لا تكُنْ عاطفيّاً - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


3032 | 0 | 0 | 0




لا تكُنْ عاطفيّاً، فإنّ العواطفَ
دوّامةُ القلبِ..
دمعُكَ سهْلٌ، وعيناكَ نبْعانِ سَهْلانِ
لا يُعْتِمانِ يَسيْلانِ..
كمْ مرّةً جرَحتْكَ الحديقةُ والماءُ،
كمْ مرّةً أَنْبَتَتْ شوكَها في عروقكَ
حتّى امتلأْتَ بهذي المراراتِ
وانفجرَ الماءُ مِلْحاً بقلبِكَ، لا
لا تكنْ – مرّةً – عاطفيّا !
.
.
تَدْخُلُ الشّمسُ في الظِّلِّ: يومُكَ صافٍ
كبلَّورةٍ في سريرِ الزّهورِ تسيْلُ ندىً
ويداكَ لتَحْمِلَ أَشياءَكَ المنزليّةَ:
كِيْسَ الحليبِ، وكَرْتونةَ البيضِ، والتَّبغَ
بَعْضَ الخُضارِ، وبعضَ الفواكهِ والحَلَويّاتِ..
يومُكَ صافٍ طريٌّ، وأَنتَ كيَوْمِكَ:
شِبْتَ وما زلْتَ كالطِّفلِ،
ما زلتَ في الأَربعين.. حديداً طَرِيّا
لا تكُنْ – غالباً- عاطفيّا !
.
.
قُلْتَ للشّمس: ضوءُ كلامي دليلٌ عليكِ
وحُزني دليلٌ عليَّ. أَمامي ضفافٌ
لأَقْطَعَها كُلَّها ثُمّ لا أَجْرَحُ النّهرَ..
لكنّ هذا الصّباحَ خفيضٌ، وقامةَ ليليَ عاليةٌ!
تُمْسِكُ الضّوءَ في الكلماتِ وتأْسُرُهُ
ثُمّ تُطْلِقُهُ طائراً من زُجاجٍ تُكسِّرُهُ
وتُهَشِّمُهُ ريحُهُ والحنينُ إلى عُشِّهِ...
فاستعِدَّ لتحْملَ هذا الطّريقَ إلى
وطنِ القلْبِ يا صاحبي،
وانْتَبذْ في رياحِ الكلامِ.. مكاناً قَصِيّا
لا تكنْ – دائماً – عاطفيّا!
.
.
كَمْ تُحدِّقُ في هُوّةٍ في الأَعالي سماويّةٍ!
كَمْ تَخِفُّ لكي تستريحَ الكواكبُ في فَلَكِ الكلماتِ
وتَمْلِكَ وقْتَكَ... !
وقْتُكَ للسُّلْحفاةِ التي علّمتْكَ جنونَ التّفاصيلِ:
إنْ كنتَ طِيْناً بهذا الصّدى الرّخْوِ
فلْتَمْتَلِئْ فيهِ حُرِّيّةً، وتَدرَّبْ على
الدّمعِ لو مَرّةً كلَّ شهْرٍ،
تدرَّبْ لتَبْقَى على خيْطِ هذا النّدى
مثْلما يَنْبغي:
طائراً.. بَشَرِيّا!
إنّما لا تَكُنْ – عادةً – عاطفيّا !
.
.
ظَلَّ ينمو زُجاجُ الشّبابيكِ بَعْدَ غيابِكَ..
ينمو فراغاً شفيفاً.. ويَنْساكَ!
كيف أَضَعْتَ ضُحىً كاملاً حينَ غِبْتَ،
ولم تَشْهَدِ الزّهرَ إذْ يَتَفَتّحُ فوقَ السّياجِ ؟!
مناقيرُ للوقتِ تَنْقُرُ صخْرَ الجبالِ.. تُهرِّئُهُ
ثُمّ ها أَنتَ كالصّخْرِ تَهْرَمُ تحْتَ مطارِقِ
وقْتِكَ...!
فاتَتْكَ حِكْمةُ شيْخوخةٍ لم تَصِلْها
وفاتَكَ ماءُ صِباكَ،
فأَلْقِ السّلامَ على الحقْلِ خلْفَ الشّبابيكِ،
قلْ: أَيُّها الحقْلُ، إنّي أَرى شَيْبَ عُشْبيَ
فيك يزيدُ يزيدُ.. فلَسْتُ عَمِيّا!
لا تكُنْ – أَبداً - عاطفيّا!
.
.
قاربٌ في البُحيْرةِ يَنْسُلُ ثوبَ السّكونِ
ويَجري على مَهَلٍ...
قاربٌ في منامكَ يَجْري الهُوَيْنَى على
رَغْوةِ الضّوءِ...
كيف يصيْرُ الهواءُ فِراءً على مثْلِ هذا
الرّذاذِ المُعَطَّرِ؟!
والحُبُّ من أَينَ يأْتي؟ إلى أَينَ يمْضي
ويَلْوي فؤادَكَ في البُعْدِ.. لَيّا؟!
لا تكُنْ.. عاطفيّا !
.
.
ظَلْتَ في اللّيلِ تَسْمَعُ عُشْبَكَ يَبْكي
وتَذْكُرُ كيفَ وُلِدْتَ:/
اقْتَحَمْتَ الحياةَ على مَتْنِ دَمْعِكَ
ثُمّ صرَخْتَ صرَخْتَ لكي تَسْتعيدَ
سكونَ الطّبيعةِ والماءِ...!
مِنْ رَحِمٍ نحْوَ آخَرَ تَخْطفُكَ الكلماتُ
فقلْتَ سَتَكْتُبُ شِعْراً لكيما يَخِفَّ
الضّجيجُ/ ضجيجُ النّدى في ثيابِكَ..
ثُمّ كبِرْتَ كبرْتَ كثيراً.. وأَكْثَرَ،
عذّبْتَ هذا الهواءَ بصرخَتكَ الحجَريّةِ،
جرّحْتَ خيطَ النّدى في الكلامِ.. بُكِيّا!
لا تكنْ – يا أَخي – عاطفيّا!
.
.
قُلْ لوقْتِكَ: دَعْني على صخْرَةٍ، وامْضِ أَنتَ
كسَلّةِ فاكهةٍ حَمَلَتْها عجوزٌ إلى بيتِها...
لي هنا عمَلٌ قد يطوْلُ، سلامٌ على
الميّتينَ هناكَ الذينَ خطَوا خارجَ الوقتِ
أَو جرَحوا النّهرَ! أَمّا أَنا فَمُقيمٌ قليلاً وأَكْثرَ..
لستُ شهيداً، ولسْتُ سعيداً، ولكنّني
سأُتَمِّمُ حفْلَةَ تلكَ القيامةِ فوقُ
وأَبْقى.. على عهْدِ روحيَ حَيّا!
.
.
للنّدى كُلُّ ما يتكسّرُ فوقَ حقولِ النّدى
من زُجاج الكواكبِ...
لا فَلَكٌ في السّماواتِ يكفي لكي
تستديرَ الإستعاراتُ للعشْبِ،
فاحْمِلْ كلامَكَ أَعْلى وأَعْلى
وبُلَّ أَخاكَ الثَّرَى.. بالثُّرَيّا!
.
.
قُلْ لوقْتِكَ: دعْنيَ واذْهَبْ
ففي الأَربعينَ اكْتَملْتُ كدائرةٍ
وانتبَهْتُ لرائحةِ العُشْبِ في جَسَدي
وجروحِ النّدى.. في يدَيّا!
.
.
وأَقولُ لها / لحياتي التي اكْتَمَلَتْ
مثْلَ دائرةٍ:
شابَ عُشْبي على رَغْمِهِ،
وخريفي .. أَطَلَّ جَلِيّا
رُبّما لم أَزَلْ لطفولةِ قلبي وفِيّا!
رُبّما كنتُ في آخِرِ الأَمْرِ
عكْسَ الذي أَشْتهي:
شاعراً.. عاطفيّا!!
رُبّما
ربّما كنتُ في أَمْسِ هذي
الحديقةِ وحْدي على وردها المُصْطفَى
ثُمّ وحْدي أَكوْنُ هنالك في غَدِها
طائراً.. بَشَرِيّا!!






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.8k | 0 | 0 )
أخي في القصيدة
( 1.7k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.7k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.7k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.7k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.7k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.7k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.6k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.5k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 989 | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 563 | 0 | 0 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 553 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 412 | 0 | 1 )
عن شَجَرِ الجميل
( 409 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 406 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 390 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 361 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 358 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 285 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 247 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 162 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 108 | 0 | 0 )