صَبا - حسن المقداد | القصيدة.كوم

شاعر وكاتب لبناني (1992-)


1215 | 0 | 1 | 0



لا ينافسهُ مقامٌ آخر في شدّةِ الحزن.
وهو مقامٌ ﻓﺮﻳﺪ، ﻧﺎﻗﺺٌ من النّاحية الموسيقية، ﻓﻜﻞ ﺳﻠَّﻢ ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ ﻻ ﺑﺪَّ أن يبدأ وﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻨﻔﺲ النوتة، ﺇﻻ سلّم الصَّبا، قرﺍﺭﻩُ ﻻ ﻳﻤﺎﺛﻞُ ﺟﻮﺍﺑﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺠﻌﻠﻪُ ﻣﺘﻔﺮّﺩﺍً، ﻣﻌﺰﻭﻻً، ليس ﻣﻨﺸﻘّﺎً ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻡ، ﻭﻻ ﻳﻨﺸﻖُّ ﻣﻘﺎﻡٌ عنه.

أمامَ البيت أجهشُ بالمعاني
يمرُّ بيَ الصّباحُ ولا يراني

أردُّ البابَ خلفي دونَ عزمٍ
ويجرحني النزوحُ من المكانِ

وأمشي ' كيف يمشي النّاس
لكنْ فؤادي والقصيدةُ طائرانِ

وتمطرُ رغبةً وهوىً وحزناً
فتنهمرين من بين المباني

تعيرينَ المسافرَ جرحَ شِعرٍ
فلا يدري أيكتب أم يعاني

'

' سيكتبُ: آهِ يا قلبي المشظّى
لقد فرغَ الزّمانُ من الزّمانِ

تبعتُكِ، نجمةً مرّت سريعاً
فسارَ وراءَها "الشِّعرى" اليماني

هما يومان، قولي كيفَ تُهنا؟
وكيف تيوسفت فيَّ الأغاني؟

نعم ليلاً أتيتُ وكنتُ أدري
بأنَّ نزيفَ ذاكرتي رماني

وكانَ الليل أصدقَ من نبيٍّ
وأترفَ من سريرِ البيلسانِ

فررتُ إليكِ من جوعي وخوفي
ومن وعيي ومن حمّى اتّزاني

صبوتُ لأنّني أصلاً سجينٌ
ولا أقوى على جَرحِ الغواني

زليخةُ لا تعيديني لرشدي
دعيني للخطيئةِ والذُّهانِ

تعالَي غلّقي الأبواب خلفي
وفكّي الثّوب نحنُ الخاطئانِ

فلا قدَّ القميصُ ولا احتكمنا
سوى للّيلِ في الليلِ الجبانِ

'

ستهربُ لحظةٌ وتضيقُ أخرى
ولستُ أظنُّ تنصفنا الثّواني

لنجمعْ وردتين على سريرٍ
لنسرقْ شهقتين من الكمانِ

لنتركْ كلَّ شيءٍ قد يؤدّي
إلى الشّاطي لنهزأ بالمواني

لنغرقْ.. نوحُ لم يُكتب نبيّاً
بلا غرقى فما فضلُ الأمانِ؟

وما النسّاك لولا الغَيُّ فينا
ولولا النّار ما معنى الجنانِ؟

وكيف سيغفرُ الله الخطايا
إذا لم نرتكب خلقَ الأماني؟

'

لجسمكِ زيزفونُ الماء طوفي
على الحنطيِّ من عطش الأواني

أنا حزنٌ غناءٌ، أنتِ حزنٌ
يموسقُني دخولاً في كياني

وفي حزنين يلتبسُ المغنّي
طويلاً ثمَّ يصدحُ بالأذانِ

"صَبا" يا وردةَ المدِّ الموشّى
بجرحٍ ما عراقيٍّ يماني

سأشهدُ أنَّ في شفتيك ناراً
سلاماً حينَ تلمسُ بالبنانِ

وأشهدُ أنَّ حسنكِ لا يجارى
وأبرأُ في يديكِ من الحسانِ

"صَبا" ضيّعتُ قرطاسي وسيفي
وفي البيداءِ فارقني حصاني

ولي من تمتمات الليل نصفٌ
ونصفُ الرّمح نصفُ الصّولجانِ

أنا ملكٌ ولكن دونَ عرشٍ
كذا ملكُ الثّقيل من الأغاني

صَبا في الحب ينكرني هدوئي
وفي الغيبات ينكرني لساني

طرِبتُ وأنتِ شكٌّ في يقينٍ
يدوّخني هواهُ إذا اعتراني

صلاةُ الليل بالشَّفعِ المثنّى:
عروجٌ قُبلتانِ وركعتانِ

وكأسُ صبابةٍ لأبي يزيدٍ
وكأسُ الخمر للحسن بن هاني

صبا.. راهنت أنّي صرتُ أعلى
من "كيوبيد" في هذا الزّمانِ

وأنَّ الخوف يعبر بي لماماً
وفي الحالين لم أكسب رهاني

كسرتِ الغيم سالت ألفُ روحٍ
ودوّنتُ البكاء كترجمانِ

أحبّكِ يا صبا وأقول: ظَلّي
ستعتادُ الدّموعُ على الهوانِ

ستلبسني صبا حتّى يقولوا
عشيرُ الوجدِ ملبوسٌ بجانِ

ولكنّي أخافُ عليكِ منّي
ومن قلقِ المساء إذا احتواني

أخافُ من البلاد لأنَّ قلبي
غريبٌ في دروب الأرجوانِ

أخافُ على عيوني من عيوني
أخاف عليكِ من طولِ امتحاني

'

تريدين ارتدائي من صقيعٍ؟
أنا النّارُ المُلاحقُ بالدّخانِ

أنا الطّفلُ الذي سيظلُّ طفلاً
أعيرُ طفولتي لمن ارتداني

أنا المشّاء في عينيّ أثينا
أنا الخيّام في يدِ أصفهانِ

سوادٌ يملأ الشّيخ المعرّي
وما باحَ البياضُ لقلبِ ماني

على السبع العجاف حسبتُ نفسي
لأبدلهنَّ بالسّبعِ السّمانِ

وخصمايَ: البرود ووزنُ ظلّي
سأصبحُ طائراً وسيسقطانِ

*

قصيرٌ أنتَ يا ليلَ العذارى
وحانٍ أنتَ يا ذا الليل حانِ

مررنا يا بنفسجتي بعطرٍ
مرورَ مراهقَين ببابِ حانِ

سكرنا كالغريبين امتزجنا
بعطرِ الله في حزن المكانِ

تجاوزنا غرور الضوء خوفاً
بعتم الغار لاذ الخائفانِ

هناك توحّدَ الجسدان.. كلّا
بل الرّوحان بل مدهامَتانِ

وقفنا واضحَين أمامَ عشقٍ
وكان العشقُ أوضح للعيانِ

وقلتُ: طريقنا اللاشيء، مغزى
هوانا الوجد، غايتنا التّفاني

أريدكِ باسمِ حلّاجٍ قديمٍ
يلحُّ عليَّ في الزمنِ الأناني

أريدكِ باسمِ أوّلِ كأسِ تيهٍ
وآخرِ ما تبقّى في الدّنانِ

أريدكِ غربةً..أرقاً.. خروجاً
إلى العريِ الخفيف من "السَّتانِ"

أريدكِ موجةً ترمي شراعاً
لإبحارِ الغريبِ بلا ضمانِ

أريدكِ في صَبا حزناً ونقصاً
وترجيعاً ومدّاً في حنانِ

لنقصكِ جئتُ نقصاً فاكتملنا
وتمَّ الشّعرُ في نقصِ البيانِ


الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: