في الغرفة الاخرى - مهند ساري | القصيدة.كوم

شاعرٌ أردنيٌّ (1968-) يحمل الدكتوراة في الأدب العربي. قصيدته مشغولةٌ. يتخفّى عن الأنظار، ليكونَ أول من ينحسر الماءُ عنه لحظة انتهاء الطوفان.


1749 | 0 | 0 | 0



في الغُرْفةِ الأُخْرى
هنالكَ شاعرٌ غيري يُفَكِّرُ
أَنَّني أَيْضا أُفَكِّرُ مِثْلَهُ
عن شاعرٍ غيري يُفَكِّرُ
حينَ يَكْتُبُ في المساءِ قصيدةً
في غُرْفَةٍ.. أُخْرى

أَغْلَقْتُ باباً، ثُمَّ أَسْدَلْتُ
السّتائرَ../
نفْسيَ امْتلأَتْ، وجاشَتْ
باسْتِعارةِ مائها البيضاءِ..
والكلماتُ تَرْفَعُني لأَلْمِسَ
ريشَها المَبْلولَ بالإيقاعِ،
تَرْفَعُني لأَعْصِرَ صمْتَها عَصْرا

وأَعْدَدْتُ المَحابِرَ../
ريشتي جَسَدي الخفيفُ الحُرُّ
من فَلَكِ التُّراب ولَيْلِهِ في
الجاذبيّةِ..
صار حُرّاً، في يَدي، حُرّا
هنا مُتَوَجِّساً قَلِقاً
ويَعْمُرُ وحْشَتي في كلِّ سطْرٍ
حينَ يَهْجُرُ بَعْدَها سَطْرا

قد أَنْسُلُ الإيقاعَ بالكلماتِ
في جَرَسِ السَّحابةِ..
خَلِّها بيضاءَ في المحْوِ الخفيفِ
هناكَ، في طَرَفِ الكنايةِ في
عراءِ المَشْرِقَيْنِ،
وخَلِّها.. تَعْرَى

والآنَ لا أَحتاجُ شمعاً ههُنا
إنّ الهواءَ يُضيءُ لي أَسْرارَهُ
الأُولى، فأَعْرِفُ كمْ جَهِلْتُ منَ
الحياةِ..
أَنا شقيقُ العُشْبِ:
أُمّي سَرْوَةٌ،
وأَبي سحابٌ يابسٌ.
لا أَعْرِفُ الدُّنيا هُنا إلاّ كَما
قد زَيَّنَتْ لي نفْسَها:
حَبَقاً يُؤَبِّدُني حليباً ساخناً
في ضرْعِ هذا اللّيلِ..
كيف أَقودُ حَدْسي خَلْفَ إيقاعٍ
يقودُ حُدوسَهُ البيضاءَ في الأَغصانِ؟
والكلماتُ مثْلَ الطَّيْرِ،
مثْلَ الطّيْرِ، في الإيقاعِ، تَتْرَى

لا أُلْبِسُ الأَغْصانَ إلاّ
ما يَخِفُّ
منَ الطّيورِ، وما يَشِفُّ
عن السّماءِ، هناكَ، في ريشِ
السّحابةِ
حينَ تدْنو كي تَشُمَّ العُشْبَ،
لا تُلْوي على شيءٍ سوى هذا،
وتُقْفِلُ بَعْدَها
مِنْ نفْسِها، في نفْسِها، حَيْرَى

وجَعٌ يُعاوِدُ نَفْخَ هذا الشَّهْدِ
في الصّلصالِ.. يُرْجِعُني
إلى الغاباتِ نَحْلاً طائشاً..
هَلْ كُنْتُ أَحْلُمُ أَنّني
أَهْوي بقلبي قاطِعاً أَشْجارَها
عن جسميَ المقْطوعِ عن أَشْجارِهِ؟
وَلَكَمْ أَناخَ بِظِلِّها وجَعي،
وكمْ.. في ليلِها أَوْرَى !

والسَّقْفُ أَوْطأُ من ظِلالي الآنَ/
لا صَحْوٌ، ولا حُلُمٌ...
كَبِرْتُ مع 'الأَضاليا' في تلالِ
كنايتي، وسَمِعْتُ جِرْسَ
الماءِ في اليَخْضورِ..
كان الوقتُ أَزْرَقَ في الخريف السّاحليِّ
فقلتُ: تَكْفيني وُرَيْقاتٌ مُبَلَّلةٌ،
وزَهْرٌ يانعٌ في فضّةِ الأَغْصانِ،
جِيْرَةُ مثْلِ هذا البحرِ تَكْفيني
فإنّ نهايَتي مفْتوحةُ الأشْكالِ في
تكْوينها المائيِّ..
خَفَّ الوقتُ في جَسَدي، وخَفَّ
الوقْتُ.. فانْطَلَقَ البُراقُ
برحْلَةِ الإسْرا

وَجَعٌ على الأَبْوابِ أَبْرَى
وَجَعٌ قديمٌ في أَقاصي القلبِ
يُرْجعُني إلى الصَّبّارِ..
كمْ صَبَرَ الطّريقُ على خُطايَ،
وكمْ صَبَرْتُ على يدي
كي تَتْرُكَ الأَشْواكَ للأَزْهارِ !
لا أَمْواجَ تَكْفي ساحلي المغْسولَ بالأَمْطارِ
كمْ غَسَلَ الهواءُ ثيابَهُ لِيَشَفَّ
حتّى بانَ فيهِ الضّوءُ !
كمْ أَشْجارُهُ مَمْحُوَّةٌ.. وظِلالُهُ،
وخُيولُهُ، كَجيوشهِ، في الغيبِ أَسْرَى !


ويقولُ لي قلبي: أَأَمْرَضُ إنْ
مرضْتَ؟
فقلْتُ: خِفَّ، كأنّني شَجَرٌ
وأَنتَ هناكَ طيرٌ
بارئُ الوِجْدانِ والقمْحِ المُضيءِ..
ولا تَسَلْني،
لا تَسَلْ، يا قَلْبُ، غيري
إنْ مَرِضْتُ وإنْ شُفيتُ
فأَنْتَ أَدْرَى..

كمْ ظَلَّ لي بَعْدَ الشّتاءِ/ شتاءِ
هذا العامِ، هذا الشّهْرِ، هذا
اليومِ، هذي اللّحْظَةِ البيضاءِ منْ
مَطَرٍ يدومُ
لأُرْجِعَ الرّوحَ الخفيفةَ للأَعالي
لا عليها.. أَوْ لَها ؟
غَبَشاً خفيفاً من نُثارِ الضّوءِ
نَدَّ عن الطّبيعةِ كُلِّها
واخْتارَ شَكْلَ الماءِ في ريشِ السّحابِ
وحينَ سالَ مِنَ الحنينِ.. اخْتارَ
قَلْبَ حَمامةٍ بيضاءَ مَجْرَى

والآنَ أَبْني مَنْزِلي،
أَبْني عُروشَ القَشِّ مثْلَ
حمامةٍ ثَكْلَى
وأَهْدِمُها لأَنْسَى حاجةَ الكلماتِ
للإيقاعِ والمأْوَى..

بلا بيتٍ كلامي:
دمْعَةٌ في القلبِ تَسْبِقُ أُخْتَها
تلك التي سَبَقَتْ، كذلكَ، دَمْعَةً
... وهَلُمَّ جَرّا

والآنَ أُبْصِرُ في يدي
ريحاً ستكْتُبُ ما تُريدُ
لأَنّ دَفْتَرَها الصّغيرَ
ازْدادَ صَحْرا..

والآنَ أُبْصِرُ في يدي
نَهْراً تَصَدَّقَ بالضِّفافِ
فماتَ
قَبْلَ مَصَبِّهِ.. فَقْرا

أَوَكُلَّما مَرِضَ الهواءُ
وقَلْبُهُ النّائي
رَفَعْتُ إلى السّماءِ طيورَها
وازْدَدْتُ
مثْلَ الرَّمْلِ، بالكُثْبانِ، صِفْرا ؟!

لمْ يلْتَقِطْني الماءُ
حينَ هَوَيْتُ في جَسَدي
لأَلْتَقِطَ الكواكبَ في القصيدةِ
إذْ هَوَتْ
مِلءَ الظّلامِ، هناكَ، نَوْرا

فَرَحٌ غريبٌ عادَني:
فهناكَ، أَيضاً، شاعرٌ غيري
يقولُ كما أَقولُ: /
كمِ الحياةُ جميلةٌ
لَوْ كانَ غيري الآنَ
في هذا الخريف السّاحليِّ
هناكَ يَكْتُبُ شِعْرَهُ مثْلي
ويَبْكي وَحْدَهُ
مثْلي.. هناكَ
بِغُرْفَةٍ بيضاءَ تَبْكي
غُرْفَةً بيضاءَ.. أُخْرى !








الآراء (0)   


الموقع مهدد بالإغلاق نظراً لعجز الدعم المادي عن تغطية تكاليف الموقع.

يمكنك دعمنا ولو بمبلغ بسيط لإبقاء الموقع حياً.




لا تكُنْ عاطفيّاً
( 3.2k | 0 | 0 )
ألواح من أيام الطُّوْفان لشاعر مجهول-
( 2.3k | 0 | 0 )
منزل أول
( 2.2k | 0 | 2 )
أَعِدُ الموتَ أَنّي.. سأَخْذُلُهُ
( 2.1k | 0 | 0 )
بماذا تفكر
( 2.1k | 0 | 0 )
ما اسم هذا الشيء
( 2.1k | 0 | 0 )
لم لا أستطيع مع الوقت نسيانها
( 1.8k | 0 | 1 )
أخي في القصيدة
( 1.8k | 0 | 0 )
تذكرت
( 1.8k | 0 | 0 )
ضباب على الماء
( 1.8k | 0 | 0 )
وحش البحيرة
( 1.8k | 0 | 0 )
أُغْنيةٌ بيْضاء للدُّوريّ/ كِذْبَةٌ بيضاءُ لي
( 1.8k | 0 | 0 )
أنظم وقتي لفوضاي
( 1.7k | 0 | 0 )
قُرْعَة
( 1.7k | 0 | 0 )
حفريات جديدة في تل قديم
( 1.6k | 0 | 0 )
رمانة إبراهيم
( 1.6k | 0 | 0 )
ستَّ عشرةَ أَيقونةً إلى حسن
( 1.6k | 0 | 0 )
صرت ما كنت أخشى
( 1.6k | 0 | 0 )
هي ترقص
( 1.6k | 0 | 0 )
في الحروب
( 1.5k | 0 | 0 )
هُوَ قيسُ الأخير
( 1.5k | 0 | 0 )
أزور دمشق
( 1.5k | 0 | 0 )
للطّائرات أَقول
( 1.1k | 0 | 0 )
لِتَبْكِ الحمامَه
( 656 | 0 | 0 )
لا تُسَمِّ بلادَكَ
( 624 | 0 | 1 )
لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق
( 609 | 0 | 0 )
كي لأمْشي وأَقْطعَ هذا الطّريق
( 469 | 0 | 0 )
عن شَجَرِ الجميل
( 464 | 0 | 0 )
هكذا الكلماتُ تفْعَل
( 449 | 0 | 0 )
كَسَلٌ عاطفيّ
( 424 | 0 | 0 )
فقط اخْرُجْ
( 415 | 0 | 0 )
خَلُّوا طريقَ الكلامِ لهُ
( 338 | 0 | 0 )
سَرَطان
( 316 | 0 | 0 )
نُزولًا إلى طَبَرِيّا كأَنّكَ تَصعَدُ
( 223 | 0 | 0 )
لَسْتَ أَنْتَ الّذي تَتَكلَّمُ، بَلْ هيَ
( 213 | 0 | 0 )