تحولات العاشق - أدونيس | القصيدة.كوم

شاعر وناقد ومفكر ومترجم سوري لبناني، قاد الثورة الحداثوية في النصف الثاني من القرن العشرين، مما ترك أثرا كبيرا على الشعر العربي يشبه تأثير إليوت على الشعر الإنجليزي. حائز على جائزة العويس الثقافية دورة 2002-2003 في مجال الإنجاز الثقافي والعلمي. (1930-)


134 | 0 | 0 | 0




... هن لباس لكم وأنتم لباس لهن.
- قرآن كريم

الجسد قُبّةُ الروح.
- القديس غريغوار بالاماس


-1-

كان اسمُها يسير صامتاً في غابات الحروف،
والحروف أقواسٌ وحيواناتٌ كالمخمل
جيشٌ يقاتل بالدموع والأجنحة،
وكان الهواء راكعاً والسماء ممدودةً كالأيدي.
فجأةً
أورق نباتٌ غريبٌ واقترب الغدير الواقف وراءَ الغابات
رأيتُ ثماراً تتخاصر كحلقات السلسلة
وبدأ الزهر يرقص
ناسياً قدميه وأليافه
متحصّناً بالكفن.
كانت المرافق العضلاتُ الوجوهُ بقايا وليمةٍ لنهارٍ مرض ومات
ومدعوّين لم تولد أسماؤهم بعد...

(ورأيت موكباً من الأفراس البيض تمتطي السماء، فهرولت صائحاً: "ثعبانٌ يركض خلفي". وكرّرتُ صائحاً: "ثعبان طويل كالنخلة...")

لكن موكب الأفراس أسرعَ ولم يسمعني. وقلت
آخذ فرساً وأنجو
توسّلتُ وتحقّقتُ: لا صوتَ لي.
ربطتُ خاصرتي بريح الجزع، وتطايرت.

هوذا شيخٌ برائحةٍ طيبة، في طريقي
- "هل تقدر أن تجيرني من هذا الثعبان؟"
- "أنا ضعيف وهو أقوى مني. في الطريق من يجيرك، أسرعْ".
أسرعتُ حتى انتهيتُ إلى الهواء
كانت السماء ترنو إليّ أظهرُ وأغيبُ في الظلمة
والريح تتلفّظ بي وتردّدني،
سمعت صوت الشيخ من بعيد:
"أمامك جبلٌ ملآن
بودائع الحياة. لك فيه وديعة تنصرك وتجيرك".
وسمعت صوتاً آتياً من الجبل:
"ارفعوا الستائر وأطِلّوا".
التفتُّ فإذا الجبل نوافذُ
والنوافذ أطفالٌ وأمّهات. ونظرت مصعوقاً: طفلةٌ تبكي، تقول هذا أبي ثم أشارت إلى الثعبان فولى هارباً".

وامتدّت نحوي يدٌ
جذبتني وأدخلتني مكاناً لم أعرف عمره.

كان هناك سريرٌ ينتظرني. يجلس عند رأسه طيفٌ ينهض كالثدي ويلبس عجيزةً وصدراً وما تبقّى،

واستيقظ جسدي، وهوى أسيرَ المسامِّ وخواتمِ العين والسّرةِ والطبيعة الثانية التي تتناسل فيها أنواعٌ ثانية من الخشخاش واللُفّاح وسواهما من نباتات الذكورة والأنوثة،
وأخذ جلدي يتهيأ لسقوط كوكبٍ آخر في تجاعيده.


-2-

تكبرين في الجهات كلّها
تكبرين في اتجاهِ الأعماق
تتفتّحين لي كالنبع
وتستسلمين كالشجرة،
وأنا
كنتُ عالقاً بأبراج الحلم
أرسم حولي أشكالي
أبتكر أسراراً أملأُ بها ثقوب الأيام؛
نقشتُ على أعضائكِ جمرَ أعضائي
كتبتكِ على شفتيّ وأصابعي
حفرتكِ على جبيني ونوّعتُ الحرف والتهجية وأكثرتُ القراءات

كان تنهُّدي سحاباً يسندُ الأفق
رداءً أنسجه وتلبسينه مصبوغاً بالشمس
وكان اللَّيلُ ضوءاً يقودني إليكِ،
في طيَّاتِ ثوبك اختبأت
رافقتُكِ إلى المدرسة
سرقتْ خطواتُنا أجراسَ العتبة
وانسللنا
جلستُ إلى يسارك في الصفِّ
نمتُ بين أهدابك
وما رأيتكِ

في سفَرِ لم يصل إلينا كنتِ.
ثيابك الأقاليمُ والفصولُ دربكِ إليّ.

على جذوع الشجر قرأنا اسمنا
مع الحجر تدحرجنا
الشجر أصواتٌ مثلنا والتراب تحت وهجنا ثمرة
نرافق غيمةً
نتحدث مع البيوت
والنهار يسير خلفنا مكسوّاً بالعشب
ثم تصعدين بخوراً صوب قاسيون
وفي دخانكِ أترنّح
طيّعاً، أليفاً، ولي طعمكِ الخجول.


-3-

ليبير، ليبيرا، فالّوس...
خيطٌ من الفجر حامضٌ على العين يوقظنا
أَحكمي عقدة الجفون.
في جسدينا يرفع الضوءُ تلاله وراياته
واللهبُ يمتدّ وسائدَ وسائدَ
أَحكمي عقدة الجفون.
النهار يعلن الليل – استيقظي.

أخترق سفينةَ جسدي إليك
أستطلع الأرض الغامضة في خريطة الجنس
أتقدّم
أكسو ممرّاتي بالطلاسم والإشارات
أبخّرها بهذيانيَ الأدغاليّ، بالنار والوشم،
أحسَبُ نفسي موجةً وأظنّك الشاطئ:
ظهرُك نصفُ قارّة، وتحت ثدييك جهاتي الأربع.
أتشجّر حولكِ
وأهوي، بينك وبيني، نسراً بآلاف الأجنحة.

أسمع أطرافك الهاذية
أسمع شهقة الخاصرة وسلامَ الأوراك
يغلبني الحالُ
أدخل صحراء الجزع هاتفاً باسمكِ
نازلاً إلى الأطباق السفلى
في حضرة العالم الأضيق –
أشاهد النار والدمع في حصنٍ واحد
أشاهدُ مدينة العجب
وتسكر أحوالي
هكذا يقول السيد الجسد.

أيتها المرأة المكتوبةُ بقلم العاشق
سيري حيث تشائين بين أطرافي
قفي وتكلمي:
ينشقّ جسدي وتخرج كنوزي
زَحزحي نجوميَ الثابتة
واستلقي تحت سحابي وفوقه
في أغوار الينابيع وذرى الجبال.

تجتمع حولي أيام السنة
أجعلها بيوتا وأسرّة وأدخل كلّ سريرٍ وبيت
أجمع بين القمر والشمس
وتقوم ساعة الحب
أنغمسُ في نهرٍ يخرج منك إلى أرضٍ ثانية
أسمع كلاماً
يصير جنائنَ وأحجاراً أمواجاً أمواجاً
وزهراً سماويّ الشوك
هكذا يقول السيد الجسد.

عاليةً عاليةً عالية
صيري وجهي الطالع من كل وجه
شمساً لا تطلع من الشرق لا تغيب في الغرب
ولا تستيقظي ولا تنامي...
أصعد إليكِ هابطاً إليك
أجمع أقاصي همومي وأطرافَها
وأهجم عليك بقلبي
وأقول للوسوسة أن تطوف بي على كل خليةٍ فيك.

تنصبين سريرك
أو تفرشين الأرض
نزرع أشجار الجسد
نتغطّى بأصواتنا
إلى أن يحين ميقات الظهور.
اغتربَ الجسد
مسّه التحول
وجع المفاصل نبضُ الأطراف هندسةُ العضل وأبّهةُ الفعل
الانقباضُ التقلصُ الانفساحُ
مهابطُ الجسد مصاعده سهولُه ومدارجهُ التواءاتهُ
أرضُ الخاصرة المليئة بالنجوم وأنصافها ببراكين الجمر الأبيض
بشلّالات الجموح والشهوة

بعد هذا نتفيّأ سرادقَ الحوض
حيث يستدير كوكب الجنس
يكتملُ التحوّل
يصير ثدياك الليل والنهار.

هكذا يقول السيد الجسد.


-4-

ليبير، ليبيرا، فالّوس...
(الحب على البحر، البحر على متن الريح، والدنيا كل حرفٌ في كتاب الجسد.
- ماذا رأيتِ؟
- فارساً يقول: "لا تريدين شيئاً إلا كان".
أخذتُ قمحاً بذرته وقلت له اطلع، فطلع. قلت انحصد، فَحُصِدَ. قلت انفركْ، فَفُرِك. قلت انطحن، فطحن. قلت انخبز، فخُبِز
فلما رأيتُ أني لا أريد شيئاً إلا كان، خفت واستيقظت وكنتَ على وسادتي.
وأنتَ ماذا رأيتَ؟
- ريحاً فيها شهب من النار وراءها أطفالٌ يقودونها
- ماذا أيضاً؟
- هضبةٌ تتحرّك وتنشقّ عن غزالةٍ حبلى
- ماذا أيضاً؟
- كنا معاً في مركب وكنت حاملاً. وبينما نحن في عناقنا الأليف انكسر المركب، فنجونا على خشبة من أخشابه، وَضعتِ عليها طفلك.
وصحت: عطشانة، فقلت: من أين ونحن في هذه الحالة؟ ثم رفعتُ بصري إلى السماء وإذا بشبحٍ في الهواء يمدّ لي إبريقاً أخذته وسقيتكِ وشربتُ
ماءً أشهى من العسل وأطيب
ورأيته يغيبُ وهو يقول "تركتُ هوايَ لهواه
فأسكنني في الهواء.")

طامحٌ جسدي كالأفق وأعضائي نخيل
تُثمرين فيَّ
أُقطف تحت صدركِ، أيبسُ وأنتِ ريحاني والماء
كلّ ثمرةٍ جرحٌ، وطريقٌ إليكِ
أعبركِ وأنت سُكنايَ أسكنكِ وأنت أمواجي
جسدكِ بحرٌ وكلّ موجةٍ شراعٌ
جسدكِ ربيعٌ وكلّ ثنيّةٍ حمامةٌ تهدل باسمي
تحشرين إليه أعضائي
أتّجه في تيهٍ وسكرات

أرتعبُ أتجاسرُ
أستنجد بالغابات والبراري
بالطينة الأولى

أتمزّق أنفطر نازلاً إلى أغواره
مليئاً بخلائقَ تشتعل تنطفئُ تشهقُ وتزفرُ
تخطفني هاويةٌ منه

أصعد
ألملمُ قلبي المتناثرَ في نهاياتي
أرفع بصري إليكِ تنادينني:
"أبطأتَ يا حبيبي أبطأت
جسدي خيمةٌ أنت حبالها وأوتادُها،
أبطأتَ يا حبيبي..."

طفلٌ تحت ثيابي يصرخُ الحبَّ الحبَّ
الشجرُ مصابيحه والهواءُ برجَهُ وأجراسه
راكضٌ حبُّه في قوادم الريح
طائرٌ حيث لا حدّ
في اتجاه السماءِ السماءِ السماءِ

تذكرين
بيتنا واقفٌ على حِدَةٍ في نسيج الزيتون والتين والنبع يرقد حوله
صغيراً كالبؤبؤ
تذكرين
الخشبُ يرفرف كالفراشات
والليل أول الأرض...

الليل...
عَمِّقي فُوهةَ الصدرِ صِيري متاهةً واحضنيني
يكون لي تاريخٌ من الرعد
سهولٌ يحرثها الرحيل
جزيرةً من محابر الجسد
أصل أطرافَها بموتي وأسكن في أوائل الحروف
الليل...
بين الزغب أنصب خيامي
أختلج
أهيّئُ عدّة السفر
كلّ خلجةٍ بلادٌ والطرق مضيئةٌ كأحشائي
ننحني نتوتّر نتقابلُ نتقاطعُ نتحاذى
(أنا لِباسٌ لكِ وأنتِ لباسٌ لي)

تتخمّر العضلة
وتأخذ البشرة لونَ البنفسج وطعمَ البحر
حيثُ تومئ اللجّة وتُبحر أطرافنا
نسمع أنينَ السرائر
نلمحُ عروقَنا تتزيّا بالموت
نتقوّسُ ونكبو
آهِ الماءُ المخلّص الحبُّ
لماذا التعبُ الراحةُ يا نسيجاً أكثرَ تلاصقاً من الماء يا حبّ؟

أعراسٌ أعراس
سحرٌ آخر يُضيئنا لا الشمس
أعراسٌ أعراس
تفتح وجهَنا على مدائن السحر
تفتح تخومنا على الجنس
والحلمُ أرضٌ تدور تحت أهدابنا
يا لَلْحُبِّ الآخر في الحبّ
أيها البعدُ الذي يبدأ بعد الأبعاد

كما خلقتكِ اشتهيتني
كما شئتك انسكبتِ فيّ
تدخلين في إيقاعي
تدهنين ثدييكِ بكلماتي وتغرقين في قَرارة الحب
حيث أرفع مدينتي وأحيا
نحيا، ومن أعماق الأشياء الحاقدة نعلن الحب

نحلم أن أهدابنا محابر والنهار كتابٌ مفتوح
أبعدَ من الحلم سرنا
أبعدَ من القلب أحببنا
قلنا لا تُسمِّنا لمن يُسمّي واستيقظنا
أنتِ بحيرةٌ
وأنا جذع لفّاحٍ وملآنُ بالأرض
أرسو في شواطئك وخصركِ مرساتي

أيُّ مدٍّ ينتظرنا؟
مغلَفٌ نَفَسي كالمحار وأنتِ لؤلؤي وصيّادي
وجهك حاملٌ شِراعي وبين حبّنا والسماء فضاءٌ لا يكفي
أكشفُ الوجهَ الثاني من النهار
ألمحُ الجهةَ الثانية من الليل
أصرخ بالبحر: أيها الجامحُ انكَسِرْ كالقصبة
وبالرعد: اسمعْ!
أسألُ:
هل الحبّ وحده مكانٌ لا يأتيه الموت؟
هل يقدر الفاني أن يتعلم الحب؟
وماذا أسمّيك يا موت؟

بيني وبين نفسي مسافة
يرصدُني فيها الحبُّ يرصدني الموت
والجسد عمادتي

من أعماق الأشياء الفانية أعلن الحب
ليبير ليبيرا فالّوس...
- "كيف تزوّجتَني؟"
- "كنتُ أسير وحشيّاً ليس عندي ما أسكن إليه وأرتاح
فنمت نومةً واستيقظت
وإذ على وسادتي امرأة
تذكرت حواء والضلع الآدميّ وعرفت أنك زوجتي.

يومَها حلمت أنّ سحاباتٍ رُفعت لي
وناداني صوتٌ: اخترْ ما شئت
فاخترتُ سحابةً سوداء منها وسقيتكِ
وقلتُ
أيها الجسد انقبض وانبسطْ واظهر واختفِ
فانقبض وانبسطَ وظهرَ واختفى
ورأيت ثوبي يميل عني
والظلام يغشاني
وطلع مني العالم صارخاً كالحربةِ
"اهبطْ عميقاً عميقاً قي الظلمة"

وقعتُ في الظلمة
رأيتُ الحجر ضوءاً والرملَ مياهاً تجري
والتقيتُ بك ورأيتُ نفسي
قلتُ
سأبقى في الظلمة ولن أخرج
لكن
جاءت الشمس وهرّبتْني
ورأيت كل شيء يدخل في الشمس...
وكيف تزوّجتِني؟"
- "قد كان جسدي هبوباً إليكَ
يتلوّن بالأرض هبوباً إليك".

أمسِ،
أغلقت بابَ غرفتي مع النجمة الأولى
أسدلتُ الستارة الوحيدة ونمتُ مع رسائلها
وها وسادتي مبلّلة والكلمات حُبالى

أحلم –
أغسل الأرض حتى تصير مرآةً
أضرب عليها سوراً من الغيم سياجاً من النار
وأبني قبّةً من الدمع أجبلها بيدي

- "ماذا أعددتَ لي هديةً أخيرة؟"
- "قميصي الذي لفّنا يوم تزوجنا.
وسأنزل معكِ
إلى القبر لأهوّن
عليكِ موت الحب،
أمزجكِ بمائي وأسقيك للموتِ
أعطيك ملكيَ: القبر ومجّانية الموت".

مرةً رأيتها بحراً يعلو
عشقتُ الزبدَ
وأقسمتُ أن تكون الأمواج جارتي
أنزّه في ملحها همومي
وتقرأ عليّ أصداءها

(ترى ما تحت الجلد. هل تريد، إذن، أن تكشف قارّة الأعماق؟ اتركْ لغيرك أن يكتشف قارّة الأعالي).
الأعماق...

(كنا حشداً كبيراً، نساءً ورجالاً، نسيرُ في طريق النساء.
فجأةً خرج علينا فهدٌ قطع الطريق. قلت لرجلٍ بجانبي:
- اليس هنا فارسٌ يرد عنا هذا الفهد؟
- لا أعرف لكن أعرف امرأة تردّه.
- أين هي؟
سار وسرت معه إلى هودج قريب فنادى:
- نادا، انزلي وردّي عنا هذا الفهد.

قالت:
- أيطيب قلبكَ أن ينظر إليّ وهو ذكر وأنا أنثى؟
قل له: نادا تحييك وتأمرك أن تفتح الطريق،
فحنى الفهد رأسه وغاب).

الأعماق
لماذا تستعجلن موتي أيتها الصديقات؟
اتركنني
أسمعُ في ذاكرتي أجراساً
أسمع في الأجراس أرضاً ثانية
تنقصني أرضٌ ثانية لأضيف إلى لغتي كلماتٍ جديدة
ينقصني
الموت
اتركنني
دعتني صدَفةٌ قرأت شِعرها عليّ،
قرأت أيضاً صفحاتٍ من كتابٍ تكتبه سمّته "غرفةَ الصدفة"،
كانت وهي تقرأ تكشف أسرارها:
رأيت فيلاً يخرج من قرن الحلزون
رأيتُ جمالاً وأحصنة في محاراتٍ بحجم الفراشة
وُلد أمام عينيّ كائنٌ نصفه حجرٌ ونصفه الآخر
حيوانٌ أشارت إليه هامسةً: هذا هو المرأة

ثم وشوشتني:
"ضع أذنيك بين أوراقي" –
سمعت إيقاعات الفصول
سمعتُ موسيقى بيتٍ يتهدّمُ، يكبر وهو يتهدّم وحين آذنت برحيلي سمعتُ أصواتاً تردّد:
"سلامٌ للأصداف، للمداخل اللولبية
سلامٌ لملكِ الجبال النائم هناك
سلامٌ لخطاطيفهِ المغَنغِنة..."

أغلقي
جسدي غرفةٌ مغلقةْ
جسدي غابةٌ وسدودٌ وأقنيةٌ مغلقةْ
أغلقي
جسدانا زوايا وأغطيةٌ ضيّقةْ
جسدانا رتاجٌ وسقّاطةٌ والممرّ إلينا
وَلَهٌ في النبات المعرّش في الفسحة الضيقةْ
بين أفخاذنا والعيون
وَلَهٌ يفرز الجنونْ
أغلقي
كلّ أصدافنا تظلُّ، وإن كُسِّرت، مغلقةْ
أغلقي
أحكمي عقدة الجفون
لون أهدابنا، حين نعرى
ونلبس أحلامَنا، ونُوَسْوِسُ،
خارطةٌ مغلقةْ...


-6-

شمسُ العاشق تتدلّى ويحنيها النوم
يلزم أن يأخذَ الغيب عطلة الحصاد
أن يسيح وجهي في روح الدنيا
هل أمزّق سفر الخروج
أنحني فوق صورتي وأقرأ رملَها المزرّد كالدرع؟
هل أهمس لثيابي:
تنقّلي على عكّازٍ كمن يحلمُ واقفاً
تعلّقي إشارات وبيارق
في أحراشِ الأصابع والرّقبة حيث أسكر وأدوخ كدوّار الشمس؟
هل أقول لهذا الكرسي:
اتبعني وابقَ وفيّاً للتعب الذي تشرّبته خلجةً خلجة؟
هل أُذَكِّر الموتَ بأوراقه التي نَسيها عندي في زيارته الأخيرة؟
بين أصدافي وبيني قوس ألوانٍ ومسافات
تستطيع المدن أن تعبر تحته وتستريح
لأصدافي أيضاً شوارعها وأشجارها، ولها غُرَفُ نومٍ وأعياد
لو يتكلم السرطان لسألته أين يبيت الليلة
لو ينام البحر لفرشت له سريراً عندي...

1- صوت:

"نترك رأسينا خارج العهد
نمنح لكليهما عقاقيره وأشباحه
رأسكِ وسادةٌ، رأسي بركان يشتعل"

ثم نكتب الوثيقة:
"المرأة بيت موقّتٌ للرجل البيت الموقت"
"الرجل غد الرجل، المرأة مستقبل المرأة"
مع ذلك نبدأ الصفحة التالية
نتحاور بالأرجل
بحبر المسامّ وكلماتِها
ونلهو في ممراتها المقنّعة

فجأةً
تجيء الحمم تومئ الصاعقة
نستيقظ ويجري كلانا وراء رأسه
في حنين السكَن والإقامة وأمواجِ الركض
وراء الوطن الآخر
الضائع الدائم..."

2- حوار:

- بيني وبينك حجابٌ ولن تريني
أنى لك المفاتحة والكشف؟
وقع في قلبكِ الموتُ فاستنيري بالموت
ومن أين تخرقين العادة؟
تخبطين، تخلطين...
أحوالي لم تستحكمْ فيكِ...
- أنا قراركَ
طبختْك شمسي
لبسْتكَ خاتماً ختمتُ به على الدهر.

3- أغنية:

جسدُ الشاعر
جسدُ الطفل والغرابْ
جسدٌ في الكتاب
في هشيم الستائر في الباب في الحجرَ الساهرِ
بين عينيَّ والكتابْ
جسدٌ في الزوايا
في السراب الذي يتناسل تحت المرايا
جسدٌ يتناءى
حجراً طائراً يتلقّفُ أو يضربُ السماء
جسدٌ يتفتّحُ في الحلم، يُغلَقُ في الليل، يمتدّ بين الحروفِ
جسدٌ كالحروفِ
جسدٌ يتقهقر في أوّل الصفوفِ
جسدٌ يتراءى
كالطريق المعلّق، يفتح أوراقَهُ ويستنطقُ الفضاءَ
حيث لا يعرف الصدى أدوارَهْ
حيث لا شيءَ فوق مسرحيَ المقبل غيرُ الصدى وغيرُ الستارة...

4- أغنية:
أدعوكِ يا نهاية الليلِ انْتشي وطولي
صيري على فراشي
ساحرةً،
أدعوكِ أن تقولي
ماذا يقول الحب للعاشق،
في نهايةِ الفصولِ؟

5- أغنية:
لم يزلْ شهريارْ
في السرير المسالمِ، في الغرفةِ الوديعةْ
في مرايا النهارْ
ساهراً يحرسُ الفجيعةْ
سرقتْ وجهَهُ الكلماتُ الخفيفةْ
علّمتهُ السباتْ
في سوادِ البحيرة في زرقةِ الحصى
بين أنقاضه الأليفةْ.

لم يزل شهريارْ
حاملاً سيفه للحصادْ
حاضناً جرّةَ الرياح وقارورةَ الرمادْ
نسيتْ شهرزاد
أن تضيءَ الدروبَ الخفيّةْ
في مدار العروقْ
نسيت أن تضيء الشقوقْ
بين وجه الضحية
وخُطى شهريارْ.



1962


الآراء (0)   

نحن نمقت الإعلانات، ولا نريد إدراجها في موقعنا، ولكن إدارة هذا الموقع تتطلب وقتاً وجهداً، ولا شيء أفضل لإحياء الجهد من القهوة. إن كنت تحب استخدام هذا الموقع، فما رأيك أن تشتري لنا كاسة قهوة على حسابك من هنا :)