ضباب على الماء - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


1702 | 0 | 0 | 0



ضبابٌ على الماء،
بحّارةٌ بِمَجاذيفَ من خشَبٍ صاخبٍ
يخْدِشونَ هدوءَ المكانِ
ولا يَنْظُرونَ إلى الخلْف
بحّارةٌ سَقَطوا من جروحِ الزّمانِ
وحَطُّوا على شفْرةِ السّيف
بحّارةٌ يَضْبُطونَ التّواريخَ بالمَوجِ..
/ لم يكْبَروا عندما كبِرَ النّاسُ
لم يَسْكنوا غيرَ أحلامِهِمْ
عندما سكَنَ النّاسُ عظْمَ القُرى
واسْتكانوا إلى النّسْلِ والحرْث../
بحّارةٌ مالحونَ كما البحرُ
تعْلو الحياةُ بِهِمْ ثُمَّ تَهْبطُ
والقلْبُ يعْلو.. ويعْلو
ويُمْسِكُ قوسَ الفضاءْ

ضبابٌ يَنوحُ على شَجَنِ الماءِ
تبدو الأساطيرُ واضحةً مِنْ هُنا
ما الذي ليس يوجدُ في البحر؟! /
تَجْثو السّماءُ على رُكْبَتيْها
ويجْثو الغناءُ على زَبَدٍ طائشٍ
والسّفينةُ ترْقُصُ كالشّبَحِ الحُرِّ في الرّيحِ..
خُذْنا إلى الغَيْبِ يا بحْرُ
-       كانوا يُغَنّونَ-
خُذْنا بعيداً لِنَخْتَبِرَ المستحيْلَ
وخُذْنا.. إلى ما تَشاءْ!
وكنتُ، من الخوفِ، وحْدي أُغنّي
كَمَنْ هوَ يَهْمِسُ:
يا بحرُ.. خُذْ عِلَّتي للشِّفاءْ! /

تبدو الحياةُ بُدائيّةً ها هُنا
فالطّحالبُ طافيةٌ مثْلَ ثوبِ
زفافٍ تَمَزّقَ قبْلَ زَواج النّباتاتِ..
والماءُ صافٍ، وأَسْماكُ قرْشٍ تجوْبَ
المكانَ الطّريَّ الأَبيَّ على الكلماتِ وأَوصافِها..
[الطّينُ أَخْضرُ/أَحْمرُ، لا شيءَ
يُزْعجُهُ في السُّباتِ الطّويلِ على
وقْعِ سُبْحَتِهِ الصّدفيّةِ
في أبديّةِ هذا الشّتاءْ..]

وقلْتُ لهُمْ: أَصْدقاءَ الأَعاصيرِ،
هل تعْرفونَ المكانَ الذي تحْتَنا؟
فقالوا: كما نَعْرِفُ الكَلِماتِ الحَروْنَ
وأَحْلامَ (صِنّارةٍ)
رقَدَتْ.. بانتظارِ العَشاءْ!

هنا سمَكٌ أَيْقَظَ الخيْطَ من نومِهِ،
سمَكٌ يَتخَبَّطُ في دلْوِ ماء
وتَخْفِتُ أَنْفاسُهُ قطْرةً قطْرةً..
ويخوْنُ العروْقَ الهواءْ
وقُلْتُ لهمْ: تَعْرِفون الزّمان الذي
حوْلَنا؟
فقالوا: نُحَدِّقُ في صفْحَةِ اللّيلِ
حتّى نَرى طُرُقَ النّجْمِ فيها
فنَنْجوا من التّيهِ، من أُمِّنا الهاويهْ.
هُوَ البحرُ لا يستطيعُ، المُضيَّ
بعيداً عن البحرِ،
لا يسْتطيعُ، ولا نستطيعُ، البقاءْ
على موجةِ نَفَسَيْنِ..
فكيفَ نَجَوْتُمْ من البحْرِ – قُلْتُ - ؟
فقالوا: بتَرْكِ النّجاةِ من البحر
سَلِّمْ لهُ الأَمْر، سلِّمْ
حياتَكَ للموجِ واهْدأْ
كأَنّكَ في خاطِرِ الرّيحِ ريشٌ من الرِّيشِ
سَلِّم لهُ الأَمْر..
حاوَلْتُ – قُلْتُ – وحاوَلْتُ
لمْ أَسْتَطِعْ !
[ لا هُوِيّةَ لي في قبائلِ هذي الغيوم التي
هَبَطَتْ للتّزاوُجِ بينَ الجبالِ التي
ابْتَعَدَتْ في طلاقِ أُرُوْبّا وأَفْريْقِيا
قبْلَ ملْيونَ من سنواتِ الجَفاءْ! ]
هي الإحتمالاتُ
تَجْرُفُني في المتاهاتِ
لا صخْرَةٌ نتَأَتْ من حراشِفَ مائيّةٍ
لا وِطاءْ
هُنا الآنَ، تَحْتي
ليُدْفىءَ أَحْلاميَ الصُّوفُ إنْ نمْتُ سهواً
ولا بيتَ لي فوْقَهُ.. أَوْ غِطاءْ!

ونَعْرِفُ ما يَصْنَعُ الموجُ بالوقْتِ:
يَنْحِتُهُ حجَراً بارداً ،
ثُمّ يُغْرِقُهُ
ولذا لا نَشيْخُ ولا نُحْتَضَرْ!
ونَعْرِفُ ما يصْنَعُ الوقتُ بالموجِ:
يَنْسُلُهُ، ويُدَحْرِجُهُ في طريقِ
الرّياحِ،
ويَسْكُنُهُ خيْمَةً خيْمَةً.. في العَراءْ !

وساعاتُنا رِزْقُنا المُنْتَظَرْ
فَخُذْ موجةً في يَديْكَ، وحدِّقْ بها
لِترى الأَبَديّةَ تَتْرَى كآناتِ هذا
الهباءِ السّماويِّ من حَوْلِنا..
كآناتِ.. هذا الهَباءْ!

ولا يَفْلِتُ الموجُ من نفْسِهِ،
هوَ في قَفَصِ الرّيحِ طيرٌ
يُطَوِّحُهُ السُّكْرُ من
رغْبَةٍ.. في الفَناءْ

ولا تَفْلِتُ النّفْسُ من موجِها،
حَيْرةٌ تَتناسَلُ في حيْرةٍ
لِيَظَلَّ المكانُ قَصيّاً، شديدَ الغموضِ
فقُلْ أَنتَ قُلْ:
ما الذي ليس يوجَدُ في البحرِ ؟!
قلْتُ: النّساءُ النّساءْ
-       فلمْ يَسْمعوني –
صَرَخْتُ: النّساءُ النّساءْ
وَحَدَّقْتُ.. حدَّقْتُ، أَطْوَلَ، في الماء
كانت نساءٌ، هنالكَ، يرْقُصْنَ في القاعِ
قُلْتُ: الدُّوارُ يُخيِّلُ لي ما أرَى!
والتَفَتُّ ورائي.. فلمْ يكُ شيءٌ
سِوى الموجِ !
أَيْنَ السّفينةُ – صِحْتُ - ؟ وبحّارةُ
الأَبديّةِ، ساداتُ ملْحِ الدُّهورِ
وحُرّاسُ بيتِ البُكاءْ ؟!
وكان الضّبابُ على الماءِ يَرْقُصُ،
والرّيحُ تَرْقُصُ، والموجُ..
أَعْرِفُ ما يصْنَعُ الرَّقْصُ بالبحرِ:
يَجْعَلُهُ حفْلَةً لزواجِ السّماواتِ والأرضِ
حتّى يُبلِّلَ سُكّانَهُ الرّاقصينَ الغِناءْ!
ويَنْثُرُ في ليلهِ خَرَزَ الضّوءِ
يُغْوي العَوالمَ فيهِ فَتَرْقُصُ / أَرْقُصُ
حتّى تدوْخَ السّماءْ!
ولا شيءَ، لا شيءَ في
البحرِ.. إلا النّساءْ!
وبحّارةٌ مالحونَ،
وكمْ يذْهبونَ بلا أَثَرٍ خَلْفَهمْ
بلا رغْبةٍ في الوداعِ
ولا رغْبَةٍ في اللّقاءْ!
بحّارةٌ مالِحونَ،
يُجيْدونَ ترْكَ الغريبِ وحيداً هُنا
يَتَخَبَّطُ في البحْرِ مثْلي،
ومثْليَ تَخْفِتُ أَنْفاسُهُ
قطْرةً.. قطْرةً
في مَهَبِّ الهَباءْ!






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3k | 0 | 0 )
ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.8k | 0 | 0 )
أخي في القصيدة
( 1.7k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.7k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.7k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.7k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.7k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.6k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.5k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 989 | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 563 | 0 | 0 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 553 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 412 | 0 | 1 )
عن شَجَرِ الجميل
( 409 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 406 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 390 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 361 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 358 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 285 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 247 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 162 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 108 | 0 | 0 )