لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


1759 | 0 | 0 | 0



في المساءِ هنا
أَتَمَشَّى بذاكِرَتي الآنَ،
ثُمّ أَقولُ لنفْسيَ:
فاتَ الأَوانُ لأَنسى الحديقةَ
والبيتَ،
بَرْقَمةَ البُلْبُليْنِ، وسبْعَ الصّخورِ
ونبْعاً.. هوى تحْتَ شفْرةِ
جرّافةٍ.. من حديدْ

ليتني أُوْلدُ الآنَ
ثانيةً.. من جديدْ

وأَقولُ لنفسي، أَقولُ لها:
تَلُّها
ظَلَّ يَتْبَعُني في الأَقاصي البعيدةِ،
رَيْحانُها يَتَنَفّسُ بين يديَّ
ويكْبُرُ تحْتَ ثيابي التي كبِرَتْ
ظَلْتُ أَشْتَمُّهُ إنْ عَرِقْتُ
وَيَضْحَكُ من دهشتي كلّما قُلْتُ:
مَنْ رشّهُ بالنّدى،
مَنْ غَواهُ ليَتْبَعَني،
وأَعَدَّ له جَنَّةً.. في الوريدْ ؟!

ظلَّ يَتْبَعُني سرْوُها المَلَكيُّ
وسَيْلُ اليواقيتِ،
قُمُّ الدّجاجِ المُثَقَّبُ،
تينتُها النّبويّةُ، أُوْلَى دروسي
مع النّحْوِ/ نحْوِ الحصى والكواكبِ في
حِصَصِ اللّيل...
إيقاعُ شهْقَتِها كلّما هَدَرَ السّيْل
جَرَّةُ فَخّارِها، والدّجاجُ الشّقيُّ
وديكٌ هناك.. كقلبي وحيدْ

لِمَ لا أَوْلدُ الآن
ثانيةً من جديدْ؟!

تلكَ تينَتُها والمساميرُ إذْ صَدِئَتْ
وقناةٌ' مُعلَّقةٌ في الأَعالي..
سأَصْعَدُ كي أَرْقُبَ السّابحينَ ولا
أَتَجَرَّأُ أَنْ أَنْزِلَ الماءَ/
إنّ السّباحةَ ضرْبٌ من الإنتحارِ
- تقولُ حليمةُ لي – فأُصدِّقُها
ثُمَّ يَضْحكُ منّي الكبارُ:
لأَنتَ الحليمُ الرّشيدْ !

تلكَ رحْلَتُنا في صباحٍ
تَخالُ الظّهيرةَ قد بَدَأَتْ فيهِ...
أَبقارُ جارتِنا أُمِّ أَحْمَدَ،
نومُ السّياجِ على شَظَفِ الظّلِّ،
رسْمي الغزالةَ خائفةً
فوق بابٍ تقوَّسَ
نَحْلُ الجبالِ الذي أَيْقَظَ النّائمينَ
بِلَذْعِ الحنينِ
وحلْوى 'لناشدَ إخوانَ' في كلِّ عيدْ

ليتني سوف أُوْلَدُ
ثانيةً من جديدْ

لَعِبٌ بالتُّرابِ، وبالطّينِ حتّى نصيرَ
أَشِقّاءَ مَزْبَلَةٍ نُبِشَتْ
أَو أَشِقّاءَ ماعزِ أَصْحابنا البدْوِ...
عدْوي مع الأَصدقاءِ بوادي المَضابِعِ،
بيتٌ من الزّنْكِ في السّفْحِ،
بعْضُ كلابٍ مُدرَّبةٍ للنُّباحِ على
كلِّ شيءٍ...
حَمامٌ يُطِلُّ على الغَيبِ والأُمّهاتِ
ويَنْسى على الشُّرُفاتِ
قلوبَ الصّغارِ التي
أُرْسِلَتْ.. في البريدْ

تَنَكاتُ الحليبِ الكبيرةُ نَمْلَؤُها بالبنانيرِ
هَوْجَةُ دَبِّيْكةٍ عَرِقوا
ضَحِكاتُ النّساءِ الخبيثةُ،
طَلْقاتُ خَرْطوشةٍ لا تَصيْدُ العصافيرَ
إلاّ إذا وقَعَتْ فوْقَنا ضَحِكاً
وقروشٌ نُحاسيّةٌ نتداولُها كالتّعاويذِ:
تلكَ مكافأَةُ المُرْتَشينَ
لحِفْظِ النّشيدْ

[ كان لا يُعْجِبُ الأُمَّ
حِفْظي أَناشيدَ كلِّ
الصّفوفِ..
فظلَّتْ تُطالبُني بالمزيدْ !]

الحصانُ المُسجّى على مَدْخَلِ البيتِ،
فَزَّاعةُ الحقلِ إذْ أَصْبَحَتْ
مسْرَحاً للطّيورِ الجريئةِ...
دِبْسٌ من التّمْرِ في الفجرِ،
نعْناعُ جدَّتِنا الكَرَكيّةِ/
تلكَ التي ولِدَتْ في فلسطينَ...
أُرْجوحةٌ تحْتَ ليمونةٍ شيّبَتْها
الحوادثُ
مِنْقَلَةُ الجدِّ، إيقاعُ
نَقْرِ الحصى في منازلها الخاوياتِ
وصورةُ ليثٍ فتيٍّ على حائطٍ شاخَ
- ما كنتُ أَعْرِفُ أَنَّ الهِزَبْرَ
هوَ اسْمٌ لهُ.. والسَّبَنْتَى:
و 'جيْتانُ' خالي المُسافرِ مِنْ
وَتَرٍ نحْوَ آخَرَ بينَ الحدودْ

كسَلُ الفَرْفَحينةِ،
مَصْطَبَتانِ، وداليَتانِ تَشِفّانِ في
رقْصةِ البَرْقِ،
لا تنْجوانِ ببعْضِ العناقيدِ من
شَرَهِ الأَشقياءِ الذين يريدونَها
حِصْرِماً أَو زبيباً، فلا فَرْقَ !
رائحةُ القَشِّ حين تَطيْرُ الوسائدُ
في هَوْشَةٍ لم تُحدِّدْ مصائرَنا مثْلما
قد ظَننّا
فأَخْطأَنا – إذْ نَجَوْنا – الخلودْ !

قطَطٌ لا تُعَمَّرُ من كثْرَةِ الدّهْسِ،
مُخْتارُ قريتنا إذْ يَسُبُّ الحكومةَ
والدّينَ.. إنْ لم تَلِدْ عَنْزَةٌ عَنْزَةً
ليؤَسِّسَ ممْلكةً للمواشي
ويُكْمِلَ.. حَرْبَ الصُّمودْ !

دَوْمَتانِ بساحةِ مدْرسةٍ أَغْلَقَتْها
الوزارةُ من غَزَواتِ الجراذينِ والقَمْلِ..
مُسْتَنْبَتٌ موْحِشٌ لاخْتلاءِ العشيقاتِ
بالعاشقينَ
بَرابيشُ مثْلُ الأَفاعي
يُحرِّكُها الوَهْمُ والخوفُ في اللّيلِ...
بومٌ هنالكَ يَحْرُسُ نومَكَ
قُرْبَ أَخيكَ
وحيدَيْنِ تحْتَ المَجَرَّةِ.. وهْيَ تَمِيدْ

وحنيشٌ أَقَضَّ نُعاسي ثلاثةَ أَيّامَ
حتّى أَتاحَ لنا اللهُ مَنْ طَخَّهُ
والنّمالُ التي سَرَقَتْ مُونةَ القمحِ،
رائحةُ الزّعْترِ الجبَليِّ بِفُرْنِ حليمةَ
شِبْشِبُها المُسْتَعِدُّ لِفَرْضِ
النّظامِ، وفَضَّ الخِصامِ
و ' شيءُ ' الحمارِ المُدلَّى على الأَرضِ،
صُبّارِ 'سِنْسِلَةِ' البيتِ
حَمّامُنا المُتهالكُ كالطّلَلِ الجاهليِّ
ورَفُّ عصافيرَ زرقاءَ
قادمةٍ.. من بَعيدْ

وفُتاتُ النّجومِ على سَقْفِ بيتِكَ
والدُّودُ تَسْتَلُّهُ من مخابئهِ
ثُمَّ تَمْلأُ منهُ جيوبَكَ...
رائحةٌ للَّحافِ الذي كانَ تَيْساً
وما زالَ.. رغْمَ الدِّباغةِ والملْحِ!
مَوَّالُكَ المُتَقَطِّعُ عندَ المساءِ
ورهْبةُ ذاكَ الغروب الذي
لنْ يَعودْ

كُلُّ ذا.. كُلُّهُ
وثمانونَ عُشّاً على الأَرْضِ
أَسْقَطَها ولَدانِ شَقيّانِ
خيطُ دماءِ العصافيرِ فوقَ ثيابكَ
زيتونتانِ هنالكَ ماثِلَتانِ
وأَمْطَرَتاكَ دماً لا يَجِفُّ معَ الوقتِ.. !
زيتونتانِ هنالكَ شاهدَتانِ
وقلبي شهيدْ

ليتني كنتُ أُوْلَدُ
ثانيةً.. من جديدْ !

لسْتَ تَنْسى ولو مَرَّةً،
ثُمَّ لو مَرَّةً.. لسْتَ تَكْبُرْ
كلُّ ذا.. كلُّهُ
كُلُّها.. كُلُّها
لِمَ لا أَستطيعُ
معَ الوقتِ نسْيانَها ؟!
لمَ لا أَتَحَرَّرْ ؟!
أَو يُقالُ لقلبي: تَخيَّرْ
إذا شئْتَ تَذْكُرُ يا قلبَهُ،
وإذا شئْتَ تَنْسى.. وتصْبِرْ
فَقَرِّرْ
مصيرَكَ، في أَمْسِكَ الآنَ، قَرِّرْ/
كنتُ أَشْكو إذنْ،
كنتُ أَخْتارُ
أَنْ لا أُخَيَّرْ
كنتُ أَصرخُ ملْءَ دمي
في الجدارِ الذي شاخَ حتّى تَكَسَّرْ:
يا إلهيَ،
كمْ عِشْتُ حتّى رأَيْتُ،
- وقد متُّ فيها هناكَ –
وكمْ كنتُ وحْدي.. ولمْ أَتَذَكَّرْ !






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3k | 0 | 0 )
ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2k | 0 | 0 )
أخي في القصيدة
( 1.7k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.7k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.7k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.7k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.7k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.7k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.6k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.5k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 989 | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 563 | 0 | 0 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 553 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 412 | 0 | 1 )
عن شَجَرِ الجميل
( 409 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 406 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 390 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 361 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 358 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 284 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 247 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 162 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 108 | 0 | 0 )