نص هارِب من عام 2050 - ندى سلطان | القصيدة.كوم

شاعرة وصحفية وكاتبة عراقية وإعلامية وناشطة مدنية في مجال حقوق الإنسان (1985-)


40 | 0 | 0 | 1




أجلسُ على مسافةٍ مُمِلّة من النافذة المُطِلّة
على شارعٍ يخلو من الأسئلة
الأرصِفةُ صامِتة
حالكةُ الحُزن
تتسرّبُ من شقوقِها أسرارُ الأسمنت
وذكرياتُ المارّة
تغيّر العالمُ كثيراً بعد أن اختلط أبناؤنا بسِنِّ البؤس
لم تعُد الفراشات مُلوّنة
ولم تعُد القِطط تخدِشُ حياءَ النوافذ
طلباً للتناسُلِ في فبراير
تُقدّمُ القهوة بخمسينَ طريقةٍ
وخمسونَ اسماً مُختلفاً
دونَ رائحة، دون طعم
أمّا المطرُ الذي كُنتُ اشاكِسُهُ وأنا في طريقي إلى موعدٍ دافئ
فقد أصبحَ شرِساً جداً
يقتُلُ النباتات
البيوت توابيتٌ مُقفلة لا تصدُرُ منها أصواتُ شِجار
لامتعاضِ الأُمِّ من مُشاكسةِ الأولاد
أو تعبِ الأب
أمّا عنّي...
فقد تزوّج ابني من امرأةٍ شقراء
تستنزِفُ معاشهُ الشهري في صالوناتِ الحلاقة
لكنّهُ لا يأبهُ لذلكَ طالما أنّها صامِتة، تهتمُّ بالبيتِ والأولاد
ولا تتذمّرُ من شيء
البنايةُ التي أسكُنُها.. باردة
ليسَ فيها مظاهِرُ فرحٍ أو حُزن
وليسَ لي جيرانٌ يُشاركونني ما يصنعونَ من الحلوى
كُلُّ شيءٍ هُنا شاحِب
قاسٍ كالزُجاج
حتى وجهي الذي حفَرَتهُ تجاعيدُ التجارِب
لم تعُد تظهرُ عليهِ ملامِحُ واضحة بسببِ صمتِي الطويل..
رُغم كثافةِ الأصواتِ في المنزِل
صوت التلفاز مثلاً
المذياع..
الهاتِف..
المكنسةُ الكهربائية
غسالةُ الملابِس
أنا صامتة..
وليسَ في رأسي سوى صوتُ عقارِب الساعة
لكنني أحياناً.... إن صحّ ظني
أشعُرُ أنّ في صدري شيءٌ ما
هُلاميٌّ، كثيرُ الحركة
لم يتوقف منذُ آخرِ تجرِبةِ عاطفية
ومازالَ يستيقِظُ كُلّ صباحٍ جائعاً للحُب
وينبِضُ بشِدّة
كُلّما قرأتُ عليهِ اسم رجُلٍ غزيرِ النبرة
جمعتني به رحلةٌ على متنِ حُلم
أسميتُهُ رجُل التناقُضاتِ الكثيرة
اليوم..
وأنا أرتّبُ كُتباً جديدة على الرف
انتبهتُ إلى أنني لم أعُد أحلُم كثيراً بعد التقاعُد
وفقدتُ رغبتي الجامحة تجاه الألوان
وليسَ بوسعي أن أستقبِلَ ضيوفاً لا يجمعني بهم عُمرٌ أو ذاكِرة
لكننّي كُلّما سمِعتُ (رجعوني عينيك لأيّامي اللي راحوا)
لبِستُ أجملَ ما لديّ من ثِياب
ووضعتُ ماكياجاً هادِئاً
ورتّبتُ شعري كما كانَ يُحِب
وهرولتُ صوبَ طريقٍ كانت تتكاثرُ على جانبيه الأغنيات..
وبحثتُ بكُلِّ طفولتي عن عينيهِ اللي راحوا !




الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)