ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول- - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


2309 | 0 | 0 | 0




كنْتُ أوّلَ ما ﭐنْحَسَرَ الماءُ عَنْهُ،
على كَتِفي كانَ حَطَّ 
الغُرابُ الغريبُ .. وما عادَ ..
أيْضاً ، وعن كَتِفي ، قَصَفَتْ غُصْنَ
زيتونِها ، في الصَّباحِ ، حَمامةُ نُوْحْ

هَبَطَ النَّاسُ رُوْحي فُرادَى على
دَرَجِ الطّيِن ؛ حيثُ الطّحالبُ عالِقةٌ
بينما سَمَكٌ يتقافزُ ذاتَ اليمينِ 
وذاتَ شِماليَ مُخْتَنِقَاً ..
آهِ لا تسْأَلوني عن الأَرضِ بعدَ الغيومِ وَطُوْفانِها ..
كُنْتُ وحْدي على نَطْعِها المتلاطِمِ
يَهْوي على عُنُقِي سيْفُ ريحْ !

ارْتَعَشْتُ بِمَسِّ خُطاهُمْ ، وَهُمْ هابطونَ
إليّ السّلالمَ . كانت تُجَفِّفُني الشَّمْسُ مِثْلَ
الرَّغيفِ . أقيموا على جسَدي ليلةً
أيُّها الغُرَباءُ ، لأَنْسى صُراخَ دمِي
في رؤوسِ الجبالِ . أُصدِّقُ نُوْحْ
وأُصدِّقُ غَيْمَاً عَوَى عندَ وادي السَّماءِ
وَأَنْذَرَني ..بعذابٍ يَلُوْحْ!
ربَّما كان يَلْزمُني أَنْ تكوْنَ السّماءُ 
هُنا قُربَ نفْسِيْ ، هُنا لأُعلِّقَ
قلبي على غُصْنِها ، وأَصِيْحْ
يا سماءُ التي رَحِمَتْ،
يا صَبُوْرَةُ، أُخْتَ الفُجاءَةِ.. يا أُمَّنا 
أًقْلعي لأَغِيضَ 
أنا جارُ أَمْسِكِ..
هُبِّيْ كما شئْتِ بالأنبياءِ علينا 
يُصدِّقْ هُبوبَكِ كُلُّ أَراذلِنا.. والمساكينُ
لكنّنا لا نُطيقُ عِناقَكِ غَضْبَى ، ﭐرْحَمي
شَعْبَ ظِلِّكَ ، يا سِنْديانةُ..
تَنْمُو الكواكبُ تَحْتَكِ كالثَّمَرِ المُرِّ 
ماذا جَرَى للحقيقةِ تَحْتَكِ حتَّى
يُكذِّبَها النَّاسُ ؟ لا فِقْهَ للطِّينِ
لا غَدَ ليْ تَحْتَ مَوجِكِ
لا غدَ ليْ تَحْتَ هذا المُحيطِ الضَّرِيْحْ !

والسّفينةُ في البحْرِ . والبحْرُ في
نفْسِهِ صاخبٌ ، وأَخو غَدْرةٍ
أينَ صارتْ سمائي الّتي .. والبلادُ ؟
وأينَ الطَّبيعةُ في ما وراءَ الكلامِ؟
لَعَلَّ كلامي بخيرٍ !! لعلِّيَ ما
مِتُّ فيهِ ، هنالِكَ ، بَعْدُ
هنالِكَ وسْطَ الجحيمِ الذي فاضَ عَنْ
نفْسِهِ . ولعلَّ الحياةَ بخيرٍ بُعَيْدَ
القيامةِ ، فوقَ ، على.. زُرْقةِ البرْزخِ السَّيْفِ !
شُمَّ اليباسَ الذي أشْتَهي يا فؤاديْ
وشُمَّ إذا ما استطعْتَ كلاميْ
لعلَّ كلامي بخيرٍ ، هُنا ، في أَباريقِهِ 
فَوْقَ ظهْرِالسّفينةِ

.. ها هيَ ذيْ قَشَّةٌ في مَهَبِّ الهلاكِ
وها نَحْنُ دوْدٌ على العُوْدِ
نَحْنُ التُّرابُ الطَّليْحْ
سَتَرْفَعُنا الرِّيحُ أعلى مِنَ الموتِ في 
جَبَلِ الماءِ
يا ماءُ، لا عاصِمَ اليومَ منْكَ
ويا ماءُ، يا وحْشَ هذي الطَّبيعةِ
أنتَ الحياةُ وموتُ الحياةِ
وأنتَ السَّخيُّ الشَّحيحْ
بالذي يَتَمَنَّى الثَّمانونَ مِنْ نَفَسٍ في سَعِيرِكَ..!
إنْ لم أَكُنْ نَفَساً لكِ يا نفْسُ- عُمْري
القصيرَ على الأرضِ -
فلْيكنِ الشِّعْرُ ليْ نَفَساً
ههُنا وهُنالكَ، مِلءَ الزَّمانِ الفسيْحْ
.. ولا بُدَّ أنْ أَجِدَ الأرْضَ
لا بُدَّ لي من سماءٍ مُؤَاتيةٍ
كيْ أكوْنَ شَقيقَ الزَّمانِ الذي
يَتَنَفَّسُ.. في أَبَديَّةِ تلكَ السُّفوحْ
وهْيَ تُشْرِقُ منْ عَتَماتِ الطَّبيعةِ باسمةً 
وتُنادي: إليَّ.. إليَّ
وتَخْفَى، وراءَ المَدى، تارَةً.. وتَلُوْحْ..
ثمانونَ نفْساً مِنَ النّاسِ هُمْ
آخِرُ النَّاسِ بينَ السَّماءِ المُنيْخَةِ والأرضِ ..
لكنّني قد حَمَلْتُ الحياةَ معيْ في جراري الصَّغيرةِ
كُلُّ الحياةِ معيْ ههُنا
تَتَنَزَّهُ بين القوافي 
وتَغْدو على رِسْلِها.. وتَرُوْحْ !

غَيْرَ أنَّا تَرَكْنا الطّبيعةَ تَبْكي دَمَاً طاشَ
ها صِرتُ جُرْحاً يُضيءُ المكانَ
ولا بَيْتَ لي فيهِ
صِرْتُ صُراخَ دمٍ في برودةِ ليلِ العَوالمِ
لا بَيْتَ لي يا عوالِمُ فيكِ
ولا دفْءَ يَسْري طُمَأْنِيْنَةً
حِيْنَ ينْخُلُنا الخَوْفُ..
إنَّا تَرَكْنا المدائنَ تَرْكَ الظِّباءِ الظِّلالَ
وقُلنا: نُعيدُ التَّوازنَ للأَرضِ،
قدْ يَسْفُلُ العقلُ حتّى يَظُنَّ الحجارةَ رَبّاً!
ولكنَّ عقْلي الرَّجيحْ
عَرَفَ الحقَّ في كلِّ شيءٍ..
وقلْبي الطَّموْحْ
عَرَفَ الحَقَّ في نفْسِهِ
والسَّماءُ الرَّحيمةُ أَوْلى بِنا..

كلُّ شيءٍ يَروْغُ لِيَفْلِتَ مِنْ قَدَرٍ مُحْكَمٍ قدْ نُصِبْ
وأنا عالقٌ في برودةِ هذا الخَشَبْ
قلِقٌ في المكانِ الذي طاشَ
لا نَجْمَ يَهْدي.. ولا ماءَ في شَنَّتي !
لم يَعُدْ للحياةِ، هنا، أيُّ طَعْمٍ
هنا في اصْطِكاكِ العوالمِ مِنْ حَوْلِنا
يا بَوائِجُ دَوَّخْتِنا
صَفِرَ القَلْبُ من أَمَلٍ
غاضَ ما غاضَ..
لو رَحْمةٌ تَشْتَلِيْنا !
فإنَّا تُرابٌ منَ النّاسِ في آخِرِ الأَمْرِ
ماءٌ مِنَ الماءِ نَحْنُ، 
ولا قِبَلَ الآنَ للنّاسِ بالماءِ !
يا رَحَمَاتُ ٱنْشُلِيِْنا 
لِنَحْيا على الأرضِ ثانيةً، وٱرْحَمِيْنا
لِنَكْْثُرَ مِلْءَ الزّمان الذي يَتَبَلَّجُ في يَدِنا فَجْرُهُ
كلَّما رقَّقَتْنا القوافي، فَقُمْنا
لِنَنْحِتَ صَخْرَ الجبالِ، ونُعْلي الصُّروحْ

لمْ نَزَلْ عالِقِيْنَ هنا
مُنْذُ شَهْرين في رقْصَةِ الموتِ
لا أعْرِفُ السّاعةَ الآنَ !
لا أعْرِفُ ٱسْمَكَ يا يَوْمُ !
والأمْسَ أَجْهَلُ !
ما ٱسْمُ المكانِ الذي كانَ يَحْيا هنا.. يَتَنَفَّسُ ؟
في جانبي شَبَحٌ.. لم أَعُدْ أَتَذَكَّرُهُ ،
ربَّما كان ليْ صاحِباً أوَّلَ الدَّهْرِ !
كَمْ يَسْلُبُ الرُّعْبُ قلْبَ الحكيمِ
وعقْلَ الحكيمِ ..!
ويا موتُ،
تَمْحُوْ عن الأرضِ وجْهيْ ووَجْهَ الحجارةِ
يا شَغَبَ 'الشِّيْنِ'.. يا شوْكةَ الشَّعْفِ
ها قد وَقْعنا عليكَ، وهشَّمْتَنا بجنونِكَ
تَعْلوْ.. وتَسْفُلُ..
ما ظَلَّ فينا منَ القَلْبِ إلاّ
شُتَيْلاتُ رَعْشَتِهِ تَتَشَلْشَلُ في شَفْرَةِ الماءِ
دوَّخْتَنا يا مَلِيْحْ
بقباحةِ هذا العراءِ المُدَوِّيْ، ولا
شيءَ يَسْلَمُ منكَ سِوى العَدَمِ المَحْضِ
حتّى الحِجارةُ تَثْقُبُها.. وتُعذِّبُ
تَمْلَؤُها .. بالقُرُوْحْ !

..ولمَّا نَزَلْ عالِقِيْنَ هنا
ربّما نِمْتُ إغماضةً مثْلَ حسْوِ الطُّيورِ
وِأَبْصَرْتُني في المَنامِ على دَفَّةٍ أَذْبَحُ الشِّعْرَ
أَكْسِرُ كُلَّ الجِرارِ التي قدْ حَمَلْتُ.. !
ٱنتبَهْتُ مِنَ النَّومِ مُرْتَجِفاً قُلْتُ: تَمَّ البلاءُ إذنْ !
يا حياةُ، تلاعبْتِ بي ما تلاعبْتِ بيْ
فإلامَ تُطِيْلينَ قَصْفي بِرَعْدِ غيوبِكِ !
للماءِ صوْتٌ كخَشْخَشَةِ الشَّوْكِ
يَشْرَبُ رَعْشَةَ ريشِ الطُّيورِ التي قد حَمَلْنا..
لِيَبْقَى لَنا عالمٌ تَحْتَ هذي السّماءِ
وقُلْنا: إذا لم نَطِرْ نَحْنُ مِنْ ثِقَلِ الطِّينِ فينا
تَطِيْرُ الطُّيورُ عن النَّاسِ مِنْ خِفَّةِ الرُّوحِ فيها..
وللماءِ صوتُ دبيبِ الفراغِ الذي يمْلأُ النّفْسَ بالرُّعْبِ،
للماءِ رَقْصَتُهُ الدَّمويةُ إذْ يَتَلَوَّى كغاباتِ صِلٍّ،
ويَقْرَعُ أَجْراسَهُ في بُروْدةِ هذا الفَحِيْحْ

يا سماءُ ﭐرْحَمي كِسْرَةَ الطِّينِ
تلكَ التي بَقِيَتْ،.. وﭐرْحمينا
لأَكْتُبَ هذي القصيدةَ للنَّاس مِنْ بَعْدِنا..
طَلَلٌ كُلُّها الأرضُ،
قدْ يقِفُ القَلْبُ يوماً على
جبلٍ فَوْقَها.. ويَنوْحْ
جَبَلٍ هُوَ آخِرُ بيتٍ لأرض السّماءِ على الأرضِ
نَصْعدُ منهُ إلى غدِنا .. كي نُزوِّجَ
مَبْنَىً لمعنىً، ونوْلِمَ هذي الحياةَ 
لأوَّلِ ضيفٍ يَمُرُّ.. على 
خيمةِ الأبدِ البرتقاليِّ .. عند الغروبْ 

أيُّها الغُرَباءُ ، على رِسْلِكُمْ ، إنَّها لُغَتي
تلكَ مَنْ تَحْملونَ أَباريقَها هابطينَ السَّلالمَ ! 
لو كُسِرَتْ.. ذَهَبَ الشِّعْرُ في الأرضِ..
لا تَكْسِروها؛
أنا آخِرُ الشُّعراء الذين نَجَوا أَيُّها 
الغُرَباءُ . وفي الصَّدرِأَحْمِلُ 
عِلْمَ الحروفِ..وعِلْمَ الجروحْ 

وهَبَطْتُ مع النّاس، إنِّي هبَطْتُ على
أرضِ نفْسي التي وُلِدْتْ مَرَّتينِ من الماءِ
أَمْضَغُ هذا التُّرابَ
لأَذْكُرَ طَعْمَ الذي كانَ ليْ من عَوالِمَ
هذا زَمانُ الفِطَحْلِ الذي سنُؤَرِّخُ ،
رَطْبٌ حَصَى الأرْضِ، رَطْبٌ طَرِيٌّ..
كذلكَ صَخْرُ الجبالِ تهافتَ تَحْتَ الخُطى..
- 'ربما نعْصِرُ الكائناتِ ونَنْشُرُها
في حِبالِ الهواءِ' – يُسَوِّلُ لي
في الصَّباحِ خيالي، فَأَضْحَكُ –
- 'كُنْ مرَّةً واقعيّاً خيَالُ' !
يَقولُ: الأَساطيرُ قد أَصْبَحَتْ ههُنا واقِعاً !
وأقوْلُ: ٱسْتَعِدَّ معي لِنُخَلِّصَ واقِعَ أُسْطورةٍ
- داهمَتْنا بواقِعِها- منْ خيالٍ أقلََّ خيالاً !
ويا.. 
يا غزيرَ الحوادِثِ.. يا واقعي
لن يُصَّدِقَنا أحَدٌ في الزَّمان الذي سوفَ يأْتي
وإِنَّ المَجازَ سَتَشْغَلُهُ، بَعْدَ حادثَةِ الماءِ،
هذي الكثافةُ..
يا دهْرُ كثِّفْ تُخَفِّفْ،على الأرضِ، خوفيْ
مِنَ الموت. كنْ حَجَراً لدِناً يا خيالي، 
ولا تَكُ هذي السَّحابةَ..!
كُنْ خَشِناً كالظِّلالِ التي جَفَّ في ثَوْبِها الماءُ 
عانِقْ تُرابَكَ حِسِّيَّةً لا تُجَرَّدُ
واسْطَعْ، هُنا، مِثْلَ يُوْحْ
فوقَ ما جَفَّ واختارَ آخرَ أشْكالِهِ..
في صلابةِ هذا الوضُوْحْ

.. وهَبَطْتُ مع النَّاس، إنِّي هبطْتُ
لِتَسْطَعَ مُعْجِزتي حينَ أمْشي على الأرْضِ!!
مَشْيي على الأرضِ معْجِزةٌ،
مِثْلَما هيَ معْجِزةٌ ستكونُ إذا 
قامَ يَمْشي على الماءِ
- من خفَّةِ الطِّين فيه - ٱلمسيحْ

نحْنُ ماءٌ من الماءِ
لا قِبَلَ الآنَ للنَّفْسِ بالماءِ..
يا رَحَماتُ ﭐنْشُلينا لِنَحْيا على الأرضِ ثانيةً
ربَّما نَثْقُبُ الصَّخْرَ يوْماً بما ظَلَّ من دمْعِنا
ونُحِيْكُ ثيابَ السَّنابلِ للسَّهْلِ خَضْراءَ.. صَفْراءَ..
خُذْ كِسوةً للعواطِفِ، يا سهْلُ
مَجْبولةً بِملوْحةِ هذا العَرَقْ
وانْبَثِقْ
من أصابِعِنا مِثْلَ فجْرٍ.. نَما في التِّلالِ..!
سَنَزْرَعُ عَمَّاتِنا النَّخْلَ حَوْلَ منازلِنا
يا بَقِيَّةَ آدَمِنا في التُّرابِ ﭐكْبُري حَوْلَنا
نَفَساً.. نَفَساً.. كي نَلمَّ 
شَتاتَ البصيرةِ في ليلِ غُرْبَتِنا!
يا بصيرةُ لا تُخْطِئي هَدَفاً في طريقِ الحقيقةِ
ها نحْنُ نحْيا كما نشْتهي
في الحياةِ التي علَّمتْنا الحياةَ
لنا حِكْمَةُ الرَّملِ
سَهْوُ الظّلالِ، وَصبْرُ النَّخيلِ
وإغفاءَةٌ لغزالينِ تحْتَ الطُّلوْحْ

كنتُ أوّلَ ما انْحسَرَ الماءُ عنهُ
أُفتِّشُ عن رَجُلٍ يحْمِلُ السِّرَّ بعدي
لقد ضاقَ قلبي بقافيةٍ
ليس يَعْرِفُها .. غيرُ قلبي !
أُفتِّشُ عن رجلٍ يحْملُ السِّرَّ 
يَصْنَعُ، مِثْليَ ، قافيةً تتنفَّسُ لَوْ طَمَّها
الماءُ في البحرِ ..
.. يا ماءُ أنتَ الحكايةُ – كلُّ الحكايةِ –
منْ أوَّلِ الطِّينِ حتّى انبعاثِ الخلائقِ
إنّا وجَدْنا على الأرضِ، بَعْدَ سكونِكَ،
أَفْضَلَ ما كانَ فينا:
وَجْدنا البصيرةَ، والكَلِماتِ التي
تَرْفَعُ الرُّوحَ أَعْلى من الموتِ..
ها عُمِرَتْ بيدينا الحياةُ؛
بَنَيْنا مدائِنَنَا، وبَذَرْنا القُرَى
فوقَ وَجْهِ البسيْطَةِ حَبَّاتِ دُرٍّ تُضيءُ لِمَنْ 'ضَلَّ'..
لا شيءَ أَصْفى مِنَ الرُّوح إنْ
لَمَسَتْها السَّماءُ على الأرضِ،
لا شيءَ أَنْقى مِنَ الكَلِماتِ إذا.. نَضَّها الماءُ
والشِّعْرُ ماءٌ مِنَ الماءِ..
غَنَّيْتُ: يا نَفْسُ ها قدْ تَنَفَّسْتُ
حتّى ﭐسْتَعَدْتُ هدوءَ التُّرابِ ونِمْتُ
كأنِّيَ نِمْتُ ثمانينَ عاماً على صخْرةٍ
في الجبالِ، ولا شيءَ حوليْ هنا يَتَأَرْجَحُ 
صِرْتُ سلامَ السّلامِ على نَفْسِهِ في الطّبيعةِ
أَسْمَعُ نوْحاً يَقُصُّ على النَّاسِ ما
كانَ منْ خَبَرِ الأَوّلينَ.. وما سيكُوْنُ
كأنّي أنا النَّاسُ في جسَدٍ أَرْتديهِ
لأَسْمعَ فيَّ صَدَى كلِّ شيءٍ:
أنا في الطّبيعة أمْ هي فيَّ ؟ !
جَرَيْتُ كما نَهَرٌ قَدْ جَرَى،
وسَطَعْتُ كَشَمْسٍ، نَمَوْتُ
كما كانَ يَنْمُو النَّباتُ، وآخَيْتُ
كُلَّ الوحوشِ، وطِرْتُ
كَزَوْجِ حَمامٍ، تَزَوَّجْتُ حُرِّيَّتي
كي أَكوْنَ الذي كانَ، كُلَّ الذي كانَ ..
غَنَّيْتُ حتّى فَنِيْتُ:
كأَنّكِ أُلْهُوَّةٌ يا حياتي !
كأنِّي ﭐنْتَبَهْتُ مِنَ النَّومِ إذْ زارَني الموتُ 
وﭐنْخطَفَتْ في شُعاعِ دَمِيْ الظُّلُماتُ !
كأنَّكَ يا ماءُ لي صِفَةٌ ،
وكأنَّكَ لي، أيّها الرَّمْلُ، ذاتُ !
يا بَنَاتَ الضُّحَى، يا بَنَاتُ
ﭐسْتَمِعْنَ لأُنْشُودةِ الرَّمْلِ والماءِ تَحْتَ
السَّماءِ.. ﭐسْتمِعْنَ لِهَمْسِ السَّريرةِ عندَ السُّرَى
إذْ َتنُوْسُ الحياةُ
وأَرْضِعْنَ هذي القوافيَ.. حَوْلي
حَنانَةَ مَعْنىً يَجِلُّ
كَمَا أَرْضَعَتْ رِئْمَها في التِّلالِ مَهَاةُ
بَنَاتُ،
ولوْلا السَّحابةُ – أُخْتي الأخيرةُ ـ
لوْلا سحابةُ هذا الخَيالِ لَمَا
نَبَتَتْ في تُرابي الكِناياتُ..!
والشِّعْرُ ماءٌ من الماءِ
ماءُ الهَوَى والهُويَّةِ
ماءُ سمائي القَرِيْحْ

ربّما كانَ هذا الخلوْدُ ضرورةَ قافيةٍ
علَّقتْني' هنا شَبَحاً في سديمِ الزّمانِ..
كأنّي نَجَوْتُ منَ الموتِ ،
مِنْ أوَّلِ الموتِ
مِنْ آخِر الموتِ
لا شيءَ فيَّ يموتُ سِوى
جسَدٍ.. أَرْتديهِ، قليلاً، وأَنجوْ إذا
هَلَكَ الماءُ فيهِ..
أنا رَعْشةُ الرُّوحِ في الماءِ
وَمْضَتُها.. في الشُّعاعِ الجَموْحْ
وهْوَ يَنْفِرُ من ظُلْمةِ الطِّيْنِ..
طِرْ بي إلى جَسَدي بَشَراً أيُّها الطِّيْنُ
طِرْ بي.. بما فيكَ منْ قوّةِ الماءِ
حتّى أَزُوْرَ السّماءَ بِحُلَّةِ هذا البهاءِ
وإنّ الزِّياراتِ مُمْكِنةٌ كُلَّما
ﭐتَّسعَ الوقْتُ للروحِ أَنْ تَتَأَمَّلَ في
مائها – ﭐلزّياراتُ مُمْكِنةٌ
عنْدَ إشْراقةٍ للبصيرةِ فيما يُسمَّى 'الفتوْحْ'

... ...
ها مَضَى أبَدانِ كَرِيْتَانِ..
لكنني لم أَجدْ 
رَجُلاً واحداً
غيرَ قلبي الذَّبيحْ !!








الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3.2k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.3k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2.1k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2.1k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2.1k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.8k | 0 | 1 )
أخي في القصيدة
( 1.8k | 0 | 0 )
في الغرفة الاخرى
( 1.8k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.8k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.8k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.8k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.8k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.7k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.7k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.6k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.6k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.6k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.5k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 1.1k | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 672 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 643 | 0 | 1 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 623 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 485 | 0 | 0 )
عن شَجَرِ الجميل
( 481 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 465 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 439 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 433 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 352 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 334 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 237 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 230 | 0 | 0 )