في الحروب - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


1457 | 0 | 0 | 0




في الحروبِ، كما قد تفاجئُنا في
الظّلام القذائفُ والطّائراتُ..
تفاجئُنا – دون أنْ نتقصّدَ- أَسئلةٌ
مُهْمَلَهْ
عن معاني الوجودِ الخفيّةِ،
عن فرحٍ ليس يُؤذي الطّبيعةَ
واللهَ والنّحْلَ.. والطّائراتِ التي
تَحْرُثُ الأَرضَ، والنّاسَ.. مُدْبرةً مُقْبِلهْ!

هل يُحبُّ هنا أَحدٌ أَحداً؟
هل يَرى أَحدٌ لونَ زهرةِ فلٍّ فيرتعشَ
الماءُ في صوته – وهو يبْكي ويَلْمسُها-:
أَنتِ أُختي، وشوكةُ قلبيَ في
طُرُقِ الجُلْجُلهْ..؟!
هل يرى أَحدٌ ذَهَبَ اللهِ، ذاك الذي
قد أَغاظَ به الأَغنياءَ بحكْمتهِ
حين وزّعَهُ كالسّبيل مَشاعاً
هنا.. في الشُعاع، وفي السُّنْبُلَهْ ؟!

في الحروب نقولُ: الطّبيعةُ زائدةٌ عن حوائجنا
فهي تَنْصُر فينا الخيالَ على العقْلِ..
لكنّنا نتراجعُ عن قولنا وحماقتِنا
هل هنالك عقْلٌ بهذي الحروب مُتاحٌ
لكي نَحْمِلَهْ؟
أو لنَحْشُرَهُ في جماجمَ مثْقوبةٍ..
أَو ستُثْقَبُ بَعْدَ قليلٍ
بهذا السّلاحِ 'الخياليِّ'..
هل ثَمَّ عقْلٌ يلوذُ به النّاسُ كي
نَعْقِلَهْ ؟!

في الحروبِ نقولُ: الحروبُ طبيعيّةٌ..
ربّما نحْنُ لسْنا كما نتخيّلُ/ لسْنا
كمنْ حولَنا:
نحنُ نصطادُ في سَمكِ البحر أَمواجَنا الحجريّةَ،
نصطادُ أَمواجَنا الأبديّةَ بين شقوقِ
الحصى
ونعلِّمُ أولادَنا أَنْ يَحيكوا ملابسَهُمْ من
خيوطِ الظّلالِ على وهَجِ الرّملِ:
صلُّوا على الظّلِّ حتى يليْنَ لكمْ،
واجْعلوا الدّمعَ ما بين دَرْزاتهِ وأَصابعِكمْ
خَرَزاً ساخناً وحنياً يُضيءُ..
ولا تيْأَسوا أنْ يَعودَ ويَكْبَرَ ثانيةً
حينَ يَفْرُغُ من سِنَةِ الإنحسارِ اللّذيذةِ/
فالظّل كالنّاسِ قد يشْتهي النّومَ في
وَقْدَةِ القائلَهْ!

نحن نقْسوا عليهم، ونُلْقي بهم
في أَتونِ الحياةِ:
انْكثوهُ على مَهَلٍ، والْبَسُوهُ عراءً قَشيباً
وزوروا الغيوبَ بلا أَيِّ إذْنٍ إذا
هبّتِ الرّيحُ/ ريحُ الحروبِ
وإما اسْتطعتم فعودوا قليلاً من الموتِ في
العيدِ..
عودوا قليلاً.. لكي تفْرَحَ العائلهْ

في الحروبِ تصيرُ الحمامةُ أُخْتَ الجميع
وسلْوى مُعجَّلَةً..
فنقولُ لها:
انْتَقي أَيَّ إبنِ أَخٍ بَدَلاً من فقيدِكِ يا
عَمَّةَ الدّامعينَ..
ونكْذِبُ من أَجْلِها/ أَجْلِنا:
يا أُخيّةُ، لا تحزني
ربّما أَجَلٌ مُتْخَمٌ
مثلما كان أَجَّلَنا.. أَجَّلَهْ !

في الحروب – كما في الحياة- نصيرُ
أَشحّاءَ.. أَو كُرَماءَ:
خذوا خُبْزَنا أَيّها الغُرباءُ/ أَشقّاءَنا
في المكان الذي يَتطايرُ مثلَ الطّحينِ
وتَخْبِزُهُ القُنْبُلَهْ !

في الحروب – كما في الحياةِ- نصيرُ
سخيفينَ.. أَو حُكماء
نُسدِّدُ، أَوْ لا نُسدِّدُ، فاتورةَ
الماءِ والكهرباءِ.. وإنْ
لم يكنْ ثَمَّ ماءٌ ولا كهرباء..
فنحْنُ لعاداتنا مخلِصين
خصوصاً لعاداتنا في الوقوفِ طوابيرَ تحتَ
الظّهيرةِ، أو في احتكارِ النّدى
عن مدافعِ أعدائنا القاتلَهْ !

نحنُ في الحربِ نفْعَلُ ما يفْعَلُ الناسُ في
السّلْمِ.. نَنْسى ونذْكُرُ:
نَنْسى ديوناً علينا
وننْسى ديوناً لنا..
ربّما سَنُسدِّدُها، في القيامةِ، من
جَيْبِ أَعدائنا..
ربّما لن نُسامحَهُمْ في تهاوُنِهمْ مَعَنا:
كيف أَجّلْتُمونا لحربين كونيّتينِ،
ولم تقتلونا قُبيْلَ بلوغِ الثلاثينَ من
عُمْرِنا؟!
ونُطالبُهمْ بحقوقِ فوائدِ أَعْمارِنا المُثْقَلَهْ!

نحنُ في الحربِ نبْكي.. بلا
سببٍ مُقْنعٍ..
لا من الموتِ نبكي، فإنّ الحياةَ
تُبكِّي الخليَّ كما يفْعَلُ الموتُ..
نَنْظُرُ نحو السّماءِ فنبْكي، لأنّ
السّقوطَ إليها يَطوْلُ، وهاويةَ الروحِ
عاليةٌ..
ثُمَّ نَنْظُرُ للأَرضِ – وهْيَ الطّريّةُ مِنْ
تحت أَحْلامِنا في اللّيالي –
فنَبكي على حُلُمٍ سوفَ يَغْرَقُ فيها
ونَعْجَزُ.. أَنْ نَنْشُلَهْ !

في الحروبِ ننامُ كما النّاسُ، لكنّنا
لا نُجْعِّدُ من تحتنا ظِلَّنا
ونُخفِّفُ أَنفاسَنا لنوفِّرَ بعْضَ الهواءِ
لجيرانِنا النّائمينَ.. وأَطْفالِنا حَوْلَنا!
ربّما تَسْمَعُ الطّائراتُ شخيرَ العجائزِ
في عُلَبِ اللّيل، حين تفاجئُنا بصفيرٍ أَشَدَّ..
وقد نتمهَّلُ حتّى تنامَ الكواكبُ
لكنّنا نتعذّبُ أَكْثَرَ حينَ نحاولُ إقناعَ
زوجاتنا الغاضباتِ بحكمتنا في التّمهُّل:
منْ حقِّ مَنْ يتوقّعُ موتاً وشيكاً بأنْ
يطْمئنَّ على لافتاتِ السّماءِ
لكي لا يَضِلَّ هنالكَ في طُرُقٍ
لا تؤدّي.. إلى أَبَدِ الآجِلَهْ!
طُرُقٍ لا قطارَ بها قد تُسدِّدُهُ سِكّتانِ
ولا حافلَهْ!

في الحروب نعيشُ بلا زمنٍ
فالزّمانُ، كما النّاسُ، يخْلَعُ قمصانَهُ
وملابسَهُ الدّاخليّةَ..
يَعْرَى.. وَيَعْرى إلى أنْ يصيرَ فراغاً
ويَفْرغُ يفْرُغُ حتى يصيرَ بلا اسمٍ لنذْكُرَهُ
أَو ليذْكُرَ آخِرُهُ أَوَّلَهْ!

في الحروبِ،
نُحلِّقُ في اللّامكانِ
لأنَّ المكانَ امّحى
فَرْطَ ما هرَّأَتْهُ القنابلُ
ثُمَّ هَوَيْنا به كلُّنا خارجاً
وهوى كلُّهُ ساقطاً داخِلَهْ!






الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا:




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3k | 0 | 0 )
ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.7k | 0 | 0 )
أخي في القصيدة
( 1.7k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.7k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.7k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.7k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.7k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.7k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.6k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.4k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 976 | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 556 | 0 | 0 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 547 | 0 | 0 )
عن شَجَرِ الجميل
( 400 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 399 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 380 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 355 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 350 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 324 | 0 | 1 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 274 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 240 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 152 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 96 | 0 | 0 )