مئذنةُ العروس - أحمد شكري عثمان | القصيدة.كوم

شاعر ومحام سوري (1985-)


799 | 0 | 0 | 0




(إلى والدتي رحمها الله في غيابها)

لم أكنْ بعدُ أجيدُ الحُلم كالعصفُورِ فَجراً
حينما يبتلُّ ريشي من رذاذٍ ما
وأعوادي أراها رطبة كالهمِّ
لا تكفي لعشٍ كي يقيني البرد
أو يحمي من الأمطارِ ريشي

شارداً كنتُ
ولم أعبأ بما يخفي الرَّذاذُ الغضُّ من معنى
ولم أفهم لماذا قد تراءى فجأةً
من حسرتي الأُولَى سؤالٌ ساذجٌ:
أمِّي لماذا لم تعيشي ؟

ذاتَ حُلم
دونتْ أمِّي وصَاياها
وخصَّتنيْ بأنْ أبقى ندياً
مثلَ زهر البيلسانِ الغضْ
ثُمَّ قالتْ لا تخفْ يا ابني إذا ما متُّ يوماً
وابتسمْ فالأرضْ
وحدَها المثوَى
إذا شاختْ عروقُ القلبِ يا ابني
أو توارى النبضْ
كُنْ رقيقاً
لا تسلْ يا ابني لماذا الجُّرحُ قدْ أضحى عميقاً
ذاتَ حُلمٍ
حين أمضي
سوفَ تلقى
أنَّ جُرحَ القلبِ مَهما صارَ أنقى
سوفَ يغدو جدولاً للعطرِ
أو يغدو وروداً
أو سيغدو بُرعماً يرنو لنورِ الشَّمسِ
مُنساقاً إليها
صَاعداً من كَومةِ الأنقاضْ
هكذا أوصتْ قُبيلَ الموت أمَّي
وارتدتْ من حَسرتي شالينِ من زهرٍ
وزُفَّت للمدى الأعمى
بفُستانِ البياض

لا تقُلْ ريشي تخلَّى عن جَناحي
إنَّ دفء الرِّيشِ لا يُغني عن التَّحليقِ
مهما خانَكَ الَّليلُ
ومَهما ارتبتَ في شأنِ الرِّياحِ
لا تقُل أُدميتُ
أو (لنْ أستطيعَ العيشْ)
وامسحْ مفرداتَ الحزنِ
إنَّ الحُزنَ مَهما غارَ في الأعماقِ
لا يجتزُّ كُلَّ الرَّيشْ
طِرْ كَعصفورٍ
فأشجارُ النَّخيلِ السَّمحِ رُغمِ الملحِ في الصَّحراءِ
لا ترتدُّ عَطْشى
والنُّجومُ الشُّقرُ إن شعَّت بنورٍ
فلأنَّ النَّار من أطرافها يَزدادُ بطْشا
لنْ تراني
بَعدَ هذا اليومِ يا ابني
لن ترانيْ
لا تقلْ لو ساعةً أُخرى
ولا حتَّى ثواني
ربُّما قَدْ آنَ للعصفوُر يا ابني
أن يطيرَ الآنَ مزهوَّاً
ولا ينأى إلى برِّ الأمانِ

إنَّ روحي من على الشُّباكِ
تَرنو مرةً أُخرى رُجوعكْ
لمْ يفرِّقْ بيننا موتٌ صَغيري
مُطلقاً
فامسحْ دموعكْ
لم يفرِّق بيننا موتٌ صغيري
مطلقاً
فامسحْ دموعكْ





الآراء (1)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: