمحُ دمعاً ترقرقَ من وجهِ أُمّي،
وتهمي علينا،
وتحنو بكامل لؤلؤِها..
ربّما هَجستْ أنها لو تموتُ سنفقدُ حضنَ الأُمومةِ
أو سنتوهُ على عوسجٍ في العذاب.
كُلُّ أُمٍّ في حَيِّنا هي أُمّي؛
أُنادي عليها فتضحكُ قبلَ الكلام،
وتكشفُ عن لؤلؤٍ في الظلام،
وتتركُ أزهارَها حيثُ سارت،
وتنشرُ أطيابَها في الثياب.
كُلُّ أُمٍّ في حَيِّنا هي أُمّي؛
صوتُها واحدٌ لا يُبدّل أحرفَه،
حين تنهرُنا واحداً واحداً،
كي نعودَ إلى لغةٍ أو حساب..
وتحملُ عكّازةَ الجَدِّ، تلحقُنا
دون أنْ تضربَ الرّاكضين، وتضحكُ،
ثمّ تُهدّدُنا أننا لن ننالَ الذي قد أعدَّته..
في طبقٍ من رُضاب.
نأكلُ،
ثمّ تُلَمْلِمُ ما ظلّ في الصّحنِ، تمضغُه،
وهي تشرقُ كالشمسِ بين السّحاب.
وفي رمضان؛
نحملُ فانوسَنا في الليالي..
ندورُ على الحيّ بيتاً فَبَيتاً،
ونعلنُ أنَّ الصيامَ غداً !
ثم ندعو بأهزوجةِ الشَّهرِ للناسِ..
نسألُ أنفسَنا: هل نصومُ غداً؟
نعم، سنصومُ إلى الظُّهرِ، مثلَ البلابلِ،
ثمّ نكرُّ إلى ساحةِ الليلِ.. حتى السّحور،
ونعرف أنّا سنفطُر في السِّرِّ،
أو ندّعي أننا لم نطقْ عطشاً..
قد تطاولَ في شهر آب.
وفي العيد؛ نلبسُ أجملَ ما تدّعيه الطواويسُ،
قد يتشاوفُ واحدُنا أنه يوسفٌ
في ثيابِ المراجيحِ،
لكنّنا سوف نهزأ منهُ، ونمضي إلى أُمِّهِ،
فتقولُ لنا: كُلُّكم أحسنُ الّلابسين!
ونبقى إلى أنْ تحلّ الجِراب..
ونصرف في الّلهوِ عِيديّةَ الأُمّهاتِ،
ونبقى مع النجمِ حتى الغياب.
وما بين حقلٍ وحقلٍ.. نسوحُ مع الطّيرِ،
نبحثُ عن أيّ عُشٍّ،
وننصبُ مِصيدةً للعصافيرِ، تحتَ التراب،
ونشعلُ موقدةً من شهقاتِ الطفولةِ،
أو نتسلّقُ رُّمّانةً دَبَّغَتْ ثوبَ أعيادِنا بالرّعونةِ،
أو نأكلُ الثَّمرَ المزَّ من شجرٍ فاضَ من كَرَمٍ..
بالعِتاب.
وقد لا أعودُ إلى الدّارِ، خوفاً،
لأنّي تأخّرتُ،
لكنّها تعرفُ الأَمْرَ.. تندَهُ جارتَها: هل أتى؟
ابعثيه!
فأدخلُ،
ترمقني بالعِقاب..
وأمضي سريعاً إلى النوم،
توقفني؛
هل تعشّيتَ يا ولدي؟
ثم تمسحُ رأسي، وتحضنني، أو تغسّل وجهي،
وتطعمني، وهي تقرأ في سِرّها فاتحاتِ الكتاب.
تقول لنا:
لا تنظروا في المرايا إذا حَلَّتِ الظلمات،
ولا تنظروا في عيونِ البنات..
وتعشقُ صوتَ المُرَتِّل،
ثم تقول: اسمعوا لحنَ دمعتِهِ في البيات،
وتبكي، كعادتها، إن تعالَتْ أغاني السجينِ بعكّا
أو .. أجمل الأمّهات،
وتبكي بصمتٍ إذا ما بكى النَّقْشَبَنْدِيُّ
وهو يُصلّي على قمرِ الكائنات،
لها مثلُ رائحةِ الشّهدِ بين الغصون،
ونَفْسُ العيونِ..
وتبكي إذا سقطتْ فَرَسٌ في الضباب.
كلُّ أُمٍّ في حَيِّنا هي أُمّي؛
أُمُّ القريبِ وأمُّ البعيد،
ومَنْ رفَعَتْ بالزّغاريدِ وردَ النشيد،
ومَنْ سرقوا كُحْلَها يوم ماتت،
وعادتْ بعودةِ مِرْودِها من جديد،
ومنْ خَضَّبَتْ كَفَّها بالوريدِ،
ولم تذرف الدّمعَ يوم الخِضاب.
كلُّ أُمٍّ في حَيِّنا هي أُمّي؛
أُنادي عليها بـ "أُمّي"؛
سلمى التي ذابَ خاتَمُها في الطريقِ،
وليلى التي تركوا لَيْلَها للذّئاب،
وزينبُ مَن أخذوا روحَها ذاتَ ضيقٍ
وما انكسرت روحُها في الحِراب،
وقابلةُ الحَيِّ أُمُّ شفيق..
تلكَ التي علمتْ بالبداهةِ؛
أنَّ مَنْ يخطبون على الناسِ، لم يدركوا
أنّهم صعدوا للمنابرِ دونَ ملابسِهم،
وارتَدوا ذُلَّهم..
والعُراةُ يغَطّون عورَتَهم بالخِطاب.
كُلُّ أُمٍّ في حَيِّنا هي أُمّي؛
لن أُعَرِّفَها!
إنّها مثلُ ظاهرةِ البرقِ والرّعدِ،
مثلُ المعابدِ،
أسطورةُ الوردِ،
نايٌ جريءٌ
وأيقونةُ الماء،
ساحرةٌ دون أفعى،
وبهجتُنا حين نمضي
وبهجتنا في الإياب.
تغفو، وتسمعُ ما نامَ مِن حولها؛
من حَمامٍ وزهرٍ وعشبٍ،
على بطنِ أبنائها الحالمين،
فتغمض.. حتى ترى جَنّةً في الخراب.
وتطلقُ من طاقةِ البيت رفَّ النجومِ،
وتبعثُها للذين مضوا في طريقِ الظلامِ،
لتشعلَ بعضَ البياضِ على عتمةٍ في الغراب.
كلُّ أُمٍّ في حَيِّنا هي أُمّي؛
تبكي إذا ما نجحتُ
وتبكي إذا ما رسبتُ
وتنظرُ بوابةَ الدّار.. وهي تنودْ..
وتبقى على درج الدارِ.. حتى أعودْ..
وتبكي إذا غضبتْ من أبي،
وتبكي إذا بُشِّرَتْ بالصَّبي،
وتبدأ باسمِ الحبيبِ وذِكْرِ النَّبي..
وتبكي إذا هتفوا للشهيد،
وتبكي إذا غاب إخوتُها.. ذاتَ عيد،
ولا تتكلّمْ، ولا تتلعثمْ،
وقد تتألمْ، إذا اكتشفت أنّ ماءَ أعمامِها
من سراب.
كَلُّ أُمٍّ في حَيِّنا هي أُمّي؛
تصحو إذا نمتُ،
تبكي بدمعي، وتأكل بعدي،
وتحضنُ رأسي إذا ما مرضتُ،
وتحكي مع الله، ترجوه، إنْ غبتُ أو رُحتُ أو جئتُ..
وحينَ كَبُرتُ اكتشَفتُ، إذا ما مررتُ،
ينظرنَ نحوي.. ويندَهْنَ باسمي،
كأنّيَ ما زلتُ طفلاً..
وينقطُ من شفتيّ الّلعاب.
الآراء (0)
الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.