ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


1569 | 0 | 0 | 0



(عنْهُ، عن أَخي)

سيكوْنُ وحيداً أخي، في
امتحان الحقيقةِ...
سوف يَشُقُّ عُبابَ الطّريق/ طريقِ
الكواكبِ والملحِ.. في غابةِ اللّيلِ...
لا رُفْقةٌ ستكون هناكَ، ولا
صاحبٌ ،
إنّما هكذا: رجُلٌ، وطريقٌ
ومِحْنتُهُ كُلُّها.. في امتحانِهْ !
.
.
... ويُدرِّبُ سِرْبَ نداهُ على الحفْرِ في
صخْرِهِ
بينما كان يكْبَرُ كالحَجَلِ المتربِّصِ بالماءِ...
كان الأَميرَ الصّغيرَ بدولتهِ بينَ
زيتونتينِ بدائيّتينِ وسامقتينِ
تُعيْقانِ مَرَّ السّحابِ ،
ويُغْمِضُ عينيهِ تحْتَهُما فَزَعاً من عُلُوِّ الحياةِ
ومِنْ هُوّةِ الإحتمالاتِ
كَمْ كبِرَ الطّيرُ فيه هنالكَ..قَبْلَ أَوانِهْ !
.
.
وكبِرْتُ أَنا معَهُ / بَعْدَهُ
أَتَقَرَّى رسائلَهُ في ثُلُوْمِ الحوادثِ
حتّى أُحِسَّ أَنينَ البلابلِ.. في شجَرِ اللّيلِ...
كُنّا نَصيْدُ معَ النّاسِ، نَشْوي طرائدَنا
لِنُسدِّدَ للنّارِ دَيْنَ حوائجِنا وفوائدَ
ليلِ المَجرَّةِ...
أَصْغَرَ مِن طَلْقةِ الصَّيدِ كُنّا ،
وأَجْمَلَ من طائرٍ عاثرٍ، خانَهُ الحظُّ
حتّى هَوَى رِيْشةً.. عن جُمانِهْ !
.
.
نَعْرِفُ الكلماتِ التي سوف نحتاجُها في
دفاعِ البصيرةِ عن مطَرٍ عابرٍ في السّهولِ...
وحِكْمتُنا لم تكُنْ بَعْدُ مِحْنَتَنا !
طيّبَيْنِ كما ينبغي، ولَدَينِ كما نَفَضَتْنا المدراسُ
في حِصّةِ الشّمسِ...
نرتاحُ في أَيِّ ظِلٍّ مُتاحِ ، ونَعْرِفُ طَعْمَ الفوارقِ
بينَ لُغاتِ الطّبيعةِ – نعْرِفُها
منْ هديلِ الحَمامِ المُجَرَّحِ، حينَ
يُبَكِّي النّدى لَهْفَةً.. مِنْ حَنانِهْ !
.
.
قُلْتَ: لا بُدَّ أَنْ نَدْفَعَ الجبَلَ المستقيمَ لأَعلى
وأَنْ نَتَرنّحَ فوقَ ذُرَى الضّوءِ...
ثَمّةَ عُشْبٌ هُنالكَ يَكْفي لرَعْيِ الخِرافِ ،
ويَكْفي استعارتَنا في القصيدةِ !
لكنّني لم أَكُنْ واثقاً من صوابِ المقاصدِ
أوْ من أَمانِ المسالكِ، فوقُ، وجَدْوَى
التّحَدّي
وظلّتْ طرائقُنا في الظّلال مُدوَّنَةً
في قُصاصاتِ ريحٍ مُهَرَّأَةٍ ...
وطرائقُنا – مثْلُ قلبِ أَخي – وَتَرٌ
طارَ خلْفَ الطّيورِ، وأَخْفى مَراراتِهِ.. عن مكانِهْ
.
.
كيف يَصْعَدُ قلبي إلى أُمّهِ – قلتَ لي - ؟
كيف يَصْعَدُ هذا التّرابُ إلى غيمةٍ ؟
قُلْتُ: مِنْ فارِقِ الوقتِ بين الزّوابعِ
إنْ هيَ كانت حقيقيّةً، لا صدَى رقْصَةِ
الجِنِّ، بَلْ خلَلاً في الرُّطوبةِ أَدَّى إلى ضَجَرٍ
عالَجَتْهُ الطّبيعةُ بالدّوَرانِ وبالرّقصِ :
أَعْلَى إذاً في امتطاءِ الزّوابِعِ ، أَعْلَى وأَعْلَى- صَرَخْتُ..
ولكنّنا قد بقِينا هنالك في اللّيلِ نَبْكي على
فارسٍ لا يُجيدُ التقاطَ النّدى
عن رُموشِ حِصانِهْ !
.
.
قلْتَ لي : لن يخوْنَكَ شيءٌ سِوى القلْبِ ،
فاعقِلْ هواكَ لكي تَتَجنّبَ هَزّةَ أَرْضِكَ
تحْتَ النّدى !
وأَقولُ أَنا: لن يخوْنَكَ شيءٌ سِوى
القلبِ إنْ ظَلْتَ مُبْتَعِدَا
عن صوابِ حنينِكَ.. خَلْفَ الصّدَى !
كان ذاكَ الزّمانُ ضنيْناً بأَسرارِهِ
وسخيّاً بِبَرْيِ الحوادثِ ،
كان الطّريقُ الطّويلُ امتحانَ البَراعةِ
والرَّوَغانِ من الإحتمالاتِ...
لم نَصْطَدِمْ بالكواكبِ إلاّ لِماماً ستَكْفي
ليَقْتَرِحَ الضّوءُ بُرْهانَهُ
ويفوزَ – ولو مرّةً – بِرِهانِهْ !
.
.
هيَ حُرِّيّةٌ لا تُرَى، لا تُمَسُّ
يَنوءُ بها الوصْفُ حينَ تُحَسُّ
كغيمةِ تلكَ البلابلِ حين هوَتْ ذاتَ
يومٍ هنالك كَسْلَى ، هوَتْ فوقَنا
غيمةً من دمٍ تحْتَ زيتونتينِ
هَوَى مثْلَها قلبُ طِفْلَيْنِ.. عن سنديانِهْ !
.
.
سوف يكْبَرُ أَكثرَ حتى يَفيْضَ عن
الجانبَيْنِ أَخي ،
وستزدادُ أَشجارُهُ ورَقاً دامعاً وبلابلَ بيضاءَ...
ثَمّةَ أَسْوِرَةٌ من ندىً
ونَمارِقُ مَصْفوفةٌ ههنا وهنالك في جنّتينا
ونهرٌ يَفيءُ إلى مُنْتهَى العُشْبِ في جسَدَينا
وثَمّ كلامٌ سيكْفي لِنُبْرِئَ فيه العوالمَ حينَ
تَهيْضُ.. ويَبْقَى الكلامُ على عُنْفُوانِهْ !
.
.
نحنُ في آخِرِ اللّيل ، آخِرِ
هذي الثُّمالةِ من.. حِبْرِهِ ...
في الكُهولةِ طفلَينِ صِرْنا
وكنّا هنالك كَهْلَينِ منذُ الطّفولةِ..!
هذا وما زال قلبي معي ،
ومعي حَفْنةٌ من رياحينِ أُوْلَى الحدائقِ
- تلك التي انتخبَتْنا سفيرَي رياحينِها -
ومعي نارُ تلك القُرى ، وتَرنُّحُ أَشجارِها دونما
سببٍ..
ومعي قمَرٌ لا ينامُ إذا لم أَنَمْ
ويُهِدْهدُني دائماً .. في اقترانِهْ !
.
.
أَأَموتُ على تلّةٍ فوقَ مَنْزِلِنا ،
أَمْ أَعيشُ قليلاً لأَغْفوَ ما بين زيتونتينِ
وتَغْشَى نُعاسي السّحابةُ – تلك التي
غَسَلَتْ قلبَ أُمّي وأُمِّكَ حين وُلِدْنا ؟
ولكنّني سوف أَخْطِفُ منك القصيدةَ لا
رغْبةً لأُحلِّقَ ، بَلْ أُسْوَةً بجناحيكَ حينَ
لَمَسْتَ السّماءَ بقافيةٍ مُشْتهاةٍ
وعُدتَ بسربٍ من الطّيرِ يَبْكي
وحقْلٍ من القمحِ واللّازَوَرْدِ خَلا .. مِن زُوانِهْ !
.
.
ستقولُ لنا أُمُّنا: انتظراني لأُكْمِلَ
جَلْيَ الصّحونِ وغسْلَ الملابسِ - وانتظراني
أُشارِكُّما هوَسَ البحْثِ عن جمْلَةٍ
قدْ تقولانِها في مُناسبةِ الحُبِّ..
واتَّرِكا قَمَرَ اللّيلِ للشّعراءِ الشُّداةِ
لِطِفْلَيْنِ غيرِكُما يلْهوانِ بِرَصْفِ
الكلامِ الذي.. كنتُما تَنْزِفانِهْ !
وقولا - إذا شئْتُما - لهُما مُشْفِقَيْنِ: رُوَيْدَكُما
- كأَنّكما والدَي ولَدَيْنِ يُريدانِ سوءاً بهِ –
ثُمّ قولا - كأَنّكما ولَدانِ تُريدانِ خيراً بهِ.. لِهَوانِهْ - :
يا شقيّانِ ، حَسْبُكُما تلْهُوانِ، أَلا.. تَرْحَمانِهْ !

.
.
ربّما وَقعَتْ للغيومِ هنالك حادثةٌ
فتأَخّرَ هذا الشّتاءُ !
عليك إذاً بالسّكينةِ والصّبرِ
فالوقتُ يَشْفي ، معَ الوقتِ ، عُشْبَكَ في الصّخرِ...
قُلْ لحياتِكَ: وقتي متاعي البسيطُ ، فلا
تَشْغَليْهِ بِمَلْهاةِ ريحِكِ ، وانْتَظريني
لأُكْمِلَ عاصفةً كان لا بُدَّ منها.. وأَهْدَأَ !
قُلْ لحياتِكَ: لم يَكْتَمِلْ آدمٌ واحدٌ في
الطّبيعةِ إلاّ إذا ما تَخفَّفَ مِن عِبْئهِ
واكْتفَى بحديقةِ مَنْزلِهِ.. بَدَلاً من جِنانِهْ !
.
.
وأَقولُ أَنا لحياتي هنا: فُزْتُ بالأَخِ والنّبْعِ
لا شيءَ يُحْزِنُني بَعْدُ..
تُفْرِحُني صُوْبّةُ الكازِ والدّومِنو ، وكتابُ
الأَغاني، وبحْثيَ عن حجَرٍ ضائعٍ في
الأَساطيرِ.. ما زالَ يَبْحَثُ – مِثْليَ-
عن تَرْجُمانِهْ !
.
.
وعليهِ، عليهِ وحيداً أَخي
أنْ يُسدِّدَ دَيْنَ الحقيقةِ /
دَيْنَ الكواكبِ.. في غابةِ اللّيلِ
لا وقتَ يكفي لكيما يقولَ :
كَفَى، قد تعِبْتُ.. كَفَى !
والقويُّ أَخي، والجميلُ المُثابِرُ فيِ
زهرِهِ
وبما قد يُزاوِلُ من حُلُمٍ
ماثلٍ.. في جَنانِهْ
حُلُمٍ في أَقاصي الصّدى
غائبٍ.. عنْ عِيانِهْ
.
.
والقويُّ أَخي ، والصّبورُ المُرابِطُ في
جُرْحِهِ
وبما قد يُزاوِلُ من أَلَمٍ..
وهْوَ منذُ الطّفولةِ كانَ
انتهَى كُلُّهُ.. مِنْ مِرانِهْ !
.
.
وأَقولُ لِأَهلي هُنا ولأَصحابِهِ :
إنّ قلبي على بُعْدِهِ مِثْلُهُ
لن يعوْدَ أَخي كُلُّهُ
لن يعودَ إلى نفْسِهِ كُلِّها
لن يعودَ كما كانَ.. بَعدَ امْتِحانِهْ !






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3k | 0 | 0 )
ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.8k | 0 | 0 )
أخي في القصيدة
( 1.7k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.7k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.7k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.7k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.7k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.7k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.6k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.4k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 989 | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 563 | 0 | 0 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 553 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 412 | 0 | 1 )
عن شَجَرِ الجميل
( 408 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 406 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 390 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 361 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 357 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 284 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 247 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 161 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 108 | 0 | 0 )