0 تقييم
عدد التقييمات: |
معدل التقييم: 0
(إلى محمد حلمي الريشة)
هَلْ شَعَرْتَ بِبُرْكانِ عَجْزِكَ
يا صاحِبي، مَرَّةً..
وَأَخوكَ رَهينُ مَحابِسِهِ كُلِّها:
جِسْمِهِ، لَيْلِهِ، وَالجِدارْ؟!
هَلْ شَعَرْتَ بِبُرْكانِ عَجْزِكَ
مِنْ دُونِ هَزَّةِ أَرْضٍ وَنارْ
مَرَّةً؟!
آهِ يا صاحِبي
ما اسْتَطَعْتُ سِوى دَمْعَةٍ مِنْ غُبارْ
وَكَلامٍ كَعُشْبٍ تَيَبَّسَ
مِنْ حَرِّ بَرْدِ الحِصارْ
هَلْ أُحاصِرُ هذا الحِصارَ؟
وَكَيْفَ أُحاصِرُ هذا الحِصارْ
حِينَ تَكْفي شَظِيَّةُ لَيْلٍ
لِخَنْقِ بَقايا النَّهارْ؟
كَمْ عَجِزْتُ
سَكَتُّ كَرَبِّ السَّماءِ
وَمتُّ
وَأَنْتَ هُناكَ، صَباحُكَ مِثْلُ المَساءِ،
تُحاوِلُ تَحْتَ ظَلامِ المَطَرْ
أَنْ تُحَلِّقَ مِثْلَ الحِجارَةِ. كَمْ ريشةٍ نَتَفَتْها القَنابِلُ مِنْكَ!
وَكَمْ رَفَّةٍ خَنَقَتْها القُيودُ،
كَأَنْ ما تَبَقّى مِنَ العَيْنِ إِلّا خَيالُ صُوَرْ
وَمِنَ الشِّعْرِ والحُلْمِ إلّا اقْتِصاصُ أَثَرْ
آهِ يا صاحِبي السَّمْحَ
كَيْفَ الحَمامُ يَجيءُ عَلى سَرْجِ دَبّابَةٍ
أَوْ جَناحَيْ مُقاتِلَةٍ لا يَرِفّانِ. كَيْفَ؟
يُساوِرُنا الشَّكُّ في واقِعِ الغابِ:
هَلْ نَحْنُ بَعْضُ بَشَرْ؟
هَلْ وُلِدْنا يَتامى؟
فَمَنْ وَلَدَتْنا؟ وَكَيْفَ سَقَطْنا سُقوطَ الثَّمَرْ
عَنْ مَشانِقَ لا عَنْ قُلوبِ شَجَرْ؟
هَلْ نُرَدِّدُ: يا لَيْتَنا صَخْرَةٌ أَوْ حَجَرْ؟
كَيْفَ نَفْعَلُ؟
إِنَّ الظَّلامَ أَتى في الظَّلامِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
وَطَاوَلَ حَتّى القَمَرْ!
آهِ يا صاحِبي
يُوقِظُ الجوعُ فينا انْكِسارَ العَبيدِ
لِقاءَ رَغيفِ كَلَأْ
كَالخِرافِ. وَيوقِعُ فينا الظَّمَأْ
قَلْبَنا مِثْلَ آنِيَةٍ تَتَكَسَّرُ في روحِنا
لَيْلَ رَمْلٍ يُعَبِّئُنا
وَبِكُلِّ السَّمومِ امْتَلَأْ
مَوْتُنا ليْسَ أَبْعَدَ مِنْ خُطْوَةٍ
عَنْ نَوافِذِنا. إِنَّما سَوْفَ نَخْتارُ
في صُبْحِنا
غَيْرَ هذا النَّبَأْ
سَتَعُودُ لِنابُلْسَ يا صاحِبي
فَاسْعَ سَعْيَ المَلَكْ
وَاسْلُكِ الوَعْرَ
لَمْ يَبْقَ لَكْ
في فِلسْطينَ
إِلّا الوُعورُ
يُجانِبُها المَوْتُ
لَمْ يَبْقَ لَكْ
غَيْر هذا التُّرابِ الأَخيرِ
فَإِمّا الخَلاصُ وَإِمّا الهَلَكْ
كُلَّما وَخَزَتْ شَوْكَةٌ وَجْنَتَيْكَ
فَقُلْ وَرْدَتي أَنْتِ ما أَجْمَلَك!
كُلَّما زَلَّ جَذعاكَ بَيْنَ جُذوعِ الصَّنَوْبَرِ
قُلْ إِنْ يَعُدْ بَعْضُ جِسْمي سَليمًا
كَأَنِّي مَلَكْتُ الفَلَكْ
.. فَلَكَ الوَعْرُ
لَمْ يَبْقَ لَكْ
غَيْرهُ
فَاعْصُرِ الشِّعْرَ
مِنْ عُشْبِهِ وَحِجارَتِهِ
وَاتَّكِئْ جانِبًا
لِتَعُبَّ انْتِصارَكَ
في نَشْوَةٍ
فَهْوَ لَكْ
لَكَ وَحْدَكَ لَكْ
أَنْتَ لَكْ
وَالهَواءُ المُلَوَّثُ بِالهَمِّ لَكْ
وَالتُّرابُ المُخَضَّبُ بِالدَّمِ لَكْ
وَالَعَصافيرُ في رَحِمِ العُشِّ لَكْ
ما تَبَقّى مِنَ الرَّدْمِ خَلْفَكَ
دَعْهُ لِأَعْدائِكَ الخائِبينَ
وَلكِنَّ وَعْرَكَ لَكْ
لَكَ وَحْدَكَ
لَكْ!