قارب الغيم - محمد البريكي | القصيدة.كوم

شاعرٌ إماراتيٌّ (1980-) يدير بيت الشعر في الشارقة.


254 | 0 | 0 | 0



قارب الغيم

لماذا وقفتُ على طلَلِ القريةِ اليومَ
أبكي على دمعتينِ
تعثّرتا في الطريقِ الذي
لا يؤدّي إلى البيتِ
حيثُ تركنا به ذكرياتِ الطفولةِ
نرقبُ ما قد طواهُ الغبارُ
وأضحت مرايا العروجِ
مغبّشةً
لا ترى في الزوايا
سوى غصنِ قريتِنا
والعصافيرُ قد نفضت ريشَها
فوقَ ضلعِ المشاعرِ
ترقبُ
سدرةَ حارتِنا
تتساقطُ
فوقَ النوافذِ
والبائعاتُ اللواتي
يقدِّمنَ حلوى الصغار
وأطعمةَ العيدِ للعابرينَ
إلى عتباتِ المصلّى
يفتّشُ ظلُّ الشجيراتِ عن صوتهنَّ
وتتبعُني ضحكةُ الفقراءِ
الذين رموا حزنَهم
خلفَ ظهرِ الزمان
وحين تمرُّ الطبولُ
بأهزوجةِ العيدِ
ألمحُ فانوسَ شوقٍ على الروح
يسندُ ضوءاً كسيحاً على الباب
مثلَ عجوزٍ
نفتْهُ قلوبٌ تيبَّسَ فيها الشعورُ
وألقوا به في غياهبِ دارِ المسنينَ
وانفضَّ سامرُهُم عن عَصاهُ
وأضحى يعدُّ بأعصابِهِ
خرزَ العمرِ
والقلبُ يسقطُ جمراً
على خدِّهِ
ثمَّ يهوي على ما تبقّى لهُ
من ليالي الشقاءْ

لماذا على القلبِ
أن يتذكرَ أصحابَهُ العابثينَ بألعابهم في الزقاقْ
لماذا على القلبِ أن يشعرَ الآنَ
أنَّ الطريقَ بلا ضحكةٍ
أو رفاقْ
لماذا المواعيدُ مشغولةٌ بالفراقْ
لماذا انتزعتُ من الوقت
تذكرةً لقطارٍ عجوزٍ
يمرُّ على شارعٍ في عيوني
وتدخلُ أنثى الكلامِ الكلامَ
فتقفزُ من داخلِ الصدرِ
رجلــــــــي
وأهربُ من حطبٍ يابسٍ في شعوري
وزنزانةٍ في اشتياقي
وعودِ ثقابٍ أخافُ إذا اشتدَّ خوفي
يشبُّ الضلوعَ
فتصبحُ شاياً من الزنجبيلِ
يُضيِّفُ أصحابَ حزني
ويقفزُ ظلي من العربات
لأبحثَ عن ذاكرةْ

لماذا أفتِّشُ بعدَ رحيل النجومِ
عليكِ
ومن أنتِ
حينَ تصبّينَ قهوةَ فتنتِكِ
الفاخرةْ
لماذا عليَّ إذا ودّعَ النهرُ حرفي
وسلَّمني للمصبِّ البعيدِ
أعودُ إليكِ
على قاربِ الغيمِ
للضحكةِ القاهرةْ

قديماً يقولونَ :
إنَّ الطيورَ إذا ألِفَت عشَّها
ستعودُ
فهل ستبعثِرُ ريحُ المسافات عشِّي
لكيلا أعودْ؟
عليكِ إذن
أن تصدي الرياحَ عن العشِّ
قولي لها :
يا رياحُ بعيداً
بعيــــــــــــــــداً
فسوفَ يعودُ إلى قلبِ
من هجر العابثين بحقلِ الورودْ

دعيني أعودُ إلى عقربِ الوقتِ
علَّ السحابَ الذي حملَ الروحَ
يرجعُ للقريةِ الأمِّ
يسألُ جدرانَها
بعد أن طردت عن ثرانا السعَفْ
هل الموتُ
فيمن ترجَّلَ عن صهوةِ العمرِ
أمْ في القلوب التي تركت
سدرةَ العيدِ باكِيَةً
في العراءْ؟

فماذا سنهدي لأبنائنا
غيرَ خيباتِنا
والبكاءِ على طللٍ أخرسٍ
أو بيوتٍ من الوصلِ
في الذاكرةْ

دعيني أُدَرِّبُ حزني على الهذيانِ
وأسألُهُ:
سدرةَ العيدِ هل ستعودُ إلى قريةٍ
طُردوا أهلَها للمنافي
وعاشوا بلا ضحكةٍ أو رفاقْ؟

محمد عبدالله البريكي
من ديوان " عكاز الريح


الآراء (0)   

دعمك البسيط يساعدنا على:

- إبقاء الموقع حيّاً
- إبقاء الموقع نظيفاً بلا إعلانات

يمكنك دعمنا بشراء كاسة قهوة لنا من هنا: