أنظم وقتي لفوضاي - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


1681 | 0 | 0 | 0



أُنظِّمُ وقْتي.. لفَوضايَ:

خمْسُ دقائقَ قبْلَ الظّهيرةِ،
من أَجْلِ لا شيءَ..
خمْسُ دقائقَ أُخْرى بُعيْدَ الظّهيرةِ،
من أَجْلِ لا شيءَ أيْضا!

وأَعْرفُ معْنى الخِصام مع النّفْسِ
طيّرْتُ، يوماً، حَمامي لأَكْبَرَ،
ثمَّ انْتظرْتُ، هنالكَ، خلْفَ النّوافذِ..
ها صرْتُ في الأرْبعينَ/
النّوافذُ موحشةٌ،
والصّدى نائمٌ في ثيابي القديمةِ.
تبْكي ثيابي لأنّي كبرْتُ عليها
وأَبْكي لأَنّي كبرْتُ
ولم امْتلئْ بالحمامِ
لأمْلأَ هذي السّماواتِ نبْضا !
ومن أجْلِ لا شيءَ أَيضا!

وأَعْرفُ معْنى السّلامِ معَ النّفْسِ
أَمْسَحُ عن وجْهِ تلكَ النّوافذِ
ملْحَ السّنينَ، ودَمْعَ الهواءِ
وأَخْرُجُ للسّوقِ، أَجْلسُ في
أيِّ مقهىً بلا قلَقٍ:
لا غريمَ يُماطلُني،
ولا دَيْنَ يُقْضَى!

أُنظِّمُ وقْتي لأَنْسَى،
هُنا الآن، أَنسى
وأَدْخلُ في ساحةٍ شِبْهِ خاليةٍ:
عُلَبٌ صَدِئَتْ كالهواء على
شجرٍ قدْ تَهدّمَ..
لا فَرَحٌ يَسْتفِزُّ الحياةَ ليجْتَهِدَ
الدّوْدُ أَكْثَر،
لا يدَ للدّوْدِ كي يتناولَ
أَكْثَرَ من وجْبَتَيْنِ، من الميّتينَ، على الرّيْقِ
لا يدَ للدّودِ:
مَحْضُ فَمٍ،
وامْتدادٌ رتيْبٌ على هيْئةِ الأُسْطوانةِ
لا هوَ يَشْبَعُ يوماً،
ولا هوَ يَرْضى!
ومن أَجْلِ لا شيءَ أَيْضا!

أُنظِّمُ وقتي لأَصحابيَ الميّتينَ/
-       لأَنّ الزّياراتِ تحتاجُ برْنامجاً صارِماً –
فالثّلاثاءُ: للشُّعراءِ الكثيرينَ،
-       هل كتَبوا الشِّعْرَ حقّاً ؟! –
وللعاطلينَ عن العملِ: الأربعاءُ.
وأَمّا الخميسُ: فلِلْمُلْحِدينَ الظّريفينَ
-       هل كلُّهمْ ظُرَفاءُ إذا أَلْحدوا
وأَلْقَوا لهذي الرّياحِ السّؤالَ المُمِضّا؟
إلى أينَ؟ مِنْ أَيْنَ؟..

يَنْسُوْنَ ما يذكُرُ العشْبُ،
يَنْسُوْنَ، أَحْلامَهمْ
ويَنْسُوْنَ، حتّى، الخُطى
حين يَرْفعُ هذا الطّريقُ سَرابَ أَمانيِّهمْ!
ولا يصْعدونَ السّماءَ قليلاً،
ولا يَهْبِطونَ من الشَّكِّ أَرْضا!
ومن أَجْلِ لا شيءَ أَيْضا!

أُنظِّمُ وقتي لأَنْسى،
هنا الآنَ، أَنْسى الذي قال لي
صاحبٌ قد قَضَى
قَبْلَ عَقْديْنِ:
لو كنتَ يوماً هنا حيَواناً،
فماذا ستخْتارُ، يا أَيُّها الحيوانُ؟
-       ويضْحكُ –
-       لا أَعْرفُ الآنَ !
دعْني أُفكِّرْ قليلاً..
فيصْرُخُ: فكَّرْ كما شئْتَ، أَو
صَلِّ للإسْتخارةِ!
أمّا أنا: سأكوْنُ (الزّرافةَ)
حتّى أُطلَّ بعنْقي الطّويلةِ، ليلاً،
على.. كلِّ ما ليسَ يحْدُثُ في الغيْبِ!
-       يضْحَكُ أكْثرَ –
/ هل كانَ يضْحكُ،
أَمْ كانَ يوْسِعُ لحْمَ الفضاءِ
بغيمتِهِ الحجريّةِ عَضّا ؟! /
فقلْتُ: عناوينُنا اخْتَلَفَتْ،
واليقينُ أَمَضُّ على أهْلهِ
أيُّها الحيوانُ الطّويلُ الجميلُ الذَّكيُّ النّبيلُ
اليقينُ أَمْضُّ وأَمْضَى!

أَقولُ لهُ: لسْتُ مثْلَكَ!
ها إننّي قدْ نسِيْتُ غيابَكَ،
حتّى الخُطى نسِيَتْها الطّريقُ!
ولكننّي قد أَرى!
أنا منْ رأَى!
أنا من رأَى عورةَ الأَرْضِ،
عورَةَ هذي السّماءِ
فقامَ لِيَخْصِفَ أَسْمالَهُ الزّاهقاتِ عليها
وأَغْضَى!
ومن أَجْلِ لا شيءَ أَيضا!

أُنظِّمُ وقتي لأَهدُرَ وقتي على
مَهَلٍ
-       فالسُّلَحْفاةُ صاحبتي –
كلُّ شيءٍ سيحْدُثُ في وقْتِهِ
عندما سوفَ يحْدُثُ..
لكننّي آمِنٌ في طلاقةِ سجْني
هنا الآنَ، في سِرْبِ هذا الحصى
كأَنْ حيْزتِ الأَبديّةُ لي!
ولي كلُّ عافيةِ الفجْرِ
حينَ يُجرِّدُ ليلَ الغرانيْقِ من ثوبهِ
ولي قبْضَةُ الكلماتِ على أَثرٍ غامضٍ
وأَيْقونةُ الطّلِّ لي،
إذْ تُفيقُ الحديقةُ من نومِها
في ثيابِ الضّحى/
ضحى الزّعْفرانِ..
ويُسْنِدُ بعْضيَ – من
شدَّةِ الصّحْوِ – بعْضا !
ومن أَجْلِ لا شيءَ أَيضا!

أُنظِّمُ وقتي لأَذْكُرَ دمْعَ أَخي
وريشَ الحَمامِ على دَرَجٍ باردٍ
هل وُجِدْنا هنالكَ حقّا ؟
لبِسْنا قميصَ السّرابِ
وقُمْنا لنَذْرَعَ عُرْيَ الغُبارِ المُعطَّشِ
-       خارجَ تلكَ النّوافذِ – طوْلاً وعَرْضا !
كبرْنا، أَخي
قد كبرْنا
أَمِنْ أَجْلِ لا شيءَ أَيْضا؟

أُنظِّمُ وقتي لفوضايَ:
هذا النّهارُ سُباتي
وليلي معاشي الطّويلُ/
قرأْتُ، وصلّيْتُ، شاهدْتُ (فِلْماً)
ذَكرْتُ، طَبَخْتُ، (جَليْتُ)
وجَرَّدْتُ منّي شبيهاً أُحاورُهُ
-       لعلّيَ من خمسةٍ وثلاثينَ عاماً أُحاورُهُ –
مَلأْتُكَ، يا ليلُ، صحْواً
وما ذاقَ حُلْماً شَبيْهي،
ولا ذقْتُ من شِدّةِ البَرْقِ غَمْضا!
أَمِنْ أجْلِ لا شيءَ أَيضا؟

هُوَ الضّوءُ تَشْقى بهِ
شهْقةً.. شهْقةً، حينَ تَرْكبُهُ
خِلْعةً.. خِلْعةً حينَ يَعْرى
تميلُ بكَ الرّيحُ ذاتَ الفناءِ
وذاتَ الوجودِ
فتنْسى وتذْكُرُ:
مَوْتى طليقينَ في ساحةِ الأَبديَّةِ،
أَحْياءَ في غُرَفِ الوقْتِ أَسْرى!
هنا الآنَ في يومكِ الحيّ قُرْبَ
المقابرِ/
خمْسُ دقائقَ حتّى تعيْشَ،
وخمْسُ دقائقَ حتّى تموتَ..
ومن شدَّةِ الضّوءِ كالثّوْبِ تُنْضَى!

أُنَظِّمُ وقتي لأَجْل الجميلةِ في البيتِ:
ذاتِ الثّلاثينَ رِدْفاً
وذاتِ الرّداءِ المُفوَّهِ، والقُنْفُذَينِ
الذّكيَّيْنِ، تلكَ المُسمّاةِ في
مُعْجَمِ الرّيحِ: (فَوْضَى) !
ومن أَجْلِ لا شيءَ
أَيضاً.. وأيضا !






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3k | 0 | 0 )
ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.8k | 0 | 0 )
أخي في القصيدة
( 1.7k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.7k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.7k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.7k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.7k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.6k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.5k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 989 | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 563 | 0 | 0 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 553 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 412 | 0 | 1 )
عن شَجَرِ الجميل
( 409 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 406 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 390 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 361 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 358 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 285 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 247 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 162 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 108 | 0 | 0 )