السِّيرَةُ النَّفْسِيَّةُ لِـ نَخْلَهْ - أحمد حسن محمد | القصيدة.كوم

شاعرٌ مصريٌّ (1982-) حاصلٌ على العديد من الجوائز العربية.


1602 | 0 | 0 | 0



-1-
وَحِيدَةً..
وَقَفْتُ فِي مُفْتَرَقِ الشَّوَارِعِ الَّتِي تُدَخِّنُ التُّرَابَ..
عِنْدَ بَابِ قَرْيَةٍ تُسَابِقُ الْمَدِينَهْ
لَمْ يَلْتَفِتْ إِلِيَّ غَيْرُ شَاعِرٍ يُرَتِّلُ الدُّمُوعَ فِي أَسْمَاعِ وَحْدَتِي..
وَيَحْفُرُ الظَّلامَ فِي الْحُقُولِ كَيْ يُوَارِيَ ابْنَةً مِسْكِينَهْ
يَا طَالَمَا بَنَى الْجُسُورَ نَحْوَ عَالَمِ مِنْ السَّكِينَهْ
فِي الْمَرَّةِ الأُولَى الّتِي مَشَّى يَدَيْهِ فَوْقَ جِلْدِي
كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى صَدِيقَهْ
لَمْ يَنْتَبِهْ لِرَعْشَتِي..
لأَنَّ جِلْدِي مُتْخَمٌ بِالسُّمْكِ خوفًا
مِنْ عَمَى الأَقْدَامِ فِي تَسَلُّقِي..
وَمِنْ تَقَلُّبِي عَلَى أَسِرَِّةِ الْخَرِيفِ والشِّتَاءْ
وَمِنْ لِحَافِ الصَّيْفِ حِينَ يَحْبِسُ الْبُيُوتَ في زَفِيرِهِ..
وصَهْدُهُ يَعْتَقِلُ الْهَوَاءْ
أَحْبَبْتُهُ كَمَا تُحِبُّ جَدَّةٌ حَفِيدَهَا..
فَجَدُّهُ كَانَ لَهُ نَفْسُ الْيَدِ الرَّقِيقَهْ
وَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَى صَدِيقَهْ
وَكَانَ غَيْرَ بَارِعٍ فِي لُغَةِ النَّخِيلِ..
رَغْمَ أَنَّهُ يُجِيدُ أَبْجَدِيَّةِ النِّسَاءْ
وَحِيدَةً..
شَيَّعْتُ صَوْتَ الْجَدِّ فِي ذَاكِرَتِي
إِلَى قُبُورِ صَمْتِهِ الطَّوِيلْ
دَخَّنْتُ عَادِمًا من السَّيَّارَةِ الّتِي
رَمَتْ حَفِيدِيَ الوَحِيدَ فِي سَاقِيَةِ الرَّحَيلْ
لَمْ يَبْقَ لِي مِنْهُ سِوَى فَرْخَيْنِ وَاقِعَيْنِ
مِنْ عَيْنَيْهِ عَبْرَ فَتْحَةِ الزُّجَاجْ
يُعَشِّشَانِ فِي ضَفَائِرِ الْجَرِيدِ..
يَطْعمَانِ مِنْ حُبُوبِ سَنَوَاتِي..
يُلْهِيَانِ الْوَقْتَ بِالتَّفَرُّجِ الْعَتِيقِ فِي السَّحَابِ وَالْقُرَى..
وَبِالدُّخُولِ فِي ثَرْثَرَةِ البَطِّ الْحَبِيسِ..
وَالدَّجَاجْ

-2-
وَحِيدَةً
-وَلَمْ أَكُنْ وَحِيدَةً-
وَقَفْتُ أَقْبَلُ الْعَزَاءَ فِي صَدِيقَاتِي اللّوَاتِي
قَرَّرَ الْعُمْدَةُ أَنْ تُبْنَى عَلَى جُذُورِهِنَّ دَوْلَةُ الدُّوَّارْ
وَكَانَ مِنْ حَظِّي
-وَرُبَّما يَكُونُ مِنْ نَصِيبِ وَحْشَتِي-
أَنِّي نَجَوْتُ مِنْ خَرَابَةِ العَمَارْ

{.... أَقْدَارْ!!}

وَفِي الصَّبَاحِ زُرْتُ فِي حَدِيقَةِ الدُّوَّارِ قَبْرَ نَخْلَتَيْنِ كَانَتَا
تُبَاهِيَانِ قَرْيَتِي بِالطُّولِ أَوْ ضَفَائِرِ الْجَرِيدِ..
تَحْتَ شَعْرِهَا الأَقْرَاطُ حَمْرَاءُ الثِّمَارْ
فََسَأَلَتْنِي نَخْلَةٌ غَرِيبَةٌ عَنْ سَبَبِ الزِّيَارَهْ
شَمَمْتُ فِي جَرِيدِهِا عَوادِمَ السَّيَّارَهْ
وَشَيَّعَتْ لِي ظَرْفَ نَظْرَةٍ..
قَرَأْتُ فِيهِ ضَرَّةً، وَكَيْدَ جَارَهْ

-3-
وَحِيدَةً
نَقَشْتُ فِي ذَاكِرَةِ الْجَرِيدِ:
أَعْرَاسَ الْقُرَى،
وَزَغْرَدَاتِ الأُمَّهَاتِ،
وَمَجَالِسَ الرِّجَالِ،
وَشَهِيَّةَ الصِّغَارِ حِينَ يَلْتَمُّونَ فِي مَوَائِدِ الأَلْعَابِ..
وَالْعَرُوسُ
-فَي طَرْحَتِهَا-
تِمْثَالُ فَرْحَةٍ وَخَوْفٍ:
مِنْ عَمَى الإِبْهَامِ مَرْبُوطًا
عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْدِيلٌ..
وَيُولِجُونَهُ فِي بِئْرِهَا..
وَمِنْ حَمَاتِهَا الّتِي تُوصِي عَلَيْهَا الضَّرَرَا
كَمَا تُوَصِّي
تُرْعَةَ الفُحُولَةِ الّتِي تَسِيلُ مِنْ عَرِيسِهَا العَجُولِ
لَمْسَةً وَشَفَةً ونَفَسًا وَنَظَرَا
****
وَأَدْمَنُوا الْعُلُوَّ فِي الْبِنَاءْ
وَلَمْ يَعُدْ فِي جَيْبِ طُولِي قُدْرَةٌ عَلَى تَسَلُّقِ الْفَضَاءْ
وَلَمْ تَعُدْ أَعْرَاسُهُمْ تسهَرُ فْوق كِتْفَيِ الْعَرَاءْ
فَالْعُمْدَةُ الْعَجُوزُ مَاتَ..
وَابْنُهُ بَنَى عَلَى حَدِيقَةِ الدّوّارِ قَاعَةَ *الْمُنَاسَبَاتِ*

عَلَى ضَرِيحِ نَخْلَةٍ غَرِيبَةٍ
أَلْقَوْا بِجِسْمِهَا وَرَاءَ حَائِطٍ الْحَيَاةِ

حَيْثُ الْقُبُورُ لا تَرَاعي حُرْمَةً لِمَيِّتِ النَّبَاتِ
النَّخْلَةُ الْمُلْقَاةُ فَوْقَ أَظْهُرِ الْقُبُورِ أَصَبْحَتْ
مَلاجِئَ التَّلامِيذِ الَّذِينَ يَحْلُمُونَ
أن يُكَسِّرُوا مَقَاعِدَ الْفُصُولِ
أَوْ يُذَبِّحُوا الْمُدَرِّسَاتْ
وَأَنْ يُجَرِّبُوا ذُكُورَةً خَفِيفَةً..
وَمَوْعِدًا طَمُوحًا -مَرَّةً أُولَى- مَعَ الْبَنَاتْ
وَحِينَ يَأْذَنُ الظَّلامُ لِلْعُوَاءِ..
يُقْبِلُ الشَّبَابُ نَحْوَهَا..
يُلَفِّفُونَ خَيْبَةَ النَّهَارِ الْمُرِّ فِي
سِيجَارَتَيْنِ رَاحَتَا فِي سِنَةٍ مِنَ الْمُخَدِّرَاتْ
وَيَلْبَسُ الْمَسَاءُ جُبَّةَ الدُّخَانِ طَالِعًا بِذَنْبِهِ
إِلَى السَّمَاءِ كَيْ يَتُوبْ
ذَكَّرَنِي:
بِدَمْعَةٍ خَضْرَاءَ فِي حَقْلَيْ حَفِيدِيَ الْحَبِيبْ
وَدَمْعَةٍ حَمْرَاءَ مِنْ جِسْمِ الْعَرُوسِ..
(حِينَ شَقُّوهُ بِفَأْسٍ مِنْ أَصَابِعِ الْعَرِيسِ)
جُفِّفَتِ بِشَرَفِ الْمِنْدِيلِ بِاسْمِ سُمْعَةِ الْبَكَارَهْ
وَالشَّارِعُ الْمَجْنُونُ بِالتُّرَابِ يَحْتَفِي بِلَمَّةِ الشَّبَابِ..
حِينَ يُسْمِعُونهُ شِعْرَ الدُّخَانِ مِنْ فَمِ السِّيجَارَهْ
كَمَا احْتَفَى بِعَادِمِ السَّيَّارَهْ
وَيَرْجِعُ الشَّبَابُ -قَبْلَ أَنْ يَرَاهُمُ الصَّبَاحُ- لِلْقُرَى..
فَيَا تُرَى!
تَذَكَّرَ الرَّحَّالُ جَدَّةً هُنَا تَدَّخِرُ الْوَقُوفَ..
كَيْ تَبْتَاعَ -مِنْ رُجُوعِهِ- زِيَارَهْ
حَتَّى وَلَوَ دَقِيقَهْ
وَهل تُرَى!!
عَرفْتَ فِي مَدِينَةِ الْمِشْوَارِ -يَا حَفِيدِيَ- الصَّدِيقَهْ

-4-
وَحِيدَةً..
حَلَّيْتُ صَبْرِي بِسَكَاكِرِ النَّسِيمِ..
فِي زَفَافِ ذِكْرَيَاتِي الْخُضْرِ عَنْ مَلامِحِ الأَرْضِ الْقَدِيمَهْ
مِنْ يَوْمِ أَنْ صُلِبْتُ فِي جِذْعِ الْفِطَامِ فَجْأَةً..
لأَنَّ أُمِّي أنْفَقَتْ -فِي طَاعَةِ الأَمْرَاضِ- عُمْرَهَا الأَخِيرَ..
وَاسْتَحَالَتْ هَيْكَلاً مُهْتَرِئَ الأَخْشَابِ..
لا يُجِيدُ ضَمَّةَ الأُمُومَهْ
وَأَضْجَعُوا الْبُسْتَانَ فِي جِرَاحَةٍ..
وَبَتَرُوا ذِرَاعَهُ الّتِي تُقَدِّمُ التُّمُورَ لِلضُّيُوفْ
وَتُطْعِمُ الْكِبَارَ حُمْرَةً مِنَ الأَرْزَاقِ
فَوْقَ خَدِّهَا الشَّرِيفْ
وَتُفْرِحُ الصِّغَارَ حِينَ يُوقِظُونَهَا بِهَمْسَةِ اللّصُوصِ الْفَاشِلِينِ
فِي غِيَابِ حَارِسِ الْبُسْتَانِ..
يُرْهِبُونَهَا بِحَجَرٍ..
وَتَدَّعِي التَّسْلِيمَ فِي طُفُولَةِ التَّخْوِيفْ
وَتُنْزِلُ الْعِيدِيَّةَ الْحَمْرَاءَ فِي تَحَفُّزِ الْكُفُوفْ
وَتُسْمِعُ التُّجَّارَ ضِحْكَةَ الْجُنَيْهِ تَسْتَوِي
فِي شَفَتَيْنِ من بَلَحْ
وَتَشْرَحُ النِّسْبِيَّةَ الَّتِي تُلَخِّصُ الدُّنَا لِحِبْرِ الشُّعَرَاءْ:
يَبْيَضُّ شَعْرُ النَّاسِ إِنْ تَقَرَّبُوا بِسَنَوَاتِ عُمْرِهِمْ إِلَى الْفَنَاءْ
وَشَعْرُ أُمِّي كُلَّمَا نَادَاهُ مَوْسِمُ الْقِطَافِ..
رَاحَ يَسْتَحِمُّ فِي سُمْرَتُهِ
مُضَفَّرًا..
لَكِنْ
عَلَى شَكْلِ سُبَحْ
---
والآن أَمْطَرَتْ عَلَيَّ وَحْدَتِي شُرُوحَهَا
عَنْ سَبَبِ الْوَفَاهْ
فَهِمْتُ أَنَّ النَّخْلَةَ الْعَجُوزَ أَسْرَفَتْ عَلَى ذُبُولِهَا
وَعَصَتِ الْحَيَاهْ
لأَنَّ صَاحِبَ الْمَكَانِ بَذَّرَ النِّسْيَانَ حَوْلَ جِذْرِهَا
وَاخْتَارَ نَخْلَةً غَرِيبَةً رَمَتْ بَرِيدَ أُمِّي أَظْرُفًا مِنْ كَيْدِهَا..
وَوَظَّفَتْ مِنْ لُؤْمِهَا سُعَاهْ
وَاغْتَالَ صَاحِبَاتِهَا بِاسْمِ الْبِنَاءِ عِنْدَ سِكَّةٍ تُهَرِّبُ الْقُرَى
عَلَى جِمَالِ الْجَدْبِ..
تَحْدُوهَا إِلَى مَدِينَةٍ مُحْتَالَهْ
تَزَوَّجَتْ نِصْفَ الْمُزَارِعِينَ..
حَتَّى نَسِيَ الْفَلاحُ فِي حُقُولِهِ عِيَالَهْ
***
النَّخْلَةُ الْعَجُوزُ ضَفَّرَتْ زَمَانَهَا الأَخِيرَ بالْجَفَافِ فِي الْبَيَادِرْ
مُنْذُ سُقُوطِ قَرْيَةٍ عَلَى الطِّرِيقِ مِنْ حَقِيبَةٍ لِشَاعِرْ
كَانَ لَهُ يَدٌ رَقِيقَهْ
وَكَانَ مُحْتَاجًا صَدِيقَهْ
وَكَانَ يَتْلُو فِي سُكُوتِهَا خُلاصَةَ الْحُقُولِ وَالْبُرُوقِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَحَابِرْ
فَأَصْبَحَتْ تُجِيدُ لَهْجَةَ الدَّفَاتِرْ
وَهَرَبَتْ فِي نَوْمِهَا (مِنَ الْوُقُوفِ وَحْدَهَا) عَلَى نُبُوءَةِ الْمَعَابِرْ
وَقَدَّمَتْ
-لِكُلِّ عُصْفُورٍ وَبُلْبُلٍ عَلَى خَضَارِ شَعْرِهَا-
قَصِيدَهْ
وَعِنْدَمَا شُدَّ وَحِيدُهَا إِلَى سَاقِيَةِ الرَّحِيلِ
أَصْبَحَتْ وَحِيدَهْ








الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)




موسم الكلام
( 1.9k | 0 | 0 )
فِي الثُّلثِ الأَخِيرِ مِنَ الْبُكَاءِ
( 1.9k | 0 | 0 )
وَسْوَسَاتُ مُغْتَرِبٍ عَنْ (وَ طَ نٍ ..) قَدِيمٍ!
( 1.8k | 0 | 0 )
متى ستشربين الشاي
( 1.8k | 0 | 0 )
قَلَمِي دَجَّال عَرَبِيٌّ
( 1.8k | 0 | 0 )
نَبْضَةُ حَمْرَاءُ عَلَى نَخْلَةِ دِمَشْقَ
( 1.8k | 0 | 0 )
عِنْدَمَا يَحْزَنُ شَاعِرْ
( 1.7k | 0 | 0 )
قُبلة عائلية
( 1.7k | 0 | 0 )
عندما ينافق التراب
( 1.7k | 0 | 0 )
أغنية مصرية
( 1.7k | 0 | 0 )
نَافِلَةُ الْجَلْدِ قَبْلَ الإِقَامَةِ لِلْكِتَابَةِ!!
( 1.7k | 0 | 0 )
أغالِبُ.. واغْلِبْنِي
( 1.6k | 0 | 0 )
الْقَبْضُ عَلَى لَيْلَةِ عِيدِ...
( 1.6k | 0 | 0 )
مباراة كرة القدر
( 1.6k | 0 | 0 )
الْبَيْتُ الأَبْيَضُ.. (الأَمْ-رِيفِيِّ)
( 1.6k | 0 | 0 )
دَمْعَةٌ مِصْرِيَّةٌ عَلَى خَدِّ الْجَزَائِر!!
( 1.6k | 0 | 0 )
شبابيك صمتي
( 1.5k | 0 | 0 )
حُمْرَةٌ عَلَى شَفَةِ الْبَحْرِ الأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّلِ
( 1.5k | 0 | 1 )
سلمى
( 1.5k | 0 | 0 )
سبع وعشرون نارا
( 1.5k | 0 | 0 )
النَّوْرَسُ صَارَ رَمَادا
( 1.5k | 0 | 0 )
طُفُولاتٌ عَلَى شَفَتَيْ خَرِيف!!
( 1.5k | 0 | 0 )