يَنسى أن يَبكي - وسام دراز | القصيدة.كوم

شاعر مصري يعيش في قرية بسيطة (اسمُها ميت حبيب) بمحافظة الغربية وينتمي إلى أسرة تحب الشعر والفن (1995-)


854 | 5 | 0 | 7



لم يقصدْ أن ينطفىءَ،
ولكنَّ النجمةَ سقطتْ في كَفَّيهِ وذابت!
كان يُغنِّي
ويداعبُ قِيثارتَهُ
حتى الْتفتَ الليلُ إلى رِفْقَتهِ
مُنشغلينَ بدمعتِهمْ عن غِنوَتِهِ،
حَطَّ الليلُ على كتفيهِ ليَسمعَهُ..

كان يُغنِّي للغَيمةِ
للقمرِ المختَنِقِ وللعَتمةِ،
أدخنةٌ تَتسلَّلُ مِن عَينيْهِ إلى الخارجِ
وكأنَّ الضوءَ احترقَ بغابةِ عينيهِ
الشجرُ احترقَ فطارتْ عُصفورةُ نظرتهِ
العُشبُ احترقَ ولم تَنْجُ غزالةُ دَمعتِهِ
خرجتْ أبخرةً من عَينيهِ
ومن شَفتيهِ..

كان يُغنِّي:
مَن بالبابِ؟
افتحْ يا ليلُ البابْ..
افتحْ للريحِ وللبردِ وللأغرابْ....
مَن عِندَكَ يا ليلُ؟
وما يُبكيكَ؟
_لا أحد سواكَ على كتفٍ يَبكيكَ
إذًا لا تَفتحْ يا ليلُ البابْ.
....
لم يَقصدْ أن يَبردَ حينَ اشتعلَ،
وحينَ غَلَتَ دَمعتُهُ في مَكْمنِها
لم يَقصدْ أن تَخرُجَ أبْخِرةٌ من عَينيهِ،
لم يَقصدْ أن يَبردَ
لكنَّ النجمةَ سقطتْ في كَفيهِ وذابتْ
ذابت كالثَّلجةِ
ثُم انسابَتْ....

صارَ وحيدا وحزينًا؛
وكعادته يَتذكرُ أن يَحزنَ
لكنْ يَنسى أن يَبكي،
يتذكر أن يصرُخَ
لكن يَنسى أن يَتبعَ صَرختَهُ،
يتذكرُ مَخبأهُ..
لكنْ ينسى أن يَختبئَ.. وأنْ يَمسحَ خُطوتَهُ،
يَتذكرُ دَوْمًا أن يَسقطَ في الليلِ
ولكن يَنسى أن يُصبحَ نجمًا....
يَنسى أن يَنسى!.
....

مرآةٌ
وهو الآنَ بكامل زينتهِ،
لكن يَنقصُهُ شيءٌ كي يُغلِقَ يَاقَتَهُ الصّلبةْ
يَنقصُهُ أن يُخفي عن صدأِ الرحلةِ خافِقَهُ العُلْبَةْ؛
مشنقةٌ في السقفِ
ورابطةٌ للعُنقِ على مسمارِ البابِ،
فماذا يختارُ لكي يُشعِلَ قَلْبَهْ؟

:الأُولى تتدلَّى للأعلَى
وتشيرُ إلى فُرصتهِ في الطيرانِ
إلى أُفقٍ يُوشكُ أن يُصبحَ بيتًا
وإلى روحٍ توشك أن ترجعَ للبيتِ.

وأمَّا رابطةُ العُنقِ
فتَتدلّى للأسفلِ، وتِشير إلى أرضٍ
لا تُشْبِهُ رَغبتهُ في أن يُصبحَ عُصفورًا.. أو نجمًا
لا تُشبه رَغْبتهُ أن يَدعو بِنتًا لا يَعرفُها للرقصِ.

المشنقة تشير إلى مَوطنَه
والرابطةُ تُشيرُ إلى مَنفاهُ..
ماذا يَختارُ لكي يُشعلَ قَلْبَهْ؟
....
خرجَ مِن المرآةِ لكي يَحضنَ نَفْسَهْ
دَخلَ إلى المرآةِ ليَتأملَ نَفسهْ
خرجَ من الغُرفةِ للَّيلِ كعادَتهِ
وكعادَتهِ يَنسى في الغُرفةِ نَفْسَهْ..

خرجَ من البيت وَوَدَّعَهُ
أَغلقَهُ بالمفتاحِ وضَيَّعهُ
جلسَ على السُلَّمِ ليُغنِّي
جلسَ على كتفيه الليل ليَسمعَهُ
سمِعا صوتًا بالداخلِ يَبكي.. ويُغني:

مَن بالبيتِ
اكسِرْ يا ليلُ البابْ
اكسرهُ وأدخلني للريحِ
وللبَردِ وللأغرابْ
من بالداخلِ يا ليلُ؟
وما يُبكيكْ؟
_لا أحدَ سِواكَ على كتفٍ يَبْكيكْ!
إذًا لا تَكسِرْ يا ليلُ الباب.



الآراء (2)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: