نبي جديد - نواف رضوان | القصيدة.كوم

شاعرٌ فلسطينيٌّ (1990-) لا يسلم إنسانٍ من لسانِ قصيدته.


1773 | 0 | 0 | 0



مثلَ كلّ الأنبياءِ، أتيتكمْ متأخّرا،
لا بأسَ.
كنتُ أعدّ:
كم موتا سيلزَمُني لأكملَ رحلتي
كم صورةً علّقتُها في البيتِ
كم بيتا من الشعرِ اقتبستُ إليكِ
كم وَطَنا أضعتُ، وكم حياةً مِتّ حينَ لقيتُها.
ودّعتُ ما ودّعتُ من أسمائيَ الأخرى
وأدماني الغيابُ عن الترابِ...
أتيتُكم متأخرا يا أصدقائي،
فاجمعوا هذا الحصى كي ترجموني، مثلَ كلّ الأنبياءِ.
سألتُ نفسي، كيفَ أؤمن بالرصاصِ وبالتناصِ هُنا
ولم تَزَلِ الدماءُ تريقُني حتى وقعتُ مضرّجا بدمي.
يعلّمني الجليلُ بدايتي شيئا فشيئا
حرتُ حتّى حارَ بي جَسَدي الصغيرْ
وَطَنٌ بحجمِ طفولتي ... وَطَنٌ كبيرْ.
حلمٌ يفتّشُ عن خيالٍ
فرّ من ضجرِ الألوهةِ للمطالعِ والنهاياتِ الحزينةِ
جئتُ من وَجعٍ وذاكرةٍ ومن أزلٍ سماويٍّ إليكم مثلَ كلّ الأنبياءِ هُناكَ.
أبحثُ مثلكم عن حلميَ المجروحِ منذُ ولادَتي
لم ألقَ حتّى الآن موتا واحدا
يمشي على مَهَلينِ، كالشهداءِ والدحنونِ
حتى أنهيَ المرسومَ، أبحثُ مثلَ كلّ الأنبياءِ
عن الترابِ
وعن سمائي مثلما أتقنتُها في السرّ:
زيتونٌ على الطَرَفينِ
عكازٌ لجدّي والدماءُ تلفّهُ
وطنٌ على الجدرانِ مرسومٌ ...
وطفلٌ يحملُ التاريخَ في كفّيه،
أبحثُ مثلَ كلّ الأنبياءِ عن الطفولةِ والصَدى.
أصغيتُ للدحنونِ يهمسُ لي:
تعالَ إليّ يا ولدي
تعالَ ولا تخفْ، فالماءُ تحتَكَ والسماءُ فلا تعد أرجوك.
فالحدسُ المهاجرُ في حمامِ الحقلِ أثقلَ كاهِلكْ.
والفأس في رأس الصدى
بدأ الجليلُ ينزّ من دمه المدى
والبحرُ في حيفا، يئنّ من ابتعادِ النورسينِ وما هَلكْ.
وهُنا سيشعلني البنفسجُ
بين تاريخِ الهنودِ الحمرِ، والبحرِ المعبّأ.
مثل كلّ الأنبياءِ
أضعتُ سرّ الله في صدري
وجئتُ لأكمل المأساةَ في رقمٍ جديد فوق هذا العشب،
إنّ الله أرسلني لأكتبَ سيرتي قبلَ الولادةِ والمخاضِ
وقبلَ أن تتفتحَ الأعشابُ في الفردوسِ.
قيلَ بأنني آتٍ، وأحمل نعشيَ البنيّ
محفورٌ عليه هنا النبيّ.
أتيتُ أكملُ ما تبقّى من خلودي
خلفَ نسرٍ فوقَ قمّتهِ يعوّذني بلفحِ الريحِ
والعنقاءُ تتركني أفتّشُ عن رمادٍ ضاعَ من أثري إليكمْ.
مثلَ كلّ الأنبياءِ، وُلدتُ في صمتٍ
ولكنّ المصادفةَ الصغيرةَ
غيّرت مسرى الأمورِ فكنتُ من وَطَنٍ هزيل.
مثلَ كلّ الأنبياءِ، وجدتُ ذاكرتي على كفّيكِ سيدتي
وجدتُ قصائدي تدنو إليّ ولا تقدّسني
وجدتُ غمامتينِ تعدلانِ مسارَ ريحٍ
بعدَ موتِ الأنبياءِ.
وجدتُ نفسي حينَ ضيّعني هنا جسدي
تعلّمتُ الخروجَ إلى الشوارع كالمجانينِ الذين أجلّهم وأخافهم،
وتعلّمتْ لُغتي حروفَ الأبجديّة من جديد...
مثلَ كلّ الأنبياءِ
أضعتُ أسراري، وتاهَ اللهُ عنّي في نبيّ
ليسَ يشبهُني






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: