في حانة الغرباء - نواف رضوان | القصيدة.كوم

شاعرٌ فلسطينيٌّ (1990-) لا يسلم إنسانٍ من لسانِ قصيدته.


1712 | 0 | 0 | 0



وكأنّني في حانة الغرباءِ،
لا وَطَنٌ ولا منفى أسيرُ به،
ولا سُبُلٌ تسيّرني
أبي ما ليس يشبهني، أنا أبتِ،
وأمّي: من صدى لغتي على شفتي
لهيبٌ ملءَ أوردتي سيرفعني على قلقٍ،
وتشعلني الرياحُ إذا وقعتُ مضرّجا بدمي وأسئلتي .

في حانة الغرباءِ، يأكلُ صمتُنا الجدرانَ،
تتّسع الرؤى، ونضيقُ في أجسادِنا
كم كانَ حلوًا يومَ ماتَ أبي، وودّعني
يقولُ الشابُ للمرآةِ، والمرآةُ نافذةٌ تطلُّ عليهِ.
كم كانَ الهواءُ يعجّ بالموتى لأني لم أزلْ وحدي
على قيدِ الألمْ
ويصيحُ آخرُ : كنتُ أمسِكُ بالمعرّي
قبلَ أن أعمى فقلتُ له :
أنا أعمى أنا أعمى
فكانت حينَها لُغتي ...

في حانةِ الغرباءِ تكتشفُ الحبيبةُ أنّها لم تُمضِ ما يكفي
من الأحلامِ والأوهامِ،
والوقتُ انتهى لتعيدَ ما قد ضاعَ،
والوقتُ انتهى ليحملقَ الحبُّ الخفيفُ بها
هي الأمواجُ ترفعها،
هي الأمواجُ تنزلها،
هي الأمواج تشعلها وتطفئها،
هو الموجُ البعيدُ يطلُّ، موج الحبِّ
والوقتُ انتهى لتحبَّ ثانيةً
تصيحُ بكلِّ شهوتها : كأنّكِ يا رياحُ غدرتِني وقتلتِ فيَّ الموتَ.
يفضحها التوتّرُ في أصابعها، وتربكها عيون الحائرينَ هُنا
وقد نسيتْ مِزاجَ الحبِّ في الطرقاتِ، قبلَ وقوعِها في حانةِ الغرباءِ
قبلَ وقوعِ لهفتها على ماضٍ تلاشى في الضبابِ
وحاضرٍ ملءَ الغيابِ، كأنّها اتخذتْ تخيّلها؛
لتوقعَ ظلّها في الفخِ قبلَ وقوعِها .

في حانة الغرباءِ، تنعكس المصابيحُ القديمةُ في الكؤوس،
ونشتهي قَمَرا يصيبُ الحالمينَ برعشةِ الغرباء،
لم أجدِ الهويّة بعدُ، أرهقني التشرّد حينَ أفقدني التمرّدُ كلّ أحلامِ الطفولةِ
لم أجد وطنا لأسكنهُ سوى بيتٍ من الشعرِ الذي فاضتْ أسامينا عليه.
أفيضُ حبّا حينَ يفضحني البنفسجُ كلّما كتبوا على القبرِ الرخاميّ الصغير : هُنا الشهيدُ
وكلّما كتبوا سيتبعهُ الوليدُ.

في حانة الغرباءِ، يهذي شاعرٌ ويقولُ مِتُّ لكي أُريحَ وأستريحَ
من القصيدةِ، لا مفرّ من البكاءِ، ولا مفرّ من المفرّ
ولدتُ ليلةَ كنتُ شهوةَ أمّيَ الأولى
ولم أقلِ الحقيقةَ مطلقًا،
فأنا الحقيقةُ، والخيالُ هو الولادةُ مرّةً أخرى على وَجَعِ القصيدةِ مرغَمًا
لا صدفةً، وأنا الخيالُ وما أردتُ وما فقدتُ.
أريدُ أن أجدَ الكلامَ على شفاهيَ دونَ أن أمشي على الأسوارِ
ثمّ أموتُ من فرطِ اندهاشي
لا أريدُ سوى النهاية في وجودي
والسقوط الحرّ في لغتي أنا، من قمّةٍ عمياءَ تشبهني .

في حانةِ الغرباءِ، تجلسُ فوقَ مقعدها فتاة،ٌ
لم تقل شيئا لتقتلَ شاعرًا،
فاضتْ أنوثتُها على البلّور، وانتفضت لتذبحَ في أنوثتها فتاها من تحطّهم كأسِها .

ما زلتَ تكتبُ في قصيدتكَ التي لم تنهِها :
سالتْ دماءُ العاشقةْ
وخطاكَ تهتزُّ اكتمالا للندى
وخطى القتيلة واثقةْ .

مع كلّ موتٍ سوفَ يحييها مجازُكَ حينَ تقتلها وتعبدها معا،
هو أمرُها المعتاد أن تشتدّ في كلماتِ شاعرها
وأن تحتدّ في هذيانهِ
هو أمرُها المعتادُ أن تمتدّ كالأفعى مضرّجةً
وتطلقَ صرخةَ البلّور في هذيانِها.

في حانةِ الغرباءِ، أجلسُ كي أرى ما لا يُرى،
والكأسُ تشربني على مَهَلٍ، وتكسرني،
هُنا ليلٌ وراءَ الليلِ، يكبُرُ حينَ تصرعني مصابيحُ النوافذ كلّما أمعنتُ في الذكرى،
إلى الأعلى سأصعدُ مثقلا بالروحِ حينَ يخونني صوتي ورجعُ صداهُ.

يا وَطَنًا بنزفِ النونِ يصحبني إلى ذكرايَ من زمنٍ إلى زمنٍ متى سأعودُ لكْ ؟
ومتى يعودُ محاربٌ للبيتِ بعدَ الموتِ
يا وَطَني متى سأعودُ لكْ .

في حانةِ الغرباءِ، أحيا كي أردّ إلى الأصابعِ
حيرتي وتوجّسي منّي
تتبعتُ الخطايا كلّها، وذبحتُ أحصنتي على عتباتِ هذا الليل.

يسألني الغريبُ بجانبي : ماذا رأيتَ اليومَ في حُلمكْ
فأجيبهُ : وأنا الغريبُ هناك لم أحلمْ،
لقد أتقنتُ تكسيرَ الزجاجِ،
وأتقنَ الأمواتُ تكسيري
فلم أحلم لأمضي خلفَ نسياني
أنا لغةٌ من الأوهامِ تتبعني هنا يا صاحبي،
فيجيبني:
وكأنّنا في حانةِ الغرباءْ '.








الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)