وجه الرجل المرأة - يوسف عبد العزيز | القصيدة.كوم

شاعرٌ فلسطينيٌّ وأردني (1956-) حاصلٌ على جائزة الدولة الأردنية التقديرية في الأدب. والعديد من الجوائز العربية.


1636 | 0 | 0 | 0




بِجَدائِلهِ البَيضاءْ
و عباءَتِهِ الفضيّة
كانَ المَوتُ يَدورُ على الحاناتِ ،
رأى في إحدى المرّاتِ
فتىً أسمَرَ
قالَ لهُ : تذكُرُني ؟
ثُمَ دَعاهُ إلى كأسٍ ، في زاويةٍ
معتمةٍ في الحانةِ .
لا أتذكَّرُ ' قالَ الشَّاعرُ
في هذي اللحظةِ
حَطَّ غُرابُ الذِّكرى …
مَرَّتْ في البالِ سَمواتُُ بيضاء ،
مدنُُ نائيةُُ
و شتاءُُ كَهلُُ كانَ يُغَنّيُ
و يرشُّ الأشجارَ بِسُكَّرِهِ النَّاعمِ
يا حوذيَّ الثَّلجِ
إلى أينَ ستأخُذُني
في هذي الليلةِ ؟
يا حوذيَّ الثَّلجِ تمهَّلْ
لأرى أُمّي
قبلَ السَّفَرِ الموحشِ في الغاباتِ
… ثلاثةَ أطفالٍ كُنا نَلعبُ بالمَوتِ
و كانَ المَقتولُ هوَ الفائزَ
………………
………………
تَنْفجرُ الموسيقى
فَتطيرُ الأجسادُ كَرَفِّ الحَجلِ المَذعورِ
أحبُّكِ و أُجَنُّ بهذا العُنقِِ المعجونِ
بأزهارِ السَّوسن ،
و أحُبُّكِ
هلْ تبصرُ سيّدتي نحلَ دمي
وهوَ يصيحُ
قريباً من شفَتيها ؟
و أُحبُّكِ
هَلْ نَذهبُ يا سيّدَتي للرّقصِ الآخرِ ؟
كانَ الرّقصُ الآخرُ
طَقساً وَثنيّاً
تَحتَ قبابِ الجسدِ العالي
و أنا كالبوذيّ أضمُّ يديَّ
على الحَجرِ الأملَسِ
أكتمُ بالصّمتِ المُطلقِِ
شَهَقاتِ الجنّياتِ ،
وأصواتَ الغجرِ الثّملينْ .
و أُعلِّقُ خاصرةَ الأرضِ
بِخيطِ حليبِ التينْ .
تَذكُرُني ' ؟
انْتبهَ الشَّاعرُ
حدَّقَ في وَجهِ الرَّجلِ الجالسِ
فَرَأى عَسلاً يَبْرُقُ في الشَّفتين
دماً أشْهبَ يَصعَدُ في العُنقِِ الشَّفّافِ
و أزهارَ السَّوسنِ تَرعُشْ
تَحتَ عَباءتِهِ الفِضّية ..
نخبَك ' ، ' نخبك '
تَذكُرُني ' ؟؟
كانَ الموتُ المَخمورُ يقهقِهُ في الحانةِ
و يَرجُّ الطّاولةَ بكفَّيهِ القاسيَتين
لا أتذكَّرُ '
قالَ الشَّاعرُ
غادرْني أرجوكَ الآنَ
فلا وقتَ لديَّ
لِهَذا العبثِ الفاضحِ
نَهضَ المَوتُ
و ظَلَّ الشَّاعرُ في زاويةِ الحانةِ
يَشرَبُ و يُدخِّنُ
و يُخرْبِشُ فَوقَ الوَرقِ الأبيضِ
وجهَ الرَّجلِ المرأةِ .








الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)