الثلاثون - ثائر زين الدين | القصيدة.كوم

شاعرٌ سوريٌّ. ثائر زين الشعر.


1574 | 0 | 0 | 2




ثلاثون عاما . . .
أما زلت كالأمس ،
تركض خلف فراشِ الحقول ؟
فؤادك حصالة للأماني ،
وروحك مكتظة بالخيول .
ثلاثون عاما . . .
أما زلت تبني بيوتا من الطين قرب الغدير ؟
أما زلت - كالجدي - تصعد تلا ،
وتهبط وهداً ،
وتسبح في غيمة من حبورْ ؟
وتسرح في موسم الخصب خلف المواشي ،
فتجمع أصحابك الأشقياء لدرس البراري ،
ويخفق قلبك في مشهد الحب ،
_ كالطير _
تغلي دماك ،
تفور الينابيع تحت لسانك ،
تهتز ساقاك كالغصن في الريح ،
يجمع أنفك رائحة الحب _ جيشا
سيغزوك بعد سنين ،
وترجع في ثلة الأشقياء الصغار إلى الحي
والشمسُ تغطسُ خلف التلولْ
ثلاثون عاما . . .
بعيدٌ إذاً عن حقولِ الكهولةِ
لكن خلفكَ يمتدُّ سهلُ الطفولةِ ،
تمتدُّ أحلى / الشقاواتِ / :
حُبُّ التَسكُّعِ ،
صُنْعُ السيوفِ من الشجراتِ القريبةِ ،
تنظيمُ تلكَ المعاركِ مابينَ صبيةِ حارتكمْ
والجوارِ ؛
فتقريعُ أمكَ حينَ تؤوبُ إليها
كفزاعةٍ للطيورِ ،
فطعمُ ابتسامتها حينَ ترضى ،
وعطرُ تنانيرها العربيةِ ؛
شوقٌ إلى مُدنٍ لم تزرها ،
إلى عالمٍ كابتسامةِ طفلٍ ،
إلى نسوةٍ كُنَّ يهربنَ – عندَ المسا –
منْ نشيدِ الأناشيدِ ،
منْ شفتي شهرزاد ،
وكنتَ تُلملِمُ أحلامهنَّ عن الليلِ ،
كنتَ تصبحُ بهنَّ :
/ تزيّنَ واضحكنَ وارقصنَ
كيفَ سننفقُ هذا الفؤاد ؟
أنرميهِ من شُرفةِ البيتِ !/
كنتَ تلوبُ
تذوبُ
وتذهَبُ في الحُبِّ
أبعدَ مِنْ عِطرِ آباطهنَّ
ومن ميسةِ القَدِّ
أو حُمرةِ الخدِّ
تكسرُ كُلّ القوانينِ ؛
كي تشعُرَ امرأةٌ أنّها امرأةٌ ،
كي تتذكّرَ:
أينَ أضاعتْ قواريرَ طيبتها
حينما خرجتْ من ْ مياهِ المحيطِ ،
وأينَ بكتْ
حينما جَرَفَ الموجُ فُسْتَانَها السمكيَّ
ومرآتها الصادقةْ
ثلاثونَ عاماً . . .
ستُدركُ ذاتَ مساءٍ خضْيبٍ بحناءِ أُنثى
بأنّكَ أبليتَ كلَّ السراويلِ
فوقَ المقاعِدِ ؛
في قاعةِ الدرسِ ،
في المكتباتِ ،
وأنكَ تجتَرُ حِبْراً وقَشّاً ،
وأنكَ كنتَ كحي بنِ يقظانَ ؛
تدخُلُ قلبَ الغزالةِ ،
تسري معَ الدمِّ في كل عرقٍ ،
تحللُ . . . تحلُمُ
تمشي على النصلِ مُتشَّحاً بالبلاء ،
وتبحثُ عن شعلةٍ للبدايةِ
عن أنجمٍ للسعادةِ
تزعُمُ أنكَ بالوجدِ تقطَعُ دربَ السموِ الطويلْ .
وتبحَثُ .. تبحثُ
والقومُ يا حَيُّ – قومَ سُلامانَ – محضُ قطيعٍ
يساقُ إلى ما يحبُّ الرُعاةُ
فيذهَلُ عنكَ ....
ويمضي إلى زمنٍ من أفولْ
فعشْ في مدائنكَ الفاضلاتِ ،
أو اخلعْ – كخاتم عُرسِكَ – أفكاركَ الضارياتِ
وغصْ في الهمومِ الصغيرةِ
أصدافَ بحرٍ تجمّدَ في كوكبٍ ذابلٍ ،
ثُمَّ هاأنتَ تدركُ في آخر الأمرِ
أن الجزيرةََ أرحَمُ .
تعتادُ هذا الخواءَ المعلّقَ في الأفقِ
كالبدرِ ،
تعتادُ قيدكَ
والطائِرَ المتوحشَ يقتاتُ قلبَكَ ،
تعتادُ همهمةَ الريحِ
في أذنِ النخلِ :
/ إما قتيلٌ وإما ذليلْ / . .
وتعتادُ همسكَ في آخرِ الليلِ :
/ هلاّ بلغتُ مقامَ الوصولْ ؟ /
ثلاثونِ عاماً ....
ومن حولكَ الآنَ مقبرةٌ !
أمةٌ تتهاوى كثورٍ جريحٍ
فيستنبتُ الطامعونَ
ملوكَ الطوائفِ في دمها ،
ويقهقهُ أبناؤها الأوفياءْ !
بلادٌ تُقيمُ على هامشِ الدهرِ ؛
ليست تموتُ ، فتبعَثُ ثانيةً ،
أو تعيشُ فنزهر فيها ،
وليستْ تزولْ !
بلادٌ ستمنَحُ من يفتديها زهوراً ،
وفطراً يخبيء في عبقِ السهلِ ،
سُمّاً ثقيلْ ؛
ثلاثون عاماً ....
ونصفكَ طينٌ ،
وتجْهَدُ أن يُصبحَ الطينُ روحاً ،
وأن تصبحَ الروحُ أجنحةً
أن تكونَ لهم مثل سُلّمِ يعقوبَ .
تجْهَرُ بالصوتِ :
/ يارَبُّ لا تُرهفِ السمعَ ؛
إن لهذي الحياةِ اللعوبِ
- ورغمَ قطارِ التنهدِ –
وجهاً جميلْ .
وإني وإن كُنتَ لم تضعِ
الفأسَ في راحتي ،
والجمارَ على شفتي ،
فسأزرعُ في كُلِّ نفس – إذا اسطعتُ –
رُمّانةً ،
سوفَ ألهَجُ بالحُبِ ،
قلبٌ أنا أيها الرَّبُّ
أومن أن حياتي بكل الذي مَرّ مِنها ،
وما سوفَ يأتي ،
بكلِ الحلاوةِ ،
كلِ المرارةِ ،
كل البرودةِ والدفءِ مُلْكي .
وأنيَ ما عشقتُ ثانيةً عبثاً
ما شممتُ بنفسجةً عبثاً
ما ابتسمتُ لعاشقةٍ عبثاً
ما قطعتُ طريقاً لأندمَ ،
ما حرثَ القلبُ أرضً المحبّةِ ،
إلا وأورقتِ الروحُ ...
أومن أنيَّ في كلِّ وقتٍ
سأبدأ – إن شئتُ – درباً جديداً ،
وأصنَعُ من شربةِ الماءِ ،
واللقمةِ المشتهاةِ جناحاً ،
على شفتي عَسَلُ الكلماتِ ،
وعكازتيّ مهجة لا تلينُ ،
وروحي
الدليلْ .








الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)